مشروع تلفريك جبل القلعة… والأولويات الغائبة
يُثار في الآونة الأخيرة جدل واسع حول مشروع تلفريك جبل القلعة في عمّان، الذي يربط بين جبل القلعة وجبل الجوفة، ويُروّج له باعتباره مشروعًا سياحيًا يهدف إلى إبراز جمال العاصمة.
ورغم المظهر الجاذب للفكرة، إلا أن المشروع يثير تساؤلات مشروعة حول جدواه الحقيقية، ومدى انسجامه مع احتياجات المدينة وأولويات سكانها، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وتراجع مستوى الخدمات العامة في العديد من مناطق العاصمة.
هل استُشير سكان عمّان؟
من الطبيعي في مثل هذه المشاريع الكبرى أن تُجرى دراسات جدوى اقتصادية واجتماعية وبيئية دقيقة، وأن يُستمع إلى آراء الأهالي والمجتمع المحلي، لا سيما سكان عمّان القديمة الذين عاشوا تاريخها وأسهموا في بنائها منذ تأسيس المملكة.
لكن الواقع يشير إلى أن أهالي جبل القلعة والجوفة – ومنهم العائلات العريقة التي سكنت عمان منذ عقود – لم تتم دعوتهم لأي اجتماع تشاوري أو استماع مجتمعي، رغم أن المشروع يُقام في قلب مناطقهم التاريخية.
فكيف يمكن تنفيذ مشروع بهذا الحجم دون شراكة حقيقية مع السكان المحليين الذين من المفترض أن يكونوا الشركاء والمستفيدين الأوائل منه؟
السؤال الذي يفرض نفسه: ما العائد الاقتصادي الفعلي من المشروع؟
هل أُجريت دراسة واضحة تُبيّن عدد الزوار المتوقعين سنويًا؟
وكم من فرص العمل الدائمة سيخلقها المشروع؟
في ظل البطالة المرتفعة في مدينة عمان، يصبح من الضروري أن تُبنى مثل هذه المشاريع على تحليل اقتصادي واقعي لا على الوجاهة أو الرمزية السياسية. فكل دينار يُصرف من المال العام يجب أن يقابله نفع ملموس ومستدام للمجتمع والاقتصاد المحلي.
ماذا سنرى من داخل التلفريك؟
قد يتخيل البعض أن التلفريك سيمنح الزوار مشهدًا بانوراميًا مذهلًا للعاصمة، لكن الحقيقة مختلفة؛ فالمسافة بين الجبلين لا تتجاوز بضع مئات من الأمتار، والمنظر الذي سيظهر أمام الركاب سيكون في الغالب مساكن متواضعة، وخزانات مياه، وهوائيات، وأسقف غير منظمة.
فهل هذه هي الصورة التي نرغب في تقديمها للسائح عن عمّان؟
قبل أن نرفع الكاميرات إلى السماء، ربما علينا أن نُعيد تأهيل الأرض والمشهد الحضري، وأن نهتم بتنظيف واجهات المدينة وتحسين بيئتها العمرانية.
أين الأساسيات من كل ذلك؟
من المؤسف أن تفكر الحكومة وأمانة عمّان في مشاريع تجميلية تعد من الكماليات، بينما تعاني العاصمة من نقص واضح في الحدائق العامة والمساحات الخضراء، وتدهور في البنية التحتية، وازدحام مروري خانق، فضلًا عن أحياء تفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية.
إنّ أولى الأولويات يجب أن تكون تحسين نوعية الحياة اليومية للمواطن، لا تجميل صورة المدينة عبر بضعة حبال معلّقة في السماء.
ففي شوارع عمان، الأرصفة شبه غائبة، وإن وجدت فهي متهالكة وغير صالحة للمشاة، خصوصًا لكبار السن وذوي الإعاقة والأطفال، وخاصة قرب المدارس الحكومية حيث يُجبر الطلاب على السير في الطرقات بين السيارات.
أما حاويات القمامة، فحالها يُغني عن الحديث؛ معظمها قديم من الحديد الصدئ، بلا أغطية، وتصدر عنها روائح غير حضارية لا تليق بعاصمة مثل عمّان.
إن من الضروري استبدالها بحاويات بلاستيكية حديثة ذات أغطية محكمة، وزيادة أعدادها وتوزيعها بطريقة منظمة كما هو معمول به في المدن المتقدمة.
خدمات غائبة داخل حدود الأمانة!
الأدهى من ذلك أن هناك مناطق داخل حدود أمانة عمّان الكبرى ما تزال تفتقر إلى شبكات صرف صحي متكاملة، مثل بعض مناطق سامعين وغيرها، ما يسبّب معاناة بيئية وصحية حقيقية للسكان.
فكيف يُعقل أن تُنفّذ مشاريع سياحية بملايين الدنانير بينما خدمات أساسية كالصرف الصحي غير متوفرة في مناطق تقع ضمن مسؤولية الأمانة؟
إن العدالة في التنمية تقتضي أن تبدأ من الأساسيات: المياه، الصرف الصحي، الطرق، والحدائق، قبل أن تتجه إلى مشاريع التجميل أو السياحة الترفيهية.
مشاريع أكثر نفعًا للعاصمة
بدلًا من مشروع تلفريك محدود الجدوى، يمكن توجيه المبالغ المخصصة له إلى مشاريع أكثر أهمية مثل:
1. تأهيل الأرصفة والشوارع الداخلية ضمن مناطق أمانة عمّان وتوحيد منسوبها لتسهيل حركة المشاة، خاصة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال.
2. تحديث شبكة الإنارة العامة باستخدام مصابيح (LED) الموفّرة للطاقة لتعزيز الأمن والسلامة في الأحياء السكنية.
3. زراعة الأشجار المظللة في الأحياء القديمة وتشجيع مبادرات التشجير المجتمعي والمدرسي.
4. تحسين النقل العام عبر إدخال حافلات كهربائية صغيرة وصديقة للبيئة تخفف من الازدحام والتلوث.
5. إنشاء حدائق عامة ومتنزهات مجانية في المناطق المكتظة سكانيًا.
6. تطوير نظام إدارة النفايات بإطلاق مبادرات للفرز من المصدر وإعادة التدوير.
7. ترميم البيوت القديمة في عمّان التاريخية وتحويلها إلى مراكز ثقافية ومعارض تراثية تُدرّ دخلًا لأصحابها وتنعش السياحة المحلية.
ندعو أمانة عمّان الكبرى والحكومة إلى تبنّي نهج تشاركي جديد في التخطيط العمراني، يقوم على الاستماع إلى المواطنين والمجتمع المحلي قبل اتخاذ القرارات، وفتح نقاش وطني شفاف حول أولويات العاصمة التنموية.
كما ندعو إلى إعادة تقييم مشروع التلفريك من حيث الموقع، الجدوى، والأولوية، وإعادة توجيه الموارد نحو مشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية التي تمسّ حياة المواطن اليومية.
ولعلّ من الأفضل أن تُوجَّه مشاريع التلفريك إلى محافظات أخرى مثل الكرك، حيث يمكن أن تشكّل رافعة حقيقية للسياحة الوطنية، تطل على قلعة الكرك التاريخية ووادي الموجب والبحر الميت، فتسهم في تنمية المحافظات بدلًا من تكرار المشاريع في العاصمة.
كلمة ختامية
إنّ تطوير عمّان لا يكون بمدّ الحبال بين الجبال، بل في مدّ الجسور بين الدولة والمواطن.
فالمدينة الجميلة تبدأ من الأرصفة النظيفة، والحاويات الحديثة، وشبكات الصرف الصحي المتطورة، والحدائق الخضراء، لا من عربات معلّقة في الهواء.
فلنعمل جميعًا من أجل عمّان أجمل… وإنسان أكرم.
كابتن أسامة شقمان
.




