
القلعة نيوز: فادية خليل الجرابعه
عَنْ فَقِيدِ الطَّفِيلَةِ: عَلِيِّ البَدَايْنَةِ (أَبِي هَيْثَمٍ) – رَحِمَهُ اللهُ
في لَحَظَاتِ الفَقْدِ، تَتَكَسَّرُ الكَلِمَاتُ عَلَى أَعْتَابِ الحُزْنِ، وَتَعْجِزُ الحُرُوفُ أَنْ تُوفِيَ الرَّاحِلِينَ – مِنْ أَمْثَالِ عَلِيِّ البَدَايْنَةِ (أَبِي هَيْثَمٍ) – حَقَّهُم.
قَدْ رَحَلَ الرَّجُلُ، وَلَكِنَّ صَدَى سِيرَتِهِ لاَ يَزَالُ يَمْلَأُ الطَّفِيلَةَ طُهْرًا وَشَرَفًا، وَكَأَنَّهَا تُهَمْهِمُ لِكُلِّ مَنْ عَرَفَهُ: هَكَذَا يَرْحَلُ العُظَمَاءُ.
لَمْ يَكُنْ أَبُو هَيْثَمٍ مُجَرَّدَ اسْمٍ فِي سِجِلاَّتِ الحَيَاةِ، بَلْ كَانَ قَامَةً مِنْ قَامَاتِ الطَّفِيلَةِ، وَرُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهَا المُجْتَمَعِيَّةِ وَالإِنْسَانِيَّةِ.
رَجُلٌ إِذَا تَحَدَّثَ أَنْصَتَ لَهُ الجَمِيعُ، وَإِذَا حَضَرَ شَعَرَ النَّاسُ بِالأَمَانِ، وَإِذَا غَابَ، خَلَا المَكَانُ مِنْ هَيْبَتِهِ وَوَقَارِهِ.
عُرِفَ بِخُلُقِهِ الرَّفِيعِ، وَبِحِكْمَتِهِ الهَادِئَةِ، وَبِصَوْتِهِ الَّذِي طَالَمَا صَدَحَ بِالحَقِّ، لاَ يَخْشَى فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ.
كَانَ أَبًا لِلْجَمِيعِ، نَاصِحًا مُخْلِصًا، وَصَاحِبَ قَلْبٍ كَبِيرٍ يَتَّسِعُ لِكُلِّ مَنْ ضَاقَتْ بِهِ الحَيَاةُ.
فِي المَجَالِسِ، كَانَ لَهُ وَقَارُ العَالِمِ، وَدِفْءُ الصَّدِيقِ، وَصِدْقُ الحَكِيمِ. لَمْ يَسْعَ يَوْمًا إِلَى مَجْدٍ شَخْصِيٍّ، بَلْ كَانَ يَسْعَى لِرِفْعَةِ مُجْتَمَعِهِ، وَصَلَاحِ أَهْلِهِ، وَخِدْمَةِ النَّاسِ بِمَا اسْتَطَاعَ، دُونَ مَنٍّ وَلاَ رِيَاءٍ.
يَرْحَلُ العُظَمَاءُ دُونَ ضَجِيجٍ، وَلَكِنَّهُمْ يَتْرُكُونَ أَثَرًا لاَ يُمْحَى، وَبَصَمَاتٍ لاَ يَطْوِيهَا الزَّمَنُ.
رَحَلَ أَبُو هَيْثَمٍ جَسَدًا، وَلَكِنَّ رُوحَهُ بَاقِيَةٌ فِينَا، فِي كُلِّ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ قَالَهَا، وَفِي كُلِّ يَدٍ امْتَدَّتْ بِالخَيْرِ، وَفِي كُلِّ نَفْسٍ تَعَلَّمَتْ مِنهُ مَعْنَى الصَّبْرِ، وَالكَرَامَةِ، وَالنَّخْوَةِ.
يَا عَلِيَّ البَدَايْنَةَ، نَمْ قَرِيرَ العَيْنِ، فَقَدْ زَرَعْتَ الخَيْرَ، وَرَبَّيْتَ أَجْيَالًا عَلَى الصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ، وَكُنْتَ لِأَهْلِكَ وَأَحِبَّائِكَ جَبَلًا لاَ يَلِينَ.
رَحِمَكَ اللهُ، فَإِنَّ رَحِيلَكَ مُوجِعٌ، وَلَكِنَّ عَزَاءَنَا فِيكَ، أَنَّكَ تَرَكْتَ إِرْثًا مِنَ القِيَمِ وَالمَوَاقِفِ وَالمَآثِرِ، لاَ يَمُوتُ.
هَكَذَا يَرْحَلُ العُظَمَاءُ... بِصَمْتٍ، وَلَكِنْ بِخُلُودٍ.