القلعة نيوز- شَهِدْتُ خسارة كان يمكن تجنبها في مسرحية مصباح الأحلام، ضمن فعاليات مهرجان مسرح الطفل الأردني، بسبب تفرد الإخراج برؤية خاصة بعيدًا عن رؤية المؤلفة.
لاشك أن الجدل قديم و واسع حول علاقة نص التأليف بنص العرض، وحول دور الإخراج في الانحراف عن المكتوب بما يتوافق والرؤية الخاصة للمخرج. ولكن في طريقنا للبحث عن النتيجة الفضلى والعلاقة التعاونية المثمرة بين المشتغلين في المسرح نجد نماذج تستوقفنا لإعادة النظر والمراجعة.
نص مسرحية مصباح الأحلام من تأليف الدكتورة نهلة الجمزاوي وإخراج سهاد الزعبي.
فكرة النص:
يتميز الأطفال بالخيال الواسع والبراءة وبساطة التفكير، لذلك من الطبيعي أن يتخيلوا الحلول السّهلة لكلّ مشكلة يواجهونها.. إنه المصباح السحري.. عليهم فقط إيجاده ثم يتولى هو الباقي.
يعالج النص هذه القضية ويدعو إلى استخدام العقل والاجتهاد في العمل والبحث والمغامرة من أجل مواجهة المشاكل عوضاً عن الاستسلام للأحلام و الخرافات و الاتكال على الآخرين.
فما العمليات التي خضع لها النص عند العرض، وما مدى الحاجة إليها، وما أثرها على العرض المسرحي؟
قرأت نص المسرحية فوجدته متكاملاً من حيث بناء الحدث وتماسك الفكرة ووضوح الملامح النفسية و الجسدية للشخصيات في إطار مرسوم بدقة، اجتهدت فيه المؤلفة لتكتب نصاً جاهزاًللعرض، منسجما في عناصره المختلفة، فقد اعتنت بوصف حركات الشخوص ونبرات أصواتهم وانفعالاتهم، مع وصف الخشبة وما عليها من ديكورات ملائمة للحدث، تتنقل فيها من البيت إلى قاع البحر إلى جزيرة نائية ثم إلى كوكب في الفضاء الخارجي، إضافة إلى تحديد نوع الإضاءة والموسيقى المرافقة للمشاهد، يتخللها عدة أغانٍ خفيفة الإيقاع تساهم في البناء الدرامي للمسرحية وتكسر الملل وتضيف عنصر الحركة بما يرافقها من رقصات تعبيرية أشار إليها النص بوضوح.
ولكن تم الاستغناء عن نصف الأغاني التي احتواها نص التأليف بسبب خلل فني كما أشارت المخرجة. وقدمت أغنية الخاتمة بطريقة أضاعت جزءًا مهمًا من الفكرة، فالأغنية تؤكد على أهمية العمل والاجتهاد و استخدام العقل في تعزيزللفكرة الجوهرية للمسرحية، ولكننا فوجئنا - في العرض الأول للمسرحية- بعد المقطع الأول من الأغنية بأنها تحولت إلى تحية للجمهور وصعود لفريق العمل إلى الخشبة، مما أدى إلى فقدان التركيز على مضمونها.
أما من حيث الشخصيات ففي المسرحية حسب نص التأليف أربع شخصيات رئيسية ومجموعة «كومبارس» إضافة إلى كورال يؤدي الأغاني و الرقص المرافق ولكن تم الاستغناء في العرض عن كلّ ما عدا الشخصيات الأربعة الأساسية لذلك كان وجودهم الطويل على الخشبة مدعاة للرتابة على الرغم من حركات الدخول والخروج من الخشبة.
ومن المهم الإشارة إلى أنّ استبدال مشهد أهل الجزيرة الذين يشكون الفقر والمرض والحرب بتسجيل منخفض الصوت لا يكاد يسمع بسبب التشويش الذي كان يعمّ المسرح أحيانا بفعل وجود أطفال من فئات عمرية صغيرة جداً أدى إلى إحداث ثغرة في البناء الدرامي للمسرحية... فلو ظهر هؤلاء الممثلون على المسرح وصورت معاناتهم كما ينبغي حسب نص التأليف لما حدث هذا الخلل.
كما تدخل الإخراج أيضاً، في رسم شخصية علاء الطفل الذي يبحث باهتمام و اجتهاد عن المصباح ليحلّ مشاكل كوكب الأرض بكل مسؤولية وجرأة كما صوره نص التأليف، ليتحول أثناء العرض إلى طفل مرتبك جبان يقفز فزعاً من أي صوت أو حركة مفاجئة، تمسك به أخته حتى لا يهرب،و تضربه حورية البحر على رأسه في مشاهد هزلية مبالغ فيها بهدف الإضحاك المستمر الذي أقحم على النص الأصلي. فتناول قضية جادة كهذه لا يحتاج هذا الجو الساخر الكرتوني الذي وضعنا فيه العرض عوضاً عن الضحكات و اللفتات الباسمة التي أشار إليها نص التأليف في حدود معقولة. فهل كان تدخل الإخراج في رسم الشخصية الرئيسة مفيداً؟ لماذا وضعنا في حالة ارتباك أمام تناقض هذه الشخصية؟
أما الديكور فقد فوجئنا بديكور ثابت غامض بعض الشيء يشبه الطحالب البحرية العملاقة يمتد من أرضية الخشبة إلى أعلاها، مكون من قطع عديدة متشابهة لم توظف إلا للاختفاء وراءها إضافة إلى بعض القطع المتناثرة على الأرض التي كان يتم رفعها للبحث تحتها عن المصباح السحري، وألغيت كل الديكورات التي ذكرت في نص التأليف، مع أن الإخراج حاول الإيحاء بتغير المكان من خلال تغيير الإضاءة.ولكن كيف سيفهم الطفل أن هذا كوكب في الفضاء الخارجي بمجرد تغيير لون الطحالب بفعل الإضاءة الرمادية؟ وكيف سيجعله تغيير لونها إلى الأحمر يفهم أن المكان قد تعرض إلى الحرب و الدمار بينما نجد في نص التأليف إشارة إلى ضرورة تغير الديكور بما يوضح الحدث.
وبخصوص اللغة أتساءل: ما دامت لغة نص التأليف رصينة و سليمة، فما مبرر دخول الكلمات العامية بين حين وآخر؟ ولنلاحظ هنا أننا نخاطب أطفالاً في سن التعلم، فهل كان من الحكمة مزج العامية بالفصحى؟ هل كان الأطفال من وجهة نظر الإخراج عاجزين عن فهم النص الفصيح أو التفاعل معه دون هذه الكلمات العامية التي أضيفت للنص؟
كم يؤسفني أنني شهدت تجربة أدت إلى إرباك في فهم العرض المسرحي وظلم للنص اللأصلي نتيجة عمل الإخراج بمعزل عن رؤية المؤلف.- الدستور