أظهرت دراسة "ظاهرة التحرش وأسباب إنكارها"
والتي نفذها مركز القدس للدراسات عام 2019، بأن أكثر من نصف المجتمع
الأردني (55% من افراد العينة) يرفضون العلاقات الاجتماعية بين الرجال
الداعمة للعنف وعدم إحترام النساء، فيما لم تتجاوز 24% نسبة من يؤيدون
تعزيز إستقلال النساء ووصولهن لمواقع صنع القرار في الحياة العامة و 15% في
الحياة الخاصة، ولم تتجاوز النسبة حدود 23% لمن يوافقون على ضرورة رفض
الصور والقوالب النمطية للنساء، وفقط 10% يعترفون بأن عدم المساواة بين
الجنسين تشكل ظاهرة.
وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن"
بأن المواقف والاتجاهات تلعب دوراً هاماً في الحد من أوجه عدم المساواة
بين الجنسين وفي الحد من العنف ضد النساء، وتساعد في رصد التقدم المحرز في
في هذا الإتجاه، إلا أن سلوكيات الأفراد لا تتأثر بمواقفهم الخاصة في
المقام الأول، ولكنها تتأثر بشكل كبير بما يعتقدون بأن الآخرين يتوقعون
منهم في ظروف وسياقات معينة ويتعرضون عند مخالفتها لعقوبات اجتماعية غير
رسمية، وقد تكون هذه التوقعات في إطار التحكم المجتمعي الرسمي كقواعد
وسياسات بعض المؤسسات أو التشريعات أو وسائل إنفاذ القانون.
ويترتب
على هذا الفهم الأخذ بعين الإعتبار أن تغيير المواقف له بعض التأثير على
تغيير السلوكيات عبر الأعراف الاجتماعية، إلا أن تعديل التشريعات والسياسات
والممارسات وفرض العقوبات تقود الى فهم تغيير المواقف كتابع لتغيير
السلوكيات.
إستقلال المرأة ووصولها الى مواقع صنع القرار في المجالين الخاص والعام
فقد
تبين من الدراسة بأن 51% من أفراد العينة في الأردن يعتقدون بأن الرجال
أكثر قدرة من النساء على قيادة شركة أو مؤسسة (70% ذكور و 32% إناث)، و 55%
يعتقدون بأنه في مجال السياسة القادة الرجال أفضل من النساء (71% ذكور و
40% إناث)، و 48% منهم يجدون بأن مواقع صنع القرار يجب أن يشغلها الرجال
وليس النساء (67% ذكور و 30% إناث)، فيما يعتقد 56% منهم بأن النساء يفضلن
الرجال لتحمل المسؤولية في العلاقات الأسرية (65% ذكور و 47% إناث).
وتضيف
"تضامن" بأن فرص تقويض المساواة بين الجنسين تتعزز من خلال المواقف التي
تنظر الى الرجال على أنهم أصحاب السلطة والقدرة والمهارة لتولي مواقع صنع
القرار والمسؤولية بإعتبارهم "أفضل" من النساء، كتولي المواقع القيادية في
الدولة ومواقع المسؤولية في المجتمع. وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة عدم
قدرة النساء مطلقاً على شغل المواقع القيادية ومواقع المسؤولية، لكن عند
الإختيار ما بين الرجال والنساء للقيام بهذه الأدوار، فإن الإعتقاد السائد
يرجح كفة الرجال بإعتبارهم أفضل منهن لهذه الأدوار .
وتظهر هذه
المواقف بصورة جلية حتى لدى الأشخاص الذين يدعون المساواة بين الجنسين،
فنجدهم يختارون الذكور لتولي هذه المواقع حتى ولو كانت الإناث قادرات على
القيام بها، أو أنهن تفوقن عليهم في الخبرة والمهارة والكفاءة . ويعمل
التمثيل العادل للنساء في مواقع صنع القرار على تعزيز الحماية لهن من العنف
بما فيه التحرش الجنسي.
رفض الصور والقوالب النمطية عن أدوار كل من الذكور والإناث
وفي
هذا المجال فقد أظهرت النتائج بأن 27% من أفراد العينة يعتقدون بأنه من
غير المقبول أن يكون دخل الزوجة أعلى من دخل الزوج (31% ذكور و 23% إناث)،
كما يعتقد 72% منهم بأنه يجب على المرأة إكمال دورها في الحياة من زواج
وإنجاب الأطفال (87% ذكور و 57% إناث)، فيما يعتبر 31% منهم أنه من المحرج
أن يعمل الرجل بوظيفة عادة تشغلها المرأة (36% ذكور و 27% إناث).
وتشير
"تضامن" الى أن الصور والقوالب النمطية لأدوار كل من الذكور والإناث في
المجتمع تؤثر على مواقف الأشخاص ومعتقداتهم المتعلقة بكيفية تصرف وتفكير
وشعور كل من الرجال والنساء وما هو متوقع منهم. ففي الوقت الذي يعترف فيه
المجتمع بالدور الإنجابي للنساء، والدور الإنتاجي للرجال وتكريس هذه
الأدوار من خلال الممارسات والأعراف والهياكل الاجتماعية، نجد بأن هذا
التوزيع القائم على الصور والقوالب النمطية يحد من المساواة بين الجنسين
ويزيد من إحتمالية العنف والتحرش ضد النساء .
للنساء دور إنجابي
ولكن لهن أدوار إنتاجية لا بد للمجتمع من الإعتراف بها، وتسهيل حصولهن
عليها. حيث يقع على النساء العبء الأكبر من الأعمال غير المدفوعة الأجر
وبشكل مجحف بما فيها الأعمال المنزلية وأعمال الرعاية، وهما في كثير من
الأحيان يعوضان النقص في الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية والبنى
التحتية، كما أنهما تدعمان الاقتصاد وإن كانا في الواقع يشكلا نقلاً
للموارد من النساء الى آخرين في الاقتصاد .
رفض العلاقات الاجتماعية للذكور والتي تدعم سلوكيات العنف وعدم إحترام النساء
كما
يعتقد 13% من أفراد العينة بأنه لا يوجد مانع من سرد نكات جنسية عن النساء
بين مجموعة من الأصدقاء الرجال (22% ذكور و 3% إناث)، فيما يعتقد 10% بأنه
من الطبيعي أن يظهر الرجل أنه مسيطر على زوجته أمام أصدقائه الرجال (13
ذكور و 7% إناث).
هذا وتعد العلاقات الاجتماعية الايجابية بين
الأقران الذكور في المجالين العام والخاص من المصادر الهامة الداعمة
للمواقف والاتجاهات نحو المساواة بين الجنسين ونبذ العنف ضد النساء بما فيه
التحرش الجنسي. في حين أن بعض المفاهيم السلبية التي تسود بعض العلاقات ما
بين الأقران ترفع من إحتمالية العنف ضد النساء وتزيد من إمكانية إرتكاب
أفعال التحرش.
وتتسم العديد من العلاقات الاجتماعية المتكونة من
الذكور دون الإناث بالتغاضي والتسامح مع سلوك أفرادها السلبي تجاه النساء
والمساواة بين الجنسين أو العنف والتحرش المرتكب ضدهن.
الإعتراف بأن "عدم المساواة بين الجنسين" تشكل ظاهرة
ويجد
38% من أفراد العينة بأن النساء يبالغن عندما يقلن بأن معاملتهن في
المجتمع تنطوي على تمييز وعدم مساواة (44% ذكور و 33% إناث)، كما يعتقد 59%
منهم بأن النساء لا يقدرن ما يفعله الرجال من أجلهن (66% ذكور و 53%
إناث)، فيما يعتقد 37% من أفراد العينة بأن العديد من النساء يفسرن أفعال
حسن النية التي يقوم بها الرجال على أنها تمييز ضدهن (46% ذكور و 27%
إناث).
وتشير الدراسات الى أنه كلما كان هنالك تقدماً محرزاُ في
مجال حقوق النساء والمساواة بين الجنسين، كلما إرتفعت وتيرة ردود الأفعال
السلبية التي يقوم بها الرجال بشكل خاص. وتبرز بشكل كبير هذه المواقف في
إنكار عدم المساواة بين الجنسين وتنكر أهمية وضرورة إتخاذ التدابير
والإجراءات من أجل ذلك ومن أجل لمنع التمييز والعنف.
وتؤكد دراسات
أخرى على أنه إذا كان عدم المساواة بين الجنسين يمكن أن تؤدي الى العنف،
فإن تحقيق المزيد من التقدم في هذا المجال قد يؤدي أيضاً الى مزيد من
العنف، قبل أن يبدأ في التراجع. كما أن بعض الرجال يحاولون من خلال ردود
الأفعال العكسية الحفاظ على مكتسباتهم من خلال التأكيد على الصور والقوالب
النمطية لأدوار كل من الذكور والإناث.
يذكر بأن الممارسات
الاجتماعية تعني السلوكيات الفردية أو الجماعية والتي تمارس في الحياة
اليومية، بما فيها السلوكيات الجنسية، وتعكس ادوار كل من الجنسين في
المجالين الخاص والعام، فيما يمكن تعريف الأعراف الاجتماعية على أنها قواعد
سلوك نموذجية يتوقعها المجتمع من أفراده، وهي قواعد تؤثر بشكل كبير في
سلوكيات الأفراد الذين يتصرفون بناءاً على قناعاتهم بما هو متوقع منهم في
المجتمع أو قناعاتهم بما يمكن لغيرهم أن يتصرف في ظروف مشابهة، أكثر من
التأثير في سلوكياتهم بناءاً على قناعاتهم الشخصية.
والهياكل
الاجتماعية عبارة عن مجموعة من العناصر التي تعمل على مستوى العلاقات
والمستويات التنظيمية والمؤسسية وتتسم بالتوافقات الاجتماعية ضمن سياق
معين، وقد تكون رسمية كالتشريعات والسياسات والأعراف، أو غير رسمية كتوزيع
الأدوار بين الجنسين في إطار الأسرة. وتتأثر هذه الهياكل وتؤثر في سلوك
الأفراد.