القلعة نيوز : فلسطين المحتلة - تتطلع حكومة الاحتلال الإسرائيلية للمصادقة على قانون «فيسبوك» في الكنيست، بالقراءتين الثانية والثالثة، والذي يمنح صلاحيات واسعة بإلزام المواقع الإعلامية، وشبكات التواصل الاجتماعي، حذف مضامين، بادعاء مكافحة «التحريض» و»الإرهاب» وعدم المساس بـ»أمن الدولة» و»أمن الجمهور» و»أمن الفرد».
وتحت هذه المسميات والتبريرات الإسرائيلية، صادقت اللجنة الوزارية للتشريعات على مشروع القانون الذي بادر إليه وزير القضاء الإسرائيلي، غدعون ساعر، وصادق عليه الكنيست بالقراءة الأولى، ومن المرجح المصادقة عليه على الرغم من التحفظات التي أبداها حزب «ميرتس» الشريك بالائتلاف الحكومي، والذي يدعم بشكل عام جوهر ونصوص القانون، ويطالب بإحداث بعض التعديلات الهامشية.
ويأتي مشروع قانون «فيسبوك» لحكومة نفتالي بينيت، والتي تحظى بدعم «القائمة العربية الموحدة/ الحركة الإسلامية (الجنوبية)، امتدادا لمقترحات تشريعات بادر إليها عامي 2016 و2017، كل من وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، ووزيرة القضاء، أييليت شاكيد، بهدف محاربة المحتوى الرقمي الفلسطيني وشطب المضامين الداعمة لنضال الشعب الفلسطيني.
ويمنح قانون «فيسبوك» النيابة العامة الإسرائيلية صلاحيات واسعة لحذف مضامين منشورة في شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت، ويمكنها التوجه للمحكمة الإسرائيلية للمطالبة بحذف المضامين الرقمية بحجة أنها «تحريضية».
ووفقا للقانون، الذي يزعم أنه يهدف محاربة ما وصفه بـ»المحتوى العنيف»، سيكون المحتوى والمضامين على شبكات التواصل الاجتماعي مثل، «فيسبوك» و»تويتر» و»جوجل» و»يوتيوب»، وغيرها، تحت عين الرقيب الإسرائيلي، للحذف وملاحقة أصحاب هذه المضامين قضائيا بحجة ارتكاب مخالفة جنائية.
كما أن القانون الذي يجيز حذف مضامين عبر مواقع شبكة الإنترنت، مثل المواقع الإخبارية، يمنح أيضا مزودي خدمة الإنترنت صلاحية حجب المواقع بحجة أنها «تحث أو تدعو للتحريض»، وإحالة أصحابها للتحقيق وتقديمهم للمحاكمة، إذ ستجبر السلطات الإسرائيلية شركات شبكات التواصل والمواقع الإلكترونية الامتثال لممارساتها ومطالبها المنصوص عليها بالقانون.
وفي ظل إصرار حكومة الاحتلال على تشريع قانون «فيسبوك»، حذرت شخصيات حقوقية وإعلامية من مشروع القانون، ودعت لتكاتف الجهود من أجل ممارسة ضغوطات على الحكومة، وثنيها عن القانون الذي يستهدف الحريات، ويمنع حرية التعبير، ويحارب المحتوى الرقمي الفلسطيني.
وحذر الائتلاف الأهلي للحقوق الرقمية الفلسطينية ومجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، في بيان مشترك، من التداعيات الخطيرة لتمرير القانون على الحقوق الرقمية الفلسطينية، وأكدا أن نصوص القانون تعد تهديدا مباشرا وجسيما للحق في حرية الرأي والتعبير للفلسطينيين وغيرهم عبر الفضاء الرقمي.
وتواصلت الجهود الإسرائيلية بالتعاون مع شركات التواصل الاجتماعي لقمع المحتوى الفلسطيني عبر الفضاء الرقمي، خاصة جهود وحدة «السايبر» الإسرائيلية في رفع آلاف التقارير والبلاغات لشركات التواصل الاجتماعي من أجل حذف المضامين الفلسطينية من الشبكات، والتي ازدادت من 2421 طلبا في العام 2016 إلى أكثر من 20 ألف طلب خلال العام 2020.
وحيال هذه المعطيات، أجمعت الشخصيات الحقوقية والإعلامية والمؤسسات أن القانون يهدف لفرض المزيد من القيود على الأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية والرافضة للاحتلال عبر منصات التواصل الاجتماعي، علما أن مضامين القانون تشكل في جوهرها تهديدا خطيرا على الحقوق الرقمية الفلسطينية، وتهدف إلى قمع الفلسطينيين، والمضامين السياسية الناقدة للسلطات الإسرائيلية عبر الفضاء الرقمي.
واستعرضت الناشطة في مجال حقوق الإنسان، المحامية عبير بكر، القانون وأهدافه المعلنة بزعم محاولة السلطات الإسرائيلية ضبط ما وصفته بـ»حالة الفلتان» بالنشر والترويج على الشبكات الاجتماعية، لتأتي النيابة العامة وتأخذ دور الرقيب لشطب أي نشر ومحتوى يتم فيه ارتكاب مخالفة جنائية.
وحذرت بكر من أن «استخدام وإدراج بند جريمة التحريض ضد العنف أو الإرهاب جاء بالأساس لترويض العرب ومحاسبتهم على مواقف سياسية لا تراها المؤسسة بعين الرضا، بحيث ضبابية تعريف أمن الدولة ستتيح المجال أمام خلق فضاء معلوماتي تسيطر فيه السلطات الإسرائيلية على ما ينشر، لتمنع انتشار المعلومات والحقائق لتحقيق مآرب سياسية».
وأكدت المحامية بكر لـ»عرب 48» أن «عدم الوضوح والضبابية في بنود ونصوص قانون ‹فيسبوك› التي يضعها المشرع الإسرائيلي هدفها تفعيل نظام رقابة على المحتوى والمضامين السياسية على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع، عبر تحويل قاض بالمحكمة المركزية لرقيب، بطلب من المدعي العام الذي يطالب بحذف المضامين بحجة تنفيذ مخالفات جنائية لم تثبت بالمحكمة بالأدوات المعروفة والمتبعة.
وأشارت الناشطة في مجال حقوق الإنسان إلى أن «القانون في حال صودق عليه بشكل نهائي سيقمع حرية التعبير والصحافة والإعلام». وقالت المحامية بكر إنه «يكفي أن نفكر في سيناريو قمنا فيه بنشر اعتداءات سافرة لقوات الأمن الإسرائيلية على عُزّل أو صور شهداء نتيجة لعمليات عسكرية، لتقوم النيابة العامة بطلب حجب هذه الفيديوهات أو الصور أو المعلومات، بدعوى أنها تثير التحريض ضد الدولة».
وعن دوافع تشريع قانون «فيسبوك»، قالت إن «إسرائيل تخوض منذ سنوات معركة مع الشعب الفلسطيني على الرواية والوعي، والتأثير على الرأي العام العالمي، وبالتالي يأتي القانون لتكميم الأفواه ومنع أي محاولات لفضح الانتهاكات والممارسات الإسرائيلية، وإحباط أي محاولة لكشف الحقائق عما يجري، سواء بحقنا كمواطنين فلسطينيين بالداخل أم في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967».
وختمت المحامية بكر بالقول إنه «من يجب أن يقلق كثيرا من هذا القانون ليس مستخدمي الشبكات الاجتماعية فقط، بل أيضا هم الصحافيون ومؤسسات حقوق الإنسان الذين يشغلون دور الرقيب على ممارسات دولة الاحتلال ويقومون بفضح جرائمها أو تقاعسها، ما يعني أن أي تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات ضد الفلسطينيين قد يتم حجبه بحجة إثارة الفتنة والتحريض، كذلك الأمر بالنسبة للمحتوى الإعلامي، وهذه أداة إضافية لتقييد عملنا وحقنا بالتعبير عن الرأي».
ويتفق مدير «حملة» - المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، نديم ناشف، مع طرح بكر، قائلا إن «هذا القانون يأتي بزعم وقف ما تدعيه إسرائيل التحريض الفلسطيني على شبكات التواصل ومواقع الإنترنت، ما يعني أن القانون سيكون بمثابة أداة إضافية لجهود دولة الاحتلال الإسرائيلي في فرض سيطرته، وأدوات القمع في الفضاء الرقمي، لتقويض المحتوى الفلسطيني والنشاط الرقمي للفلسطينيين، وحجب الحقائق عن العالم».
وعن أساليب وآليات محاربة الحكومة الإسرائيلية للمحتوى والمضامين الفلسطينية، في هذه المرحلة، قبل المصادقة على قانون «فيسبوك»، بالقراءات الثلاث، قال ناشف لـ»عرب 48» إن «محاربة الحكومة الإسرائيلية للمضامين الرقمية الفلسطينية كان يتم من خلال توجهات إسرائيلية لشبكات التواصل الاجتماعي، تطلب فيها شطب المضامين بذريعة أنها تحريضية أو تشجع على العنف والإرهاب». وفي حال المصادقة النهائية على القانون، قال مدير «حملة» إنه «سيكون القرار الصادر عن قاض بالمحكمة المركزية وبطلب من النيابة العامة بشأن حذف المضامين ساري المفعول وملزما للشركات والشبكات ولمزودي خدمة الإنترنت».
وأشار ناشف إلى أن «إقرار القانون يعني سيطرة تامة للسلطات الإسرائيلية على المحتوى والمضامين التي تنشر على شبكات التواصل في كل فلسطين التاريخية، وأيضا نفوذ لحجب مواقع إنترنت لا تخضع حتى للسيطرة والقانون الإسرائيلي، وذلك عبر التوجه لمزودي خدمات الإنترنت ومطالبتهم بحجب أي موقع إخباري بذريعة التحريض أو الإرهاب».
وقال أستاذ القانون الدولي والنائب السابق عن القائمة المشتركة، د. يوسف جبارين، إن «مصادقة اللجنة الوزارية للتشريعات وإجماعها على القانون بمثابة مؤشر خطير جدا، وهو ما يضع الأساس للترهيب وقمع الحريات وتكميم الأفواه وكبت حرية التعبير، بل كبت وحظر إبداء الآراء والمواقف السياسية في سياق القضية الفلسطينية تحديدا». وأكد جبارين لـ»عرب 48» أن «المؤسسة الإسرائيلية تهدف من خلال قانون ‹فيسبوك› محاربة الشعب الفلسطيني وقمع الحريات على جانبي الخط الأخضر».
وأشار أستاذ القانون الدولي إلى أن «مشروع القانون الإسرائيلي يستهدف الفرد أيضا ويعرضه للمساءلة القانونية والمحاكمة بموجب قانون الجنائيات، وذلك بزعم ‹التحريض› إذا ما أقدم على نشر أي مضمون أو خبر أو معلومات تنتقد السياسات الإسرائيلية وانتهاكات الاحتلال، كما أن القانون يجبر محركات البحث على شطب وحذف أي مضامين أرشيفية». وتكمن الأخطار من خلال القانون، بحسب د. جبارين، بـ»استهداف إسرائيل لأي موقف نقدي أو أي طرح مناهض للاحتلال والسياسات العنصرية التمييزية ضد الشعب الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر، وملاحقة كل من يفضح الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، عبر توسيع صلاحيات أجهزة الرقابة والضبط لتمارس قمع حرية التعبير والحريات السياسية».(عرب 48)