القلعة نيوز: أزمة الكورونا والظروف المصاحبة لها اعطت للمجتمعات وسلطاتها الحاكمة فرصا نادرة في اجراء الاصلاحات وتغيير المسارات وعمل كل ما لا يمكن عمله في الاوضاع الاعتيادية. الحاجة الى مجابهة الجائحة والتصدي لتهديدات الصحة العامة كانت اسبابا كافية لتفرد السلطة التنفيذية بالقرار وإعطاء اركانها التفويض باتخاذ كل ما يلزم من اجراءات لتجاوز الازمة والحد من آثارها على الانسان والنظام العام والمجتمع.
خلال الاشهر التي ظهرت فيها الجائحة توقف عمل السلطات وانفردت السلطة التنفيذية بمسؤوليات مجابهة الازمة والتحديات التي تولدت عنها. النجاح النسبي للأردن في الحد من انتشار الفيروس وتقليل نسب الوفيات أكسب الدولة ومؤسساتها الكثير من الثقة ودفع بها الى تنظيم واطلاق برامج ومبادرات لمعالجة بعض الاختلالات وبعث الثقة في قدرة الدولة على العودة الى النشاط وتحفيز القطاعات واصلاح بعض من جوانب الخلل التي طالما اقلقت الناس وأثارت الشكوك حول جدوى السياسات والبرامج والمبادرات التي طبقت وجرى الترويج لها.
بالتوازي مع المعالجات الاقتصادية والحديث عن النهوض الزراعي وتطوير الصناعات وملاحقة التهرب الضريبي وغسيل الاموال يسأل الناس السؤال الذي اصبح روتينيا حول مستقبل مجلس النواب الحالي والحياة البرلمانية ما بعد الكورونا وفيما اذا ستستثمر الدولة الاجواء الجديدة الناجمة عن الازمة لتغيير نمط الانتخاب ونوعية المرشحين وقواعد الاختيار.
لا يملك المتابع للمشهد المحلي إلا ان يستنتج وجود فتور عام حيال العملية الانتخابية وحماس اقل للنواب ولوم كبير لهم على التقصير في اداء مهامهم وادوارهم في مختلف الاوساط والمجتمعات المحلية ويشعر الناس بشكلية العملية الانتخابية وقلة الجدوى من الانتخابات وضعف الثقة بمخرجاتها. العشرات من النواب يقولون ما لا يفعلون والبعض يتغيب عن 90 % من الجلسات وقلة منهم يصوتون بالاتجاهات التي تتوافق مع رغبات ناخبيهم.
بلاغة الخطب التي يلقيها بعض النواب في مناقشة مشاريع قوانين الضريبة والموازنة وغيرها لم تنجح في اخفاء اخبار مغادرتهم لقاعة التصويت عندما احتاج القرار لوجودهم. تكتيكات تأخير المناداة على نواب الاحتياط لحين حصول القرار على الاغلبية كشف مرارا عن وجود مجموعة من الاصوات النيابية التي تدخر لترجيح مسار على آخر وفئة من الذين يعطى لهم المجال للحركة والتهويش والتصريح وتبديل المواقف في هامش يسمح بخلق انطباع الاستقلالية.
الايام القادمة تحمل بلا شك اجابة على السؤال الذي يطرحه الشارع حول اذا ما سيجري الأردن انتخابات للمجلس النيابي القادم هذا العام ام سيمدد للمجلس الحالي ريثما تتجاوز البلاد الظروف والاوضاع التي اوجدتها الجائحة. الحقيقة التي لا تحتاج الى نقاش ان غالبية الناس لا يعلقون آمالا كبيرة على الانتخابات ولا يوجد من يعتقد بأنها ستحدث فرقا في مسيرة الأردن ولا نوعية حياة الناس. هذه الحقيقة مسؤولة عن ضعف الحماس وشعور اللا مبالاة وربما قبول البعض بمبدأ بيع الاصوات انتقاما من الدولة والمرشح واركان العملية الذين ادخلوا الناخب في عملية يعلم انها لا تسير بالطريقة التي يتطلع لها او تقوله وسائل الاعلام والبيانات التجميلية عنها.
تراجع مستوى الحماس للانتخابات البرلمانية ليس جديدا ولا مفاجئا فقد اسهمت المجالس المتعاقبة في تراكم خيبات الامل وتنامي احباط الناخبين الذين بنوا احلاما وعلقوا آمالا على العملية التي لم تخل من التدخلات والهندسة التي اضعفت ايمان الناس بصحتها وولدت الانطباع بعدم جدوى التكتلات والحملات والبرامج.
اليوم وبعد تراكم التجارب وتكرار الدعوات الى الاستقلالية والاصلاح لعلاقة الدولة بالمواطن يعتقد الكثير من الأردنيين بوجود فرصة ذهبية يمكن ان تتخذها الدولة لتطبيق الافكار واختصار خطوات خريطة الطريق التي تحدثت عنها الاوراق النقاشية الملكية. مهما عملت الدولة من دعاية او اصدرت من بيانات فلا اظن ان احدا يرى في العودة الى انتخابات بالاساليب والطرق السابقة ما يقنع الناس بوجود اصلاح مقنع او محفزا للمشاركة فإعادة انتاج مثل هذه التجارب لا يخدم الا فئة المنتفعين منها.
أتمنى ومعي الكثير من أبناء الأردن ان نرى بلدا آمنا مستقرا يعتمد على موارده وبعيدا عن الشللية وشراء الولاءات والانتماءات المؤقتة التي سرعان ما تتحول الى ابتزاز واستقواء وعداء عند اول مساس بامتيازات اصحابها. أردن يشارك كافة ابنائه في صناعة القرارات وتحمل المسؤولية بعيدا عن التمييز والاستعراض وتكريس السلطة.
(الغد)
د. صبري الربيحات