مرة اخرى نعود لموضوع هام تحتاج الحكومة الى مراجعة استراتيجيتها فيه و بسرعة. انها عملية اعادة هيكلة القطاع العام و الابتكار فيه. بعد الاستراتيجية الجريئة التي قادها جلالة الملك في الامن العام و الدفاع المدني و الدرك و قبل ذلك في القوات المسلحة، كان لدى الحكومة فرصة ذهبية لتطبيق ذات الفكر في القطاع العام .
ما قامت به الحكومة لغاية الان ، و ما اعلنت انها ستقوم به ، يعد خطوات خجولة لا تصل الى مستوى التطلعات . حكومة المستقبل بحاجة الى جرأة اكبر في التعامل مع الهياكل التنظيمية و التشريعات الميسرة و كذلك طبيعة العمل و مستقبل الوظائف. الجهاز الاداري المترهل لا ينتج سياسات و خدمات مبتكرة ، و لا حتى معاصرة. التحديات الحكومية الحالية ، و المستقبلية ، بحاجة الى سرعة و مرونة في القرار و قدرة كبيرة على الاستجابة للتغيرات و الاشتباك الايجابي معها.
في الولايات المتحدة خمسة عشر وزارة ، في سنغافورة اربعة عشر، و في فنلندا اثنتا عشرة وزارة و الامثلة المشابهة كثيرة . ان ترشيق القطاع العام ، او "اعادة اختراعه"، يبدأ من الاعلى . لا زلنا نعالج الامور بشكل مجزء و منفصل و متقطع. الاصلاح الحكومي منظومة شاملة و تصور متكامل فيه من الابتكار و الخيال و طول النفس ما يشكل نقلة نوعية و ليس عمليات تحسين او معالجات موضعية ، و الفرق كبير بين الروئيتين.
ان تبسيط عملية اعادة الهيكلة بان هدفها مالي و هو التعامل مع فاتورة التقاعد و الراواتب و المصروفات لا يصيب الهدف بل يؤدي الى نتائج سلبية ليس اقلها اخافة الناس و اقلاق الشباب الباحث عن العمل . نحن بحاجة الى انتاجية اعلى و شباب اكثر و خبرات اعمق ، و ليس العكس . الوطن بحاجة الى الجميع . استراتيجيات اعادة الهيكلية المبنية على التوفير لن تنجح ، المطلوب هو الاستثمار بعيد المدى في الاردن و ليس التقتير عليه .
القطاع العام هو رافعة التنمية و ليس مجرد تكاليف يجب تخفيضها كما يروج ، و لا بد من الاستثمار فيه عن طريق اعادة هيكلة جذرية تطلق له العنان و لا تقيده . نحن بحاجة ماسة الى الابتكار و الخيال و عماد ذلك تحمل المسؤولية الوطنية و بشجاعة .