هل تنجح مدينة عمرة في كسر معادلة الصحراء؟ قراءة استراتيجية للمشروع
احمد عبدالباسط الرجوب
يشكّل إطلاق مشروع مدينة عمرة خطوة استراتيجية في مسار التخطيط الحضري الأردني، وواحداً من أكبر المشاريع العابرة للحكومات خلال العقود المقبلة. ويهدف المشروع إلى تخفيف الضغط عن عمّان والزرقاء، وفتح آفاق جديدة للاستثمار والسكن والعمل، ضمن رؤية تستند إلى الاستدامة والتخطيط طويل الأمد.
وإذا كان الإعلان الرسمي مبشّرًا ويحمل رؤية تقدمية في التخطيط المستقبلي، فإن نجاح المشروع يتطلب أن نقرأه بعين استراتيجية محايدة: نبارك المشروع ونؤيده، لكن نشير — بخبرة اقتصادية وتخطيطية — إلى مكامن الخطورة التي يجب التعامل معها مبكرًا لضمان نجاحه وتحوله إلى قصة نجاح وطنية حقيقية والتي تعتمد على إدارة جملة من التحديات البيئية والاقتصادية العميقة التي لا يمكن تجاهلها.
موقع واعد… واختبار حقيقي للجدوى
على الرغم من الموقع الاستراتيجي الواعد لمدينة عمرة، إلا أن طبيعة الأرض التي تُبنى عليها تُشكّل تحدياً جوهرياً. تقع المدينة في قلب صحراء قاحلة، تتميز بمناخ شديد القسوة: حرارة لاهبة صيفاً، وبرودة قارصة شتاءً، مع شحّ حاد في الموارد المائية. الأمر لا يتوقف عند ندرة المياه السطحية فحسب، بل إن المياه الجوفية المتاحة غالباً ما تكون ذات نوعية تتطلب عمليات معالجة مكلفة ومعقدة. هذه الظروف تفرض واقعاً هندسياً ومالياً لا مفر منه: لن تكون عمرة مدينة عادية، بل ستكون مشروعاً مرتفع التكلفة بطبيعته.
فنجاحها وتحويلها إلى مركز جاذب للحياة والاستثمار، سيتوقف بشكل حاسم على مدى قدرة التصميم على مواجهة البيئة من خلال حلول متكاملة ومكلفة، تشمل إدارة متطورة للموارد المائية، وتصميم مناخي مقاوم، وبنية تحتية ذكية. ويكفي أن نتخيل، على سبيل المثال لا الحصر، التحدي الذي سيواجه أحد أبرز مرافق المشروع المعلنة: الاستاد الرياضي. فكيف يمكن تشييد وتشغيل منشأة رياضية كبرى في بيئة تتقلب بين الصيف الحار والشتاء البارد؟ هل ستلجأ المدينة، كما فعلت دولة قطر في مونديال 2022، إلى حلول التبريد والتكييف الفعالة ولكنها باهظة الثمن للملاعب؟ هذا السؤال البسيط حول منشأة واحدة يفتح نافذة على إشكالية أوسع: كل مرفق عام، وكل مساحة معيشية، وكل شارع في عمرة، سيحتاج إلى "حل خاص" ومكلف ليكون مريحاً وقابلاً للاستخدام على مدار السنة.
وهنا يبرز السؤال المحوري: من سيتحمل هذه التكاليف الاستثنائية؟ فمثل هذه الحلول تُترجم مباشرة إلى كلفة بناء مرتفعة وتكاليف معيشية أعلى للسكان، مما يضع المواطن محدود الدخل في موقف صعب، ويعيد طرح سؤال الجدوى الاقتصادية والاجتماعية للمشروع برمته، ومدى ارتباطها باستمرار دعم حكومي سخي وطويل الأمد.
المدينة تحتاج اقتصاداً قبل أن تحتاج عمراناً
وتبدو التحديات المالية والبيئية متشابكة مع تحدٍّ استراتيجي آخر لا يقل أهمية. فالتجارب الإقليمية تُظهر أن المدن الجديدة لا تنجح بالإنشاء العمراني وحده، بل بخلق وظائف وأسواق وخدمات مبكرة تدفع السكان للانتقال إليها. وقد أثبتت تجارب مثل العاصمة الإدارية والعلمين في مصر أو لوسيل واللؤلؤة في قطر أن المشاريع العملاقة تنجح عندما تقودها الدولة برؤية مستقرة، وتدمج البعد الاقتصادي بالتخطيط العمراني منذ اليوم الأول.
وفي المقابل، تكشف التجارب الأردنية السابقة مثل مدينة الشرق وإسكان الجيزة (مدينة اهل العزم 2008) بأن غياب الخدمات والاقتصاد ينتج مدناً بلا حياة فعلية، مهما كان التخطيط الهندسي جيداً. وهذا ينقلنا إلى جوهر إشكالية عمرة: كيف يمكن بناء اقتصاد نابض في بيئة طبيعية تتطلب استثمارات هائلة لمجرد جعلها قابلة للعيش؟
توصيات لضمان نجاح المشروع
لكي لا تتحول عمرة إلى توسع عمراني غير مستدام، أو مشروعاً مكلفاً بلا روح، لا بد من:
1. معالجة التكلفة المعيشية: عبر دعم أسعار السكن والمياه والكهرباء للشرائح المتوسطة ومحدودي الدخل، كشرط أساسي لجذب السكان وليس المستثمرين فقط.
2. توفير نقل عام قوي ومنخفض الكلفة يربط المدينة بعمّان والزرقاء، لتعويض تكلفة العزل المحتملة.
3. خلق فرص عمل داخل المدينة نفسها في قطاعات تتواءم مع طبيعتها، كالتكنولوجيا والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية، وليس الاعتماد على الوظائف الحكومية فقط.
4. تنفيذ الطرح العمراني على مراحل وفق الطلب الحقيقي القائم على توفر الوظائف، وليس وفق وتيرة البناء فقط.
5. إصدار قانون منظم للقطاع العقاري والإسكاني يحمي الاستثمار ويضمن الشفافية ويحدد بوضوح آليات تحمل التكاليف طويلة الأمد للبنية التحتية "الخاصة".
إدارة المشروع كمشروع دولة عابر للحكومات، بمركزية التخطيط ووضوح الرؤية المالية، كما في التجارب الناجحة إقليمياً.
الخلاصة:
إن مدينة عمرة مشروع طموح واعد، وقد يكون نقطة تحول في المشهد العمراني والاقتصادي الأردني. لكن نجاحه الحقيقي يتوقف على قدرة الدولة على تخطي النموذج التقليدي. فهو اختبار لقدرتنا على دمج البعد الاقتصادي والاجتماعي بالبعد الهندسي بشكل ذكي، واختبار للإرادة السياسية والمالية لمعالجة تحديات المناخ والمياه عبر استثمارات مستمرة، وبناء نموذج تنموي يجذب السكان بدافع جودة الحياة والفرصة الاقتصادية الحقيقية، لا بدافع السكن المدعوم فقط.
إنها فرصة تاريخية لخلق مدينة مستقبلية حقيقية… شرط أن تُدار بمنطق اقتصادي واجتماعي واضح، يكون على نفس مستوى الطموح الهندسي. إذا نجحت هذه العناصر، يمكن لعمرة أن تصبح نقلة حضرية واقتصادية للأردن. أما إذا غابت، فقد نجد أنفسنا أمام مدينة فاخرة قليلة السكان، أو مشروعاً مرهوناً بخزينة الدولة، يُضاف إلى سجل التجارب العمرانية الطموحة التي لم تحقق وعودها الاجتماعية والاقتصادية الكاملة.
باحث ومخطط استراتيجي



