التوقيف الإداري بين ضرورات الأمن والإلتزام بالقانون ،،،
بقلم الدكتور رافع شفيق البطاينة،،،
يثار بين الحين والآخر أسئلة واستفسارات وأراء إما منتقدة أو مؤيدة ومدافعة عن التوقيف الإداري، سواء من السادة النواب المحترمين، أو المحامين، أو المواطنين من أفراد المجتمع الأردني، أو منظمات ونشطاء حقوق الإنسان. وأصبح هناك لغط كبير في هذا الموضوع الجدلي منذ سنوات طوال، وقد يعود ذلك لعدم فهم حقيقي وملموس وعملي لإجراءات التوقيف الإداري، وأثرها الإيجابي على حياة المواطنين وأمنهم المجتمعي وأمن ممتلكاتهم، والأساس القانوني المستنده له هذه الإجراءات، وعدم تقديم توضيح شامل ومعمق لهذا الموضوع. ولبيان حيثيات التوقيف الإداري من كافة جوانبه القانونية والإدارية والمجتمعية، فإنني أود أن أقدم رؤيتي الإدارية والقانونية والأمنية لموضوع التوقيف الإداري والأساس القانوني الداعم لهذه الإجراءات، بحكم خبرتي وتجربتي العملية، والقانونية وخبرتي في مجال حقوق الإنسان وفق الآتي :
١ - يعتبر التوقيف الإداري إجراء إداري وقانوني يتخذ من قبل الحكام الإداريين من هم في رتبة متصرف أو محافظ لغايات حفظ الأمن المجتمعي والأسري من خطر الأشخاص ذوي الأسبقيات والخطرين وأصحاب السوابق، ومكرري الإجرام واللصوصية إستنادا إلى قانون منع الجرائم رقم (٧) لسنة ١٩٥٤م الذي خول هذه الصلاحية للحكام الإداريين.
٢ - على الرغم أن هذا القانون مضى على صدوره حوالي سبعة عقود، إلا أنه أصبح بحاجة إلى تعديل وتطوير لجهة توسيع الصلاحيات للحكام الإداريين للنظر في العديد من القضايا المجتمعية والأسرية التي ظهرت حديثا بالنظر لظهور وبروز قضايا ومشاكل إجتماعية وأسرية تستوجب سرعة البت في حلها وبشكل سري حفاظا اللحمة الإجتماعية للأسرة، وخصوصا في قضايا ما يسمى جرائم الشرف وغيرها من الجرائم الإلكترونية الإجتماعية ، لم يغطيها قانون منع الجرائم الحالي.
٣ - لهذا القانون أهمية كبرى وضرورية للحفاظ على حياة المواطنين وأمنهم للعيش بطمأنينة وسكينة، والحفاظ على أملاكهم وممتلكاتهم من الإعتداء والعبث، وهذه الإجراءات متوافقة ومنسجمة مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدينة والسياسية حيث جاء في نص المادة (٣) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان " لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه"، أما المادة (٦) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدينة والسياسية فنصت على أن " الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا"، لذلك يتضح لنا أن حق الإنسان في الحياة مقدم على كافة الحقوق الأخرى، فإذا إنتفت حياة الإنسان فلا يصبح هناك داعي لكافة الحقوق الأخرى، لأن حق الإنسان في الحياة حق مقدس ويجب حمايته بكافة السبل والوسائل.
٣ - أما بالنسبة لمدة التوقيف الإداري ، وقيمة الكفالات فهي غير محددة قانونا، ومتروكة كسلطة تقديرية للحاكم الإداري، تقدر حسب كل حالة على حده، وفقا لحجم خطورة القضية وخطورة المجرم على المجتمع، بعد الإطلاع والاستناد إلى كشف أسبقياته ونوعيتها المرتكبة من قبل الشخص. لكن مدة التوقيف حددها قانون منع الجرائم بأن لا تتجاوز سنة واحدة.
٤ - كما أود إعلام المواطنين أن الحاكم الإداري لا يصدر قرارا مباشرا بالتوقيف، أو مدته، كما هو القاضي المخول بسلطة إصدار قرارات التوقيف ومدتها محددة زمنيا بشكل مباشر بموجب القوانين المعمول بها في هذا الخصوص. أما الحاكم الإداري فيصدر قراره سندا لقانون منع الجرائم ليس بالتوقيف بشكل مباشر، وإنما بربط المذكور إما بتعهد إداري، أو كفالة مالية، أو كفالة عدلية، ويتم تقدير نوعية وقيمة الكفالة كنا أشرت سابقا وفقا لمعطيات القضية المطروحه أمامه مع كشف السوابق، وبناء على هذا القرار يتم الإحتفاظ بالشخص في مراكز التوقيف لحين تقديم الكفالة المطلوبة منه.
٥ - هناك العديد من الموقوفين إداريا لا يتقدم أحد بطلب تكفيلهم ، ولهذا تطول مدة توقيفهم.
٦ - يجب أن يكون الكفيل المتقدم لكفالة اي شخص على قدر المسؤولية والأهلية المجتمعية، وذو ملاءة مالية بما يضمن ردع الموقوف من العودة لارتكاب الجرائم، وإيذاء الناس أو ممتلكاتهم، وأن يكون حسن السيرة والسلوك، ولهذا أجاز القانون للحاكم الإداري رفض أي كفالة أو تكفيل أي موقوف مع بيان الأسباب مدونة على طلب الكفالة، وذلك سندا لأحكام المادة (٧) من القانون ونصها ( يجوز للمتصرف أن يرفض قبول أي كفيل لا يرضى عن كفالته لأسباب يدونها في الضبط). كما أنه يحق للحاكم الإداري الإفراج عن أي موقوف إذا كان حسن السيرة والسلوك دون كفالة بقرار من وزير الداخلية إستنادا إلى نص المادة (٩) من القانون.
٧ - يرد للحكام الإداريين يوميا عشرات لا بل مئات من الشكاوي والقضايا من المواطنين والتي يرفض الحكام الإداريين التعامل معها لعدم الإختصاص، رغم الضغوط الإجتماعية التي يتعرض لها. حيث أن المواطنين بلجأون للحكام الإداريين لتقديم شكاويهم، بحكم سرعة البت في الشكوى، ولا يترتب على تقديم الشكاوي أي رسوم مالية، بالنظر لأن العديد من المواطنين لا يملكون قيمة رسوم القضايا وأجور المحاماة وطول إجراءات أمد التقاضي، في حين أن الحاكم الإداري يجب الشكوى من جذورها من خلال حل الشكاوي بودية واتفاق وجاهي بين الطرفين، ولهذا لا يكون للشكوى ارتدادات ثأرية أو انتقامية مستقبلية.
٨ - القاضي يتعامل مع القضايا بعد وقوع الجريمة في حين أن الحاكم الإداري يتعامل مع القضايا قبل وقوع الجريمة تفاديا لوقوعها.
٩ - يتبع الحاكم الإداري الإجراءات القانونية الأولية وفق أصول المحاكمات الجزائية في إجراءات ربط الكفالات من مذكرة الحضور وأخذ الإفادات وسماع الشهود والتوقيع عليها لحين إصدار قرار الكفالة، وذلك سندا لأحكام الفقرة (٤) من المادة (٥) من القانون أعلاه.
١٠ - أجاز قانون منع الجرائم لأي شخص يشعر بالغبن أو الظلم أو بالإجحاف أو متضرر من قرار التوقيف أو عدم قانونيته اللجوء إلى المحكمة الإدارية " محكمة العدل العليا" سابقا للطعن بالقرار الصادر عن أي حاكم إداري، وهناك العديد من الدعاوي التي رفعت أو ما زالت مرفوعة على بعض الحكام الإداريين للطعن في قراراتهم بهذا الشأن.
١١ - أما بالنسبة لاحصائيات وأرقام التوقيف الإداري الصادرة عن المركز الوطني لحقوق الإنسان، أو الأمن العام فهي غير دقيقة ولا تعكس العدد الحقيقي للتوقيف وهي أقل من هذه الأرقام المنشورة بكثير قد تصل إلى النصف، لأنها تتعامل مع عدد القرارات ولا تتعامل مع عدد الأشخاص الذين تم توقيفهم وهذا هو الأصل، لأن معظم الأشخاص من أصحاب السوابق يتم توقيفه عدة مرات في السنة كونه مكرر الإجرام، علاوة على أن الأمن العام بالإضافة إلى ما سبق يتعامل كذلك مع عدد مرات نقل الموقوف من مركز إلى آخر كأنه قرار توقيف جديد.
ومما سبق، يتضح لنا أن قانون منع الجرائم ضرورة مجتمعية بحته وهامة لحفظ الأمن المجتمعي والأسري، والحفاظ على حياة الناس وممتلكاتهم وخصوصا من الزعران والخارجين عن القانون ممن امتهنوا الإجرام وأصحاب الخاوات والأتاوات ، والشواهد القريبة على ذلك ما حدث لفتى الزرقاء من جريمة بشعة هزت وجدان الشعب الأردني، وغيرها الكثير من جرائم الإعتداء على الوالدين، من قتل الأب أو الأم أو الأخت وبالأخص من متعاطي المخدرات. هذا موجز ملخص لواقع التوقيف الإداري وقانون منع الجرائم والإجراءات المتبعة في تطبيقه وأهميته للمجتمع.
حمى الله الأردن، وقيادته الهاشمية الحكيمة، وشعبه الوفي من كل مكروه.