شريط الأخبار
بدء دخول قوافل مساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح نيويورك تستضيف مؤتمرا دوليا سعيا لإحياء حل الدولتين أردوغان يشيد بقرار ماكرون الاعتراف بدولة فلسطين مسؤول بالأمم المتحدة: على اتصال بالفرق في غزة لتوصيل المساعدات ويتكوف: الأوضاع في سوريا في طريقها إلى التسوية "الخيرية الهاشمية" تتوقع عبور قافلة المساعدات الأردنية المرسلة لغزة فجر الاثنين الاتحاد الأوروبي: مؤتمر حل الدولتين لحظة حاسمة للجميع رئيس النواب يلتقي رئيس هيئة وأعضاء إدارة النادي الفيصلي متخصصون: أولوية الأردن وقف الحرب على غزة دون الالتفات إلى حملات التضليل والتشويه الداخلية والشباب تنفذان خطة ميدانية لتعزيز ثقافة التطوع في المحافظات الاحتلال يُسلّم مفتي القدس قرارا بالإبعاد عن المسجد الأقصى لمدة أسبوع قابل للتجديد تسجيل 6 حالات وفاة بسبب المجاعة في قطاع غزة خلال 24 ساعة السفير العراقي يزور مدينة السلط ويبحث تعزيز التعاون الثقافي والسياحي الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط وجندي في خانيونس قافلة مساعدات أردنية تضم 60 شاحنة تنطلق إلى غزة مدير الأمن العام يسلّم الملازم نور الدين الحباشنة هدية ملكية تقديراً لإنجازه الدولي رئيس هيئة الأركان المشتركة يستقبل السفير البولندي بنزيما مستمر مع "النمور" وعقد جديد في الطريق معالي رائد أبو السعود رئيس الوزراء بالوكالة رئيس الوزراء في إجازة خاصَّة لمدَّة أربعة أيَّام وأبو السعود يتولَّى مهامه بالوكالة

مكوك النَّسب بقلم: عاطف أبوحجر

مكوك النَّسب بقلم: عاطف أبوحجر

القلعة نيوز:

في عُرف وقاموس العائلات والعلاقات الاجتماعية، وحده "الصِّهر" كائن خارق وُجد لا ليعيش حياة طبيعية، بل ليكون خط الدفاع الأوَّل في كل أزمة منزلية. هو نسخة عربية من مُعَدَّلة الرجل الحديدي، لكن بدون بدلته، ولا راتب، ولا حتى كلمة ثناء أو شكر، ويُعامل ككائن أُسطوري بمهارات لا تُكتسب، بل تُفترض فيه افتراضًا.
هو كهربائي إذا رمش الكشّاف، ومواسِرجي إذا فاض الخزّان، وحدّاد إذا عَلِق زُرْفيل الباب، ونجّار إذا انكسرت رجل الطاولة، وفنيّ ستلايت إذا انقطعت الإشارة، وفنيّ أجهزة كهربائية إذا تعطلت الغسالة، وطبيب نفسي إن نَكَّدَت العروس، وفوق هذا كلّه... عليه أن يبتسم، مهما بلغ به الإنهاكُ مبلغه.
ويُقال في المثل الشعبي: "كون نسيب ولا تكون ابن عم"، وكأن المثل يُشير إلى أن النسيب أقرب للقلب من الدم، لكنك ما إن تدخل عالم النسب، حتى تكتشف أن المثل الآخر لا يُغادر الساحة: "أنا وأخوي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب"...
والصِّهر؟ غريب بنكهة مؤقّتة، عليه أن يُثبت ولاءه لكل الاتجاهات!
وفي زمن الخطوبة، يتحوّل العريس إلى سوبرمان اجتماعي: لا يُرفض طلب، ولا يُعجزه عطل، ولا يُجهد له ظهر...
حتى وإن كان عامل قسطرة قلب ، وحامل همّ الدنيا،وتكاليف الزواج،وجهاز العروس، والذهب، والأثاث، والصالة، وفرقة الزفّة، ومعاملة قرض البنك، وكشف الديون المتراكمة.
وهنا تبدأ الحكاية.
كنت في زيارة اعتيادية إلى نَسَايبي، والنية زيادة ودٍّ ومجاملة، وفنجان قهوة على السريع في ظلال الحديقة. جلسنا قليلًا، ثم اقترح عمي – على نحو مفاجئ كعادته – أن نأخذ جولة بين الأشجار. قلت في نفسي: نُزهة خفيفة، لا بأس.
وما هي إلا لحظات، حتى استوقفته نظراته نحو شجرة تين ضخمة، تجاوز عمرها ثلاثين عامًا، وقرّر – دون سابق إنذار – أنه قد حان وقت "التقليم الموسمي".
قالها بحزم القائد الميداني: "هاي التينة كبرت بالعمر ومكتمة علينا، لازم نخفف من جوانبها!"
ثم طلب مني أن أصعد، وأنا... ما بين قسطرة قلبي، وعدم انتظام دقّاته، ونفسيتي المُركّبة من همومي المتراكمة، لم أملك في تلك اللحظة إلا إبتسامة مجاملة .
ناولني المنشار، وصعدتُ الشجرة كأنني أؤدّي فرضًا عائليًّا مقدّسًا. بدأتُ بنشر الغُصن الأول، ثم الثاني، ثم طلب مني أن "أُخفّف" من الجذوع الصغيرة المتدلية.
كانت عملية النشر تحتاج عضلات لاعب كمال أجسام، وأنا بالكاد أتنفّس من ارتفاع الضغط والحرارة والشمس.
وفجأة، وبينما أنا عالق بين أغصان التينة كطيرٍ أعياه الطيران، وصلت حماتي، حاملة الصينية وكاسات عصير برتقال بثلج مبروش، كأنها رسول رحمة في معركة بلا ماء. وابتسمت وقالت:
– "يعطيك العافية يا عمتي! والله التينة كانت مغلّقة علينا، بس هلأ الحديقة نَوَرت!"
وهنا – لا تسألني كيف – نزلت في نفسي طاقة خارقة، ومع وصول "فرح" شقيقة زوجتي، ومع عبارات المديح التي كانت تنهال عليّ من حماتي، تحوّل المنشار في يدي إلى شيء أقرب إلى فرشاة أسنان، وكنت أقطع الأغصان كأنها عيدان ملوخية هشّة!
نصف ساعة فقط كانت كافية لتحويل شجرة تين تاريخية إلى ذِكرى، وسط عبارات الثناء والإشادة، حتى شعرتُ أن رأسي وصل في السماء لمستوى عامود الكهرباء، وقلبي يُنشد نشيد: "المجد للصهر رافعًا بيدي المنشار".
وفي تلك اللحظة الأخيرة، حين كانت المهمة توشك على الانتهاء، وبينما كانت أنفاسي تختلط برائحة التراب وعصارة الخشب، اكتمل المشهد، حيث تقدّمت خطيبتي نحوي. لم أرَها بعد، لكن عطرها الذي أعشقه سبق خطواتها، كأنه بشارة حضورها.
همست بصوتها الحنون الذي ينساب كالموسيقى: "شو شايفه، قصّيت التينة؟ يعطيك العافية."
عندها، شعرت وكأنني أعتلي منصة التتويج، أرفع كأس العالم لا لقص الأشجار، بل لحصاد نظرتها المليئة بالفخر.
لم تكن مجرد شجرة قُصّت، بل لحظة نُحتت في الذاكرة، مختومة بحضورها وكلماتها التي جعلت التعب شرفًا.
ومنذ ذلك اليوم، كلما رأيت شجرة تين، أو سمعت صوت منشار، أو شممت رائحة عصير برتقال، يعود إليّ المشهد بتفاصيله: العَرَق، والتعب، وابتسامة البطل الصاعد.
تعلّمت شيئًا مهمًّا في تلك اللحظة:
في عُرف العائلات، "النَّسيب" لا يُقاس بنسبة الدم، بل بعدد الجذوع التي نشرها، والابتسامات التي رسمها، وكمية العصير الذي شربه واقفًا، متصببًا، دون أن ينطق بـ"آخ".
نعم... في تلك اللحظة، لم أكن مجرد نسيب، كنت مشروع أسطورة!
أسطورة تقول:
"إذا صعد الصهر التينة في الخطوبة، فليتهيأ لتقليم غابة في الزواج!"لقد أصبحَ النَّسيبُ مَكُّوكَ العائلةِ، مُقاوِلًا ومُتَعَهِّدَ عَطاءاتٍ مَجَّانيَّةٍ، يُقَدِّمُها عن طِيبِ نَفْسٍ، والهَدَفُ: رِضا الخَطيبَةِ، وكِرْمالِ عَيْنٍ تُكْرَمُ مَرْجُ عُيون.