نزهة الادريسي - المغرب
بوصفي كاتبة أتابع منذ مدة ما يُثار حول تضاعف تكاليف الأجنحة في الدورة القادمة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب او اي معرض بقام في اي دولة عربية اخرى ولاتستثتنى المغرب ... ولست أكتب اليوم بصفتي مراقِبة من بعيد بل كأحد الذين يشعرون مباشرة بارتدادات هذا التحوّل؛ فكل ارتفاع في التكلفة ينعكس على قدرة دور النشر على المخاطرة، وعلى فرص الكتب الجديدة في أن ترى النور، وعلى صوت الكُتّاب الذين لم يعتادوا طريقًا سهلاً ولا مدعومًا.
لقد كان معرض القاهرة، لسنوات طويلة، أكبر مساحة عربية تسمح للكتاب بأن يُسمع دون وساطة المال. كان أشبه بسوق عامّ لم تكتمل فيه السيطرة، وساحة تفتح الباب أمام الجديد، والضعيف، والهامشي، كما تفتحها أمام الأسماء اللامعة.
أما اليوم، ومع تضاعف رسوم المشاركة، أشعر أننا نقترب من مرحلة يصبح فيها وجود الكتاب نفسه رفاهية، وتصبح المشاركة امتيازًا لمن يقدر على دفع ثمن الوجود، لا ثمن الجودة.
ليست المشكلة في ارتفاع الأسعار بقدر ما هي في رسالة الارتفاع:
رسالة تقول لدور النشر الصغيرة — التي صنعت عبر عقود تنوع المشهد — إن عليها أن تنسحب بهدوء، أو تتقاسم المساحات، أو تكتفي بالمتاح.
وتقول للكتب غير التجارية — تلك التي تعنى بالتراث، والأنثروبولوجيا، والأسئلة العميقة — إنها مؤجَّلة إلى إشعار آخر، لأنها لا تبيع بما يكفي كي تغطي «فاتورة» معرض.
كمؤلفة، أعلم جيدًا أن الكتاب ليس مجرد مشروع اقتصادي. هو رؤية، بحث، تجربة إنسانية، وامتداد لأسئلة فردية وجماعية. وإذا كان حضور كتاب ما في معرض عربي كبير أصبح مرهونًا بقدرة ناشره على دفع الإيجار، فإننا أمام أزمة لا تهدد دورة واحدة فقط، بل تهدد مكانة الكتاب نفسه في مجتمعات تتراجع فيها القراءة أصلاً.
إن تضاعف تكاليف الأجنحة لا يُنذر بأزمة اقتصادية فحسب، بل بأزمة معنى:
معنى دور الثقافة، معنى العدالة الثقافية، معنى أن يجد القارئ كتابًا لمؤلف مجهول لكنه مهم، أو لدار نشر صغيرة لكنها أصيلة.
وأنا أرى—ككاتبة تؤمن بضرورة حماية التنوع—أن الحل لا يكمن في الصمت أو التكيّف وحده، بل في رفع الصوت دفاعًا عن حقّ الكتاب في فضاءه، وعن ضرورة أن يظل معرض القاهرة منبرًا للجميع، لا ساحةً لمن يملك فقط.
فالثقافة التي تُدار بمنطق السوق وحده، سرعان ما تفقد روحها، وسرعان ما يتحول المعرض من احتفال بالمعرفة إلى واجهة لامعة تخفي وراءها نقصًا في الجوهر.
إن الكتاب أعمق من أن يُقاس مترًّا بمتر، أو أن يُختزل في تكلفة جناح.
والثقافة، كي تبقى حيّة، تحتاج إلى أن تُنقذ من قبضة الأرقام، وإلى من يدافع عنها… حتى بالكلمة.




