"الشعب الأردني المطلوب”.. إعلانات متتالية في الصحف والمواقع عن مطالبات مالية من مئات المواطنين يوميا.. ومفردات "ملاعبة الدولة” و”عمل السخرة” تنمو لدى الطبقة الوسطى.. قراءة أوروبية تتحدث عن اشهر حرجة جداً للاقتصاد.. وخط الفقر لايزال لغزاً محيّراً.. وانتظار لتدخل الملك
القلعه نيوز – فرح مرقه * :
لا يكاد يمر يوم دون إعلانات اردنية عن مطلوبين في قضايا الذمم المالية، تارة لوزارة المياه وأخرى للكهرباء أو الضمان الاجتماعي أو حتى الضرائب. الأردنيون بدؤوا في التذمر إذ يرون أنهم قيد التشهير في مجتمع محافظ ويعتزّ بنفسه وتقاليده، كما يحيون حالة من القهر التي يمكن لمسها، خاصة عند اسر الطبقة الوسطى التي اعتادت على "السترة” (كما يطلق الأردنيون على من لديه كفاف يومه)، بينما ترى السلطات انها تحاول فقط تحصيل أموال لها من عامة الشعب.
من يتابع الاعلانات التي أحيانا تحمل مئات الأسماء يشعر بأن الشعب الأردني كله "مطلوب” بقضايا مالية ومستحقات للدولة، إذ لا تكاد تخلو المواقع الالكترونية ولا الصحف وبصورة يومية من مثل هذه الإعلانات التي تطالب بدفع المزيد من الأموال للمؤسسات الحكومية او شبه الحكومية، كما لا يزال الأردنيون يحاولون إما إعمال "واسطاتهم” وعلاقاتهم الشخصية في محاولة لتأجيل أو تجاهل الدفعات، أو يعملون على إعادة جدولتها بصورة كاملة.
ورغم إعلان مدير عام دائرة ضريبة الدخل والمبيعات ارتفاع تحصيلات ضريبتي الدخل والمبيعات للأشهر العشرة الأولى في المملكة ووصولها لنحو 3.6 مليار دينار أردني، إلا ان ذلك لا يمنع ان الطبقة الوسطى عمليا تئن كثيرا من الضرائب وان الامر انعكس بالركود الاقتصادي الذي يبدو ان الخطط الحكومية لا تسعف بالحد منه.
ووفق بيانات حكومية اطلعت عليها "رأي اليوم” فإن متوسط أجور الأردنيين يبلغ نحو 500 دولار امريكي (350 دينار اردني) وهو مبلغ لا يكفي بالضرورة الحاجات الأساسية لاي فرد ولا عائلة، كما ان الدولة تحجم حتى اللحظة عن اعلان خط الفقر الذي يُعتقد ان الاحجام عنه له علاقة وثيقة بكون الخط المذكور سيتجاوز معظم الأردنيين، خصوصا وخط بداية دفع الضرائب يساوي نحو ألف دولار ابتداءً من العام المقبل أي ما يعادل ضعف رواتب نصف الأردنيين.
رغم زيادة هذه الإعلانات، والتي تأتي مباشرة بعد ازمة شبيهة عرفت بالأردن بأزمة "الغارمات” والتي تضمنت نشر أسماء وحبس أردنيات في إطار تحصيل أموال اقترضنها من برامج الإقراض النسوية، لا يبدو أن هناك أي مراجعة حقيقية من جانب المؤسسات الحكومية لكون ما قد يصل لاغلبية الأردنيين باتوا مطلوبين لمؤسسات اما مملوكة للدولة او تابعة لها، وهو الأمر الذي يمكن اعتباره مؤشر خطر على ضعف قدرة الأردنيين على تحمل مثل هذه الازمة من جهة وعدم مرونة الدولة في التعامل مع الازمة بشكلها الحالي.
المثل المذكور، استخدمته شخصيات اقتصادية أردنية في التدليل على ليس فقط سوء وتردي الوضع الاقتصادي في البلاد ولكن ما اسموه "سوء إدارة” الملف برمته، اذ يعتبرون انه من غير المنطقي ان يكون المواطنين عرضة للتشهير من حكومتهم بهذه الطريقة، الامر الذي يتحدث خبراء عنه باعتباره يغذي الفجوة والانقسام بين الحكومة والشارع.
الإعلانات بحد ذاتها قد يراها البعض عادية في ضوء اتباع الدولة مثل هذه الطريقة منذ سنوات ولكن التدقيق بحجمها الذي يتزايد بات حديث الطبقة الوسطى بامتياز باعتبار الدولة تحاول بشتى الوسائل الانقضاض عليهم وليس فقط على أموالهم وانما على سمعتهم أيضا.
بهذه الصورة، تبدو التغييرات والتحفيزات التي تقوم بها حكومة الدكتور عمر الرزاز- على أهميتها المحتملة- غير كافية ولا مقنعة للشارع الذي يعتبر انه لم يتغير عليه شيء اذ لا يزال "يلاعب الجباة” حسب تعبير احد أصحاب الاعمال المتوسطة، والذي اكد انه بات اليوم يحسب الف مرة قبل الاقدام على أي مشروع وان مشاريعه باتت اليوم بحكم "عمل السخرة للدولة” باعتبار الرسوم والضرائب عالية بالنسبة اليه ما بات يضطره وكثير من اقرانه لترك العمل لاخرين.
مفردات "الملاعبة” و”السخرة” لم تكن يوما من المفردات الأردنية الأكثر شيوعا في بيئة التجار وأصحاب الاعمال كما هي اليوم، وهذا وبالمنطق التحليلي يوضح اكثر كيف باتت النظرة بين الدولة والقطاع الخاص من جهة وبينها وبين الشارع من جهة أخرى، وهنا حتما يمكن ان يبدأ الإصلاح الحقيقي، خصوصا مع عدة مطالبات ودعوات اليوم للحكومة الأردنية أولا لتخفيض ضريبة المبيعات بنسبة فارقة كما وعدت منذ استلامها، وثانيا بتخفيف الرسوم مثل التقاعد وغيرها او وقفها ولو لمدة عام حتى يستطيع الشارع التقاط أنفاسه وترتيب أوراقه وليحافظ الجميع على الطبقة الوسطى التي باتت تندثر رويدا رويدا.
بكل الأحوال، عمان اليوم ووفق قراءة أوروبية استمعت لمضمونها "رأي اليوم” قد تكون تحيا اقتصاديا أربعة اشهر حاسمة تحتاج خلالهم اما للنهوض باقتصادها، او انها ستكون على حافة ما يمكن تسميته بانهيار صعب التسوية والتعديل لاحقا. هذه المؤشرات حصرا ما قد تكون مفسرا لامرين بالضرورة: أولهما المنحة الألمانية المفاجئة للاقتصاد الأردني قبل أسابيع في محاولة لتأخير الانهيار، والثانية الدخول الواضح لجلالة الملك عبد الله الثاني على خط الاقتصاد منذ شهرين.
رغم ان أحدا لا يمكنه التنبؤ بما يمكن ان يحصل خلال الأشهر الأربعة القادمة ، الا ان الظاهر حتى اللحظة على الأقل ان الحكومة لا تزال تعمل على مدى ابعد بكثير من 4 أشهر.
* موقع راي اليوم اللندني -