المنامة - نشرت « الخليج « في عددها الصادر الخميس 24 حزيران الحالي موضوعا لـ « عدنان أحمد يوسف « رئيس جمعية مصارف البحرين، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا .. جاء فيه :
رغم أن فكرة تأسيس بنوك رقمية تعود إلى مطلع العقد الماضي، فإن الكثير من العوامل تضافرت طوال هذه السنين؛ لتدفع نحو بروز البنك الرقمي خياراً مستقبلياً أمام بنوك العالم كافة.
والبنوك الرقمية؛ هي عبارة عن بنوك تقوم بتقديم الخدمات والعمليات المصرفية عن طريق الإنترنت بشكل إلكتروني؛ حيث تقدم نفس ما تقدمه البنوك في شكلها التقليدي؛ لكنها تقدمها بشكل إلكتروني عن طريق شبكة الإنترنت.
وتحتفظ البنوك الرقمية بمركز إداري يزاول فيه الموظفون تسيير أعمال البنك الإلكترونية مع التقيد بضوابط الحوكمة، والامتثال والمخاطر وغيرها.
من القضايا الرئيسية التي أبرزت الحاجة للبنوك الرقمية، تطور الشبكات الرقمية، وتوفرها على نطاق واسع منذ مطلع تسعينات القرن الماضي.
كما ظهرت الخدمات المصرفية عبر الإنترنت كخيار قابل للتطبيق مع ظهور ما نعرفه عن الخدمات المصرفية الرقمية الحديثة.
كما يذكر تقرير الاستثمار المصرفي الرقمي العالمي للربع الأول من عام 2021 الصادر من شركة تشالنجر إنسايدر، أن تقدم وانتشار الهواتف الذكية في الألفية الجديدة فتح الباب أمام المزيد من المعاملات المتقدمة.
وأصبحت صناعة الخدمات المصرفية الرقمية متقدمة جداً، ويُعتقد أن 76% من الأفراد يستخدمون الخدمات المصرفية عبر الإنترنت بانتظام اعتباراً من عام 2020.
ويتبين هذا النشاط غير المسبوق في حركة البنوك الرقمية عالمياً؛ حيث تجاوز المبلغ الإجمالي للاستثمارات في البنوك الرقمية على مستوى العالم خلال الربع الأول من عام 2021، مستوى 5 مليارات دولار.
وبلغ حجم سوق الخدمات المصرفية الرقمية العالمية 2.89 تريليون دولار أمريكي في عام 2018، ومن المتوقع أن يصل إلى 5.79 تريليون دولار بحلول عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 8.9% خلال الفترة المتوقعة.
كما أسهمت الأزمة المالية في عام 2008 في زيادة الحاجة للبنوك الرقمية؛ كونها تمتاز بشفافية أكبر في معاملاتها، وبنفس الوقت يمكن التحكم في مخاطر الإقراض بصورة إلكترونية. وأيضاً نظرا ًلحاجة البنوك إلى إعادة بناء محافظها التمويلية والاستثمارية بكلف أقل.
لكن جائحة «كورونا» كان لها قوة كاسحة على إبراز الحاجة المُلحة ليس للبنوك الرقمية فحسب؛ بل وللاقتصاد الرقمي ككل.
فقد تلمس العالم لمس اليد وسط إجراءات الإقفال والتباعد الاجتماعي وتعطل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والترفيهية الحاجة الملحة والفورية لابتكار قنوات بديلة لممارسة هذه الأنشطة وبنفس الوقت المحافظة على سلامة وأمن المجتمع والفرد، ولم تكن هذه سوى القنوات الرقمية التي توسع استخدامها في كافة المجالات.
لكن الأهم من ذلك، أن الآراء شبه مجمعة على أن الاعتماد المتزايد على القنوات الرقمية، سوف يستمر حتى مع افتراض انتهاء الجائحة؛ حيث برزت الفوائد والمزايا الكثيرة لاستخدامها لكافة الأطراف المعنية بها.
ويوجد حالياً أكثر من 400 بنك رقمي في جميع أنحاء العالم، ولا تزال السوق تنمو بسرعة؛ من حيث العدد والحجم في ظل ظروف تحول استثنائي قلما مر بها العالم من قبل.
ويرى المراقبون أن الفرص المصرفية الرقمية لا تزال وافرة في مجالات وأسواق جغرافية ناشئة عدة في جميع أنحاء العالم.
أما بشأن البنوك الرقمية الإسلامية، فقد شهدت هي الأخرى إقبالاً كبيراً، وتم تأسيس عدد منها في البحرين والدول الخليجية والعربية وحتى الأوروبية. وبطبيعة الحال، فإن تجربتها لا تزال في بدايتها، وتركز على أسواقها المحلية.
لكن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تتوقع أن يكون لجائحة كورونا والتباعد الاجتماعي الناجم عنها دافعاً لتسريع استراتيجيات التحول الرقمي في البنوك الإسلامية في العديد من الدول التي ينشط فيها التمويل الإسلامي؛ حيث إن الشمول المالي يعد مشكلة رئيسية في الكثير منها.
وتذكر الوكالة أن سوق الصيرفة الرقمية الإسلامية ينطوي على فرص واسعة؛ حيث إن هناك 1.8 مليار مسلم في العالم أو ما يقرب من 24% من سكان العالم. كما تحتضن الدول الأوروبية عشرات الملايين من المسلمين والجاليات الإسلامية.
ويمكن أن تدعم البنوك الرقمية ظهور طبقة وسطى متنامية متمرسة بالتكنولوجيا إضافة إلى معدلات اختراق عالية للهاتف المحمول والإنترنت في العديد من البلدان التي ينشط فيها التمويل الإسلامي.
ويمكن أن تستفيد أسواق الصكوك أيضاً من كفاءات السوق التي توفرها التكنولوجيا المالية؛ كالانخفاض المتوقع في التكاليف، واختصار الوقت، والوصول إلى مجموعة أكبر من المستثمرين؛ من خلال زيادة استخدام التقنيات.
علاوة على أنه سيكون لها تأثير واضح على نجاح المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وريادة الأعمال في الدول النامية بشكل خاص؛ حيث تتيح لهم الحصول على التمويل بكُلفة أرخص، كذلك تتبع مبيعاتهم ومخزونهم وإيراداتهم اليومية بسهولة من خلال الدفع الرقمي.
وصحيح أن تطور البنوك الرقمية الإسلامية سوف يواجه نفس المشاكل التي تواجه البنوك الرقمية التقليدية في جوانب عدة، علاوة على تطوير التشريعات المالية الإسلامية التي تسمح وتسهل تقديم الخدمات المصرفية الرقمية بكافة أنواعها، فإن هذا لا يمنع من دعوتنا في ختام هذا المقال إلى التفكير في إطلاق بنوك رقمية إسلامية على المستوى العالمي.
وتقتدي بتجربة البنوك الإسلامية العالمية التي شهدنا نجاح الكثير منها طوال العقود الأربعة الماضية، وأثبتت جدواها في ربط أسواق دول المنطقة بالأسواق والمستثمرين العالميين.
كما يمكن للبنوك الرقمية الإسلامية العالمية أن تتوجه لتلبية احتياجات عشرات الملايين من المسلمين والجالية الإسلامية في الأسواق الأوروبية، علاوة على تنامي الطلب من قبل الحكومات والشركات والأفراد في هذه الأسواق على المنتجات المصرفية الإسلامية. ولعلنا نعود لمناقشة هذه الفكرة بتفاصيل أوسع في مقالات قادمة إن شاء الله.