القلعة نيوز : القاها الفنان والناقد التشكيلي عبدالرؤوف شمعون، وادارها المستشارة الثقافية في المنتدى القاصة سحر ملص. ناقشت المحاضرة مفاهيم الصورة الفنية في كل من عالم الأدب والرواية، وعالم الفن التشكيلي وكيف كانت هذه المفاهيم في الماضي وكيف تطورت عالميا، كما تطرقت الى العوامل المؤثر على مجموعة التحولات الجمالية للصورة الفنية، ومجموعة العوامل التي كان لها تأثيرها المهمة على الأدب العربي الحديث وعلى الفن التشكيلي بأساليبه ومذاهبه المختلفة.
رأى شمعون أن المذاهب النقدية المختلفة تكشف عن صعوبة الاتفاق على معنى واحد موحد للصور الفنية. فهي مصطلح يكاد يكون مبهما رغم المعنى الجوهري للصورة في الفن وفي الأدب، وذلك بما تتصف به من عمق واتساع وتنوع في الأغراض او الوظائف والأهم من هذا تعدد أساليب المبدعين في التعامل مع الصورة الفنية. واعتبر المحاضر الصورة في الأدب والفن، شيء أصيل داخل الحالة النفسية، وداخل الحالة الوجدانية عند كل من الفنان والأديب، ويمكن لأي منهما عن طريق التصوير الفني ان يبدع في مجاله بهدف تعزيز صلته وتأثيره بالمتلقي. فالصورة لدى كل منهما ذات طبيعة حسية تخضع لنوع من التنظيم والتشكيل وتحمل ذلك القدر المهم من الانفعالات، والقدر المهمة من طاقة الخيال، وهي مؤثرات بعضها معنوي وبعضها الاخر مجازي تجريدي.
وأشار شمعون الى ان الإبداع يعتمد على جماليات المعنى والشكل معا، مثلا الشعر جانب كبير من جماله يقوم على الصورة الشعرية والتي تشمل على اللغة والموسيقى وينطبق هذا على كثير من الدراسات الأدبية للقصة والرواية، مشيرا الى ان الصورة في معناها المباشر تعني الشكل الهيئة وربما تمتد الى ما بعد من الحداثة في المصطلح الأدبي، "البنيوية"، وهي في الفن تعني البناء وتعني الصيغة البصرية في الرسم او النحت. وتحدث المحاضر عن مفهوم الصورة المجازية قائلا : استخدم المجازي في عناوين ودراسات أكاديمية ذات طابع أدبي، او علمي اجتماعي كأن نقول: "صورة المدينة في العمارة الإسلامية"، والصورة هنا تقدم فكرة ذهنية ومعرفية لموضوع محدد في زمن محدد لكنها لا تستمر كما بدأت بل تتغير وتتبدل وفقا للحالة الثقافية في أي بلد من بلدان العام، كما تتغير بشكل مباشر وفقا للنزعات الأيديولوجية السائدة ومعاييرها، ومن غير المعقول نسيان أهواء الكاتب، آراءه والغرض من دراسته.
يواصل شمعون حديثه عن الصورة وتطويرها مبينا: ان الصورة الفوتوغرافية تطورت كثيرا بتطور الكاميرا وتقنياتها وبهذا التطور التقني تحول الهدف من تسجيل للوقائع والاحداث والشخصيات، إلى التعبير الفني للصورة -سواء كانت ثابته او متحركة- كاميرا السينما والتلفزيون- فهي بحاجة الى عين حاسة وذكية والى مدارسة متعددة المعرفة، وبدون رؤية تشكيلية وثقافة أدبية لا يستطيع الفنان المصور او المخرج من تقديم عمل بمستوى جمالي راق، مبنيا انه في الإبداع السينما العالمي، رأينا الصورة الأدبية المقروءة تتحول الى نصوص مرئية، فكان للفن التشكيلي ومدارسة الحديث تأثير كبير على الأساليب السينمائية ومضامين الأفلام الروائية بشكل خاص.
وتساءل المحاضر "هل بين الفنان التشكيلي وبين الشاعر او الروائي من علاقات متشابه او علاقات متباينة؟"، قائلا: الاختلاف في الظاهر هو في "لغة التعبير والموضع"، فلغة الفنون لها تعبيرها وأدواتها وعناصرها، كما تدخل لغة التعبير في تشكل الصورة الفنية التي تلعب الدور المطلوب للتأثير على المتلقي، وبقدر ما تحمل هذه الفنون من صور جمالية يكون مستوى التأثير اكبر. فقد تحمل الصورة درجة متكاملة في التأثير إذا ما اجتمع فيها الجانب البصري والسمعي والبلاغي. واشار شمعون الى انه في الأعوام الماضية وصل الجدل بين الشكل والمضمون إلى ذروته في النقد العربي، وتطور هذا الجدل في مراحلة الأخيرة الى صعوبة الفصل بين الشكل والمضمون بما يتوافق ويتفق مع شعارات أيديولوجية معينة او مع فكر سياسي سائد او مع اتجاهات تبنت الهم الوطني وما يواجه الاوطان من تحديات ومن احداث كبرى، وظهر "ادب المقاومة"، الأدب التقدمي، في مواجهة آثار النكبة وهزائم الحروب، وإن معظم النتاجات الأدبية والفنية كانت ذات بعد مباشر وذات بعد رومانسي موجه وجدانيا في الوقت نفسه، مما أدى إلى انحسار القيم الجمالية في الفن والأدب، وحصل تراجع في تعمق مفهوم الصورة، لهذا وبدوافع الالتزام والنظريات المقيدة للحريات كان لابد من التركيز على إيصال الفكرة على حساب الشكل وعلى حساب عناصره الجمالية. وأوضح المحاضر أنه في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين ظهرت بوادر الصحوة عند مجموعة من المبدعين العرب في ميادين متعددة نتيجة تحولات في الرؤى الفنية قادتهم الى الحداثة والتجديد في الأفكار وفي الأساليب، وغدت حرية الإبداع هي المنطلق من الصورة الجميلة الى الصورة الأجمل، من المباشر الى الإيحاء من التشخيص الى التجريد دون فقدان الصلة بالطبع بالدلالات التعبيرية غير التقليدية. اما الصورة في الشعر العربي الحديث وعلى ضوء هذه التحولات قال شمعون "الصورة الفنية في القصيدة هي جوهر الشعر، بل هي أساس تقيمه وتتضمن هذه الصرة ما تقدمه البلاغة من تشبيه ومجاز ومن تداعيات ذهنية ونفسية بمفردات رمزية ذات صلة بوجدان الشاعر وبروحه وثقافته الصورة الشعرية تتجاوز التعبير الحسي. هي وسيلة الشاعر لنقل فكرته وعاطفته للقارئ وبلغة جمالية في اعلى درجاتها. لكن هذه الصورة ليست ذات مستوى بلاغي واحد فتأتي صريحة ومباشرة كما هي في أقدم قصائد محمود درويش "سجِّل! أنا عربي/ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ/وأطفالي ثمانيةٌ/ وتاسعهُم.. سيأتي بعدَ صيفْ!/ فهلْ تغضبْ؟". وخلص شمعون الى ان الصورة الفنية على المستوى العربي لا زالت رهينة الشكل الواقعي اقرب الطرق والأساليب الى عقل ووجدان الإنسان العربي وبالتالي فان مستوى التذوق الجمالي لديه لا زالت محدودة فنحن بحاجة للأمام بثقافة الصورة، كي نعرف دلالاتها الفكرية والجمالي تلك التي تؤثر في نفوسنا وتدعونا باستمرار الى التجدد والارتقاء