القلعة نيوز :
يشهد إنتاج الدراما التاريخية في تركيا نشاطاً لافتاً يسير بخط متواز مع السياسات العامة للدولة التركية، والتي لوحظ في بعض أعمالها الفنية قصدها بإرسال رسائل داخلية وخارجية في ظل معاركها التي تخوضها لحماية مصالحها الاستراتيجية، كما تُعلن.
فمن المسلسل التاريخي الشهير "قيامة أرطغرل"، إلى "عاصمة السلطان عبد الحميد"، و"فيلتنا"، وملحمة "كوت العمارة"، وصولاً الإنتاج القادم "بربروس"؛ تواصل تركيا في رواية تاريخها للشعوب، عبر مزيد من المسلسلات والأفلام ذات الإنتاج الضخم والكثيف.
رسائل سياسية
ومن المعروف دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لهذه المسلسلات، لما لها من تأثير عميق في فهم تاريخ الأتراك وتعزيز القيم الدينية والشجاعة والإقدام، بل وطلب أن تستمر "لتوصل تاريخ الأجداد العثمانيين للأحفاد"، كما زار مواقع التصوير.
ومع هذا الاهتمام الرسمي؛ بث التلفزيون التركي فيلم "سيف العدالة .. الأتراك قادمون"، بالتزامن مع الأزمات الحالية المباشرة وغير المباشرة مع كل من قبرص واليونان وأرمينا؛ حيث اعتبر كثيرون ذلك بمثابة رسالة سياسية خارجية قبل أن تكون داخلية، لا سيما وأن الفيلم – الذي عُرض في دور السينما في الشهر الأول من عام 2020 وأعين بثه عبر القنوات الرسمية، يوثق مرحلة صعود قوة العثمانيين بعد فتح إسطنبول على يد السلطان محمد الفاتح، وتوجهه نحو روما عاصمة أوروبا المنيعة في القرن 15.
ويجسد الفيلم بكثير من المشاهد الدرامية قدرات جيش الفتح - الذي تعده مراجع بحثية ثالث أقوى جيش في العالم عبر التاريخ- كما يسلط الضوء على دور قوات النخبة العثمانية "الأكجينار" في معارك العثمانيين مع أوروبا، ويقدم صورة توثيقية لغزوات الفاتح، تمزج بين توثيق الحقيقة التاريخية وجاذبية الدراما المعروفة في الأعمال الفنية التركية.
زرع القيم
ويرى الكاتب التركي محمد سليمان أن المسلسلات التاريخية التركية، من الناحية السياسية، نجحت في إقناع الجمهور أن الأعداء التاريخيين للأمة الإسلامية هم أعداؤها الحاليون، وأن الأتراك أقوياء في حال تمسكوا بدينهم وتاريخهم، وهذا الأمر ساعد على توفير حاضنة شعبية له في المجتمع.
ويضيف سليمان في تصريحات صحفية: " هذه الإنتاجات الضخمة مهمة في تسويق وإعادة طرح القيم الإسلامية، والعادات والتقاليد الحميدة الموجودة بالمجتمعات الإسلامية منذ القدم، في ظل وجود حملة تشويه كبيرة من الغرب للقيم الإسلامية".
ويقول الكاتب: إن "الدراما التركية استطاعت جذب المشاهد العربي لأمرين مهمين؛ أولهما القيم المستمدة من الإسلام، التي وجد المجتمع العربي نفسه فيها، ونموذج البطل الذي يُقوّم أمته ويخرجها من حالة الضعف للقوة، في الوقت الذي تعاني فيه البلدان العربية من الضعف بشكل عام".
الأمر الثاني والمهم برأي سليمان أن "المسلسل لم يقترب من النظام الإسلامي كشريعة وحدود، بل نجح في تسويقه على أنه نظام حياة متكامل، ومجموعة مترابطة من القيم الصحيحة الموافقة للفطرة، وهو الأمر الذي ساعد على جذب المشاهد نحو الشاشة".
"نهضة السلاجقة"
وقد أسهم النجاح الكبير لمسلسل "قيامة أرطغرل" الشهير والذي حظي بمتابعة قياسية تركية وعربية وعالمية؛ في الإسراع من الإنتاج الدرامي التاريخي المؤثر والمدروس.
وبالتزامن مع بدء حلقات الجزء الثاني من مسلسل "المؤسس عثمان" المقرر يوم الأربعاء المقبل، بدأ بث الحلقة الأولى من المسلسل التاريخي الجديد والضخم "نهضة السلاجقة العظام" على التلفزيون التركي، والذي تشارك فيه عدد كبير من ألمع نجوم الدراما التركية، ويتناول العمل الحقبة التاريخية لدولة السلاجقة العظام.
ووصف رئيس ومدير عام مجموعة قنوات TRT، إرين إبراهيم، المسلسل الجديد عبر حسابه الشخصي على "تويتر"، بأنه "حكاية عصر يتوهج بالسّيف ويُنار بالقلم".
ورصد مراسل "السبيل" ترويجاً واسعاً للمسلسل عبر بوسترات ضخمة وضعت في أنحاء مختلفة من المدن التركية، إلى جانب العرض الترويجي للمسلسل على القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي.
وتدور أحداث العمل التاريخي، حول فترة حكم الدولة السلجوقية، والمؤامرات والصّراعات في تلك الحقبة، وتسلط الضوء على الصراع بين السلاجقة وحسن صباح، زعيم الحشاشين وهو قائد عسكري وسياسي كبير يلقب بشيخ الجبل.
وكان قد تم تغيير اسم العمل من "نظام العالم" إلى "نهضة السلاجقة العظام"، والذي انطلق تصويره في أواخر يوليو الماضي. ويعول طاقمه أن يكون رقم واحد في تركيا، وينافس المسلسل التاريخي "قيامة أرطغرل" الذي عرف شهرة واسعة أوصلته للعالمية.
والدولة السلجوقية هي واحدة من الدول الكبرى في تاريخ الإسلام، وتأسست على يد سلالة السّلاجقة، وهي سلالة تركية من قبيلة قنق، التي تنتمي إلى أتراك الأوغوز، قامت عام 1037م وانتهت عام 1157م عند مقتل آخر سلاطينها أحمد سنجر.
"أرطغرل".. أمير البحار هذه المرة
وفي إطار الانتاجات الضخمة المتتالية للدراما التاريخية التركية؛ أعلنت قناة (TRT1) الرسمية إنتاج مسلسل عن قصة حياة القائد الأشهر في البحرية العثمانية خير الدين بربروس، والذي يتناول انتصارات القائد الذي أطلق على فترة قيادته "العصر الذهبي للبحرية العثمانية".
وتشير صحيفة "تقويم" التركية إلى احتمالية قيام الممثل التركي إنجين ألتان دوزياتان، المعروف بشخصية "أرطغرل" في المسلسل التركي الشهير "قيامة أرطغرل"، دور البطولة، وهو الخبر الذي لاقى الكثير من الحفاوة، رغم عدم تأكيده رسمياً، إلا أن صوراً تم تداوله للفنان التركي وهو يوقع على عقد المسلسل الجديد.
ويعد المسلسل من إنتاج شركة "إي إس فيلم" التركية، وتم الإعلان عن بدء تصويره في يوليو الجاري، في حالة عدم حدوث أي تغييرات طارئة بسبب وباء "كورونا"، وهذا ليس العمل التاريخي الأول للشركة، فمن ضمن أعمالها مسلسل "السلطان عبد الحميد الثاني"، وهو مسلسل تاريخي ضخم حقق ملايين المشاهدات في تركيا والعالم العربي.
من هو خير الدين بربروس؟
عُرف خير الدين بربروس، المولود في عام 1478 في جزيرة لسبوس اليونانية، بعبقريته الحربية ومعرفته البحرية، فعاشت الإمبراطورية العثمانية ألمع أيامها خلال فترة قيادته للأسطول التركي، حتى أطلق بعض المؤرخين على البحر الأبيض المتوسط بـ"البحيرة التركية"، كما لقب بربروس بـ"أمير البحار" لما كان له من قوة وهيمنة غير مسبوقة خلال فترة الحكم العثماني.
وكان اسم خير الدين بربروس "خضر ريس"، وله 4 إخوة أكبر منه هم إسحاق وعروج وإلياس ومحمد، وأطلق الغربيون على شقيقه عروج اسم "بربروسا" التي تعني "ذو اللحية الحمراء"، وبعدما توفي عروج، ورث خير الدين لقب أخيه وعرف به.
أنقذ بربروس آلاف المسلمين في معاركه التي كان أكبرها المعركة التي خاضها ضد الجيوش الصليبية: الإسبانية والبرتغالية والإيطالية وسفن القديس يوحنا، عندما طلب منه السلطان سليم الأول إنقاذ المسلمين من محاكم التفتيش الإسبانية، وبالفعل انتصر عليهم وتم نقل 70 ألف مسلم أندلسي في أسطول مكون من 36 سفينة في 7 رحلات عام 1529 إلى الجزائر، حيث تم تأمينهم وتوطنوا فيها.
عيّن السلطان سليمان القانوني القائد بربروس قائداً للأسطول العثماني عام 1534 ومنحه لقب وزير، فأصبحت البحرية العثمانية أقوى قوة بحرية في البحر المتوسط، بعدما خاض بربروس الكثير من المعارك وحقق انتصارات كثيرة أبرزها انتصاره في معركة بريفيزا ضد البحرية الصليبية بقيادة أندريا دوريا في 27 سبتمبر 1538.
توفي خير الدين بربروس في 5 يوليو 1546 في قصره، ويقع ضريحه في منطقة بشكتاش التركية في مدينة إسطنبول، إلى جانب الميناء الذي اعتاد الأسطول العثماني الخروج منه وتنفيذا لوصيته أن يدفن في مكان يسمع فيه صوت البحر.