القلعة نيوز :
موازنة مجلس النواب الأردني لسنة 2026
بقلم: الباحثة القانونية شهد الصرايره
تُعدّ الموازنة العامة للدولة من أهم القوانين المالية ذات الطبيعة الخاصة، لما تمثّله من أداة قانونية لتنظيم الإيرادات والنفقات العامة، وضمان خضوع المال العام لمبادئ المشروعية والرقابة الدستورية. وتكتسب موازنة مجلس النواب الأردني لسنة 2026 أهمية قانونية خاصة، لارتباطها المباشر باختصاصات السلطة التشريعية ودورها في إقرار الإنفاق العام، وفقًا لما رسمه الدستور الأردني.
أولًا: الطبيعة القانونية للموازنة العامة
تُصنّف الموازنة العامة بوصفها قانونًا شكليًا ومحدّد المدة، يصدر بقانون سنوي، ويُقيّد السلطة التنفيذية في حدود الاعتمادات المالية الواردة فيه. ولا تُنشئ الموازنة بذاتها حقوقًا مكتسبة، وإنما تُجيز الجباية والإنفاق ضمن الإطار الذي حدّده المشرّع الدستوري، بما ينسجم مع مبدأ سيادة القانون وحسن إدارة المال العام.
ثانيًا: الاختصاص الدستوري لمجلس النواب في إقرار الموازنة
نصّت المادة (112) من الدستور الأردني على أن تُقدّم الحكومة مشروع قانون الموازنة العامة إلى مجلس الأمة لمناقشته وإقراره، كما أكّدت عدم جواز الإنفاق إلا ضمن الاعتمادات المقرّرة قانونًا. ويُستفاد من ذلك أن سلطة مجلس النواب لا تقتصر على المناقشة الشكلية، بل تمتد إلى ممارسة رقابة تشريعية فعلية على أوجه الإنفاق العام.
ويُثار في هذا الإطار تساؤل قانوني حول مدى اتساع السلطة التقديرية لمجلس النواب في تعديل بنود الموازنة، وحدود هذه السلطة في ضوء الطبيعة الخاصة لقانون الموازنة، الأمر الذي يستدعي تفسيرًا دستوريًا متوازنًا يجمع بين متطلبات الانضباط المالي ومقتضيات الرقابة البرلمانية.
ثالثًا: الرقابة الدستورية اللاحقة على تنفيذ الموازنة
لا تكتمل الرقابة الدستورية على المال العام بمجرد إقرار الموازنة، بل تمتد إلى مرحلة التنفيذ، وهو ما أكّدته صراحة المادة (119) من الدستور الأردني، التي نصّت على تشكيل ديوان محاسبة لمراقبة إيرادات الدولة ونفقاتها وطرق صرفها، وتقديم تقارير عامة إلى مجلسي الأعيان والنواب تتضمن المخالفات والمسؤوليات والملاحظات التي يراها ضرورية.
ويُشكّل الربط بين إقرار موازنة مجلس النواب لسنة 2026 ومخرجات تقارير ديوان المحاسبة التزامًا دستوريًا، يهدف إلى ضمان الالتزام بالاعتمادات المالية المقرّرة، ومنع أي انحراف في أوجه الصرف، وترسيخ مبدأ المساءلة القانونية عن أي تجاوزات مالية قد تمس المال العام.
رابعًا: الموازنة العامة ومبدأ الفصل بين السلطات
يُعدّ إقرار الموازنة العامة أحد أبرز تطبيقات مبدأ الفصل المرن بين السلطات المنصوص عليه في المادة (24) من الدستور الأردني، حيث تمارس السلطة التشريعية دورها الرقابي على أعمال السلطة التنفيذية ضمن إطار دستوري متوازن، دون الإخلال باستقلال كل سلطة في حدود اختصاصها.
وعليه، فإن دراسة موازنة مجلس النواب الأردني لسنة 2026 من منظور قانوني تُفضي إلى التأكيد على أن الرقابة البرلمانية على المال العام التزام دستوري أصيل، وليس مجرد إجراء شكلي، وأن أي تضييق غير مبرر على هذا الدور يُفرغ النصوص الدستورية من مضمونها ويُضعف الحماية القانونية للمال العام.
وفي الختام، نسأل الله أن يحفظ الأردن ملكًا وشعبًا ووطنًا، وأن يديم عليه أمنه واستقراره في ظل دولة القانون والمؤسسات.




