واضاف طهبوب في كلمة القاها بمؤتمر "صورة الأردن في العالم في مئة عام" الذي تنظمه الجامعة الهاشمية ان شخصية جلالته نامية تتطور وتسمو، ويزداد تأثيرها وتأثرها.
كما وصف جلالته بانه ربان سفينة عرف كيف يقودها دون أن يعرض أفرادها أو طاقمها للخطر.
اضاف ان جلالته رجل علم ومعرفة عميقة سعى منذ تسلمه لسلطاته الدستورية إلى حماية التعددية، وتعزيز الديمقراطية، والاستخدام الأمثل للمعرفة، والتكنولوجيا الحديثة.
وفيما يلي نص الكلمة :
ليس سهلاً على رجل مثلي رغم اشتغالي الطويل بالكلمة والصورة، أن أتحدث عن صورة مليكي؛ صورته الإعلامية أو الذهنية لدى الجماهير. وعلى الرغم من محاولاتي - وأنا أعد هذه الكلمة - أن أتحلى بأعلى درجات ممكنة من الموضوعية، إلا أن مشاعري الوجدانية سيطرت على مسارات البحث. ترسخت صورة ذهنية انطبعت في عقلي حول شخص الملك عبد الله الثاني بن الحسين، تحكّمت بالمفاصل والمحاور. يبدو أن البحث في «غوغل» عن صورة مطبوعة في وجدانك، وفي قلبك وعقلك، تبدو مضيعة للوقت، أو أنها لا تغير من اتجاهاتك قيد أنملة عندما يكون الحديث عن ملك بلادك الذي تحب، فأنا لا أتحدث عن شخصية بعيدة عني، وعن حياتي. هل يعقل أن ألجأ إلى «غوغل» لأبحث عن صورة مليكي.
الصورة الذهنية أيتها السيدات والسادة - وكما تعلمون - هي عملية معرفية تقوم على الإدراك لخصائص وسمات الفرد، وهي التي تكوّن الاتجاهات العاطفية نحوه. نحن نُجمع على حب مليكنا، وعلى الثقة بحكمته وحنكته، وتلك حقيقة.
وقبل الحديث عن الصورتين الإعلامية والذهنية لشخص الملك، يجب أن نحدد السؤال أولاً: عن أي صورة نتحدث، عن صورة الملك عندما تسلم سلطاته الدستورية قبل 21 عاماً، أم عن صورته بعد عقد من تسلمه مسؤولياته كملك، أم عن صورة الملك عبد الله الثاني اليوم. الصورة تتغير. ليست ثابتة.
المتتبع للمسيرة منذ عقدين من الزمن ونيف، يمكنه أن يلاحظ هذا الاختلاف الناتج عن قدرة هذه الشخصية الإنسانية على النمو والارتقاء، والثراء في العمق. شخصية من نوع إيجابي، نامية كما قلت. تتطور وتسمو، ويزداد تأثيرها وتأثرها، تكتسب.. تتراكم خبراتها.. متزنة.. تزداد توازناً بحكم الخبرة والتجربة والعمر، وللعمر أحكامه. - أطال الله في عمر سيد البلاد - والملك رجل عرف بذكائه، وبعقلانية في اتخاذ القرار.
شخصية عطوفة.. رؤوفة بالآخرين، متسامحة لينة، حازمة إذا تطلب الأمر العزم حزماً.. ديناميكية تفاعلية، ومتكيفة أيضاً ، تبتعد عن الخصومة والجدل. شخصية تجيد الحديث، وتصغي للآخرين. تؤمن بالتعددية وتحترم الاختلاف.
وقبل أن نتحدث عن الصورة، يجب أن نتذكر أن الملك، هو عميد آل البيت، ورأس الدولة، وهو أب، وزوج، وشاب لم يبلغ بعد الستين من العمر، والحياة - كما قال غابرييل مارسيا ماركيز - تبدأ بعد الخمسين. قصدت بهذا المعنى أن أؤكد أن شخصية الملك ناضجة مسؤولة بكل ما يحمله الوصف من معنى، والملك ربان سفينة عرف كيف يقودها دون أن يعرض أفرادها أو طاقمها للخطر.
أقول ذلك وقد عادت ذاكرتي إلى قصة قصيرة قرأناها في الثانوية العامة باللغة الإنجليزية عن قصة طائرة «جامبو جت 747» التي كانت تسمى في تلك القصة «الأمة»، وعند الحديث عن كابتن الطائرة، ذكر الكاتب أنه كان متزوجاً، وله أبناء، ويبلغ من العمر 40 عاماً، ويدفع ضرائب، وتحدث عن ساعات التدريب التي أمضاها، وعن الرحلات السابقة التي أنجزها، إلى غير ذلك من تفاصيل تتعلق بقائد الطائرة، وعندما سألت المعلم : ما الذي يعنيه ذكر كل هذه التفاصيل عن كابتن الطائرة؟ قال: حتى يبين لك كاتب القصة أن الكابتن هو رجل لديه مسؤوليات، ولديه ما يخاف عليه، ويحرص عليه في حياته، وهذا سيمنح ركاب الطائرة الشعور بالأمان.
لا شك أن مسؤولية كبيرة يشعر بها قائد طائرة الـ 380 اليوم وهو يحلق على ارتفاع 40 ألف قدم بخمسمائة راكب إضافة إلى الطاقم ، فقد زاد عدد سكان «الأمة الطائرة»، فكيف يشعر ملك يقود أمّة في أجواء لا تخلو من مطبات ومخاطر، لعلها مسؤولية ضخمة من الصعب على الفرد تخيلها.
إن كانت الصورة تعني ظاهر الشيء، فإن الملك عبد الله الثاني، ملك عصري، حداثي، إنساني، صاحب رؤيا، وهو كابتن طائرة، قادر على التحليق في الأجواء.. مقاتل.. ، وهو سياسي محنك، وكاتب وخطيب مفوّه ، يمتلك قدرة استثنائية في الخطابة، والوصول إلى قلب مستمعيه، تشهد على ذلك محافل دولية متعددة في الأمم المتحدة، وفي البرلمان الأوروبي، وفي منظمة التعاون الإسلامي، والمنتدى الاقتصادي العالمي، ومؤتمرات القمة العربية، ولقاءات القمم مع زعماء العالم، وهو سياسي يعرف لغة الآخر، وكيفية التأثير في الجماهير بصدقية، وموضوعية تعتمد لغة العقل، وتخاطب الوجدان بأبعاده الإنسانية أيضاً، ولذلك ترى جلالته يبدأ خطابه في البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية عام 2020 بالقول: «وأنا أتأمل هذه القاعة التاريخية، أراها تضم المئات من الأشخاص، ولكن في الحقيقة معنا اليوم ملايين آخرون من مختلف الدول التي تمثلونها، كل بتاريخها الخاص، وتنوع وجهات النظر فيها، ونحن المجتمعون هنا، يجمعنا عاملان: الأول مسؤوليتنا اتجاه هؤلاء الملايين الذين ائتمنونا على آمالهم ومخاوفهم، وثانياً؛ نحن محظوظون، فالحياة التي نقضيها في خدمة الآخرين، هي أفضل حياة». -انتهى الاقتطاف -.
تلك رسائل يبعثها الملك بقناعة ومحبة، وبلغة إنجليزية لا تمتاز بالطلاقة فحسب، بل في اختيار المفردات بعناية فائقة، وبلغة جسد تدل على دماثة وثقة جعلت الشابات والشباب الأوروبيين على شرفات قاعة البرلمان الأوروبي، ينبهرون بخطاب الملك، وقد ظهر ذلك في لغة جسدهم، وعلى وجوههم، وفي تصفيق حاد استمر لفترة من السهل ملاحظة أنها دقائق فوق العادة.
وإذا كنا ما زلنا نتحدث عن الصورة الخارجية، وليس الذهنية، فإن الملك رجل وسيم، أنيق، شديد التواضع، دمث. والصورة تعني المظهر والشكل، فيما تعني مفردة «الذهنية» العقل كما تعني الفهم، والملك بهذا المعنى رجل علم ومعرفة عميقة.. فكر مستنير، وأفق واسع، آمن بالتغيير، وسعى منذ تسلمه لسلطاته الدستورية في السابع من شباط عام عام 1999، إلى حماية التعددية، وتعزيز الديمقراطية، والاستخدام الأمثل للمعرفة، والتكنولوجيا الحديثة، واستحدث جوائز في مجالات الإبداع الشبابي، وتميز الأداء، والشفافية، واللياقة البدنية لتشجديع الشباب على ممارسة الرياضات، وهو من خاطب المجتمع الدولي في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في خطابه في الرابع والعشرين من أيلول عام 2019 عندما قال: «كيف سيبدو مستقبلنا إذا استمر حرمان ملايين الشباب من ثمار التكنولوجيا الجديدة وثروات العالم». - انتهى الاقتطاف -.
والملك يؤمن إيماناً عميقاً بشباب بلاده وقدراتهم، وأنهم المستفيد الأول من أي عملية تنموية أو إصلاحية تجري على أرض الوطن، وقد عبر عن ذلك في أكثر من مناسبة على مدى سنوات ماضية، ومنها ما قاله مثلاً عام 2008 عندما خاطب الشباب بقوله: «أنتم الفرسان الحاملون لرسالة الأردن، والساعون إلى تقدمه وازدهاره».- انتهى الاقتطاف -.
وإذا كانت الصورة الذهنية تعني مجموعة الانطباعات التي تتكون في الأذهان عن قيم شخصية، أو قيم سياسية، تساعد على تكوينها وسائل الاتصال الجماهيري من خلال الصورة الإعلامية، فإن صورة الملك الإعلامية والذهنية التي انطبعت في أذهان الجماهير، مشرفة مشرقة، تحظى بقدر كبير من الاحترام، والإعجاب بطريقة تفكيره، وفكره، وأسلوب خطابه، ومضامين ومحتويات كتاباته وتصريحاته، ومواقفه الأخلاقية الثابتة والواضحة، واتجاهاته بأبعادها الوطنية والمعرفية والوجدانية والإنسانية.
صورة الملك هي الصورة المرآة التي يرى الأردنيون فيها أنفسهم، وهي الصورة الحالية التي يرى فيها الآخرون الملك بعد 21 عاماً على تسلمه سلطاته كملك للمملكة الأردنية الهاشمية، بكل خلفيات هذه الصورة المعرفية والعلمية والوجدانية، وبخبرة متراكمة في شؤون السياسة والعلاقات الخارجية والإنسانية، وفي اتخاذ القرارات، ومواجهة الأزمات، وحل المشكلات، والتعامل باقتدار مع كافة المتغيرات في عالم يعصف به كل يوم حدث جديد.
صورة الملك هي صورة شعبه، وصورة شعبه صورته، لا يمكن فصل الصورة، الملك عن الشعب، والملك عن الأرض، وعن جغرافيا الأردن كدولة حديثة فتية عمرها قرن من الزمن، صغيرة الحجم، محدودة الموارد، كبيرة الأحلام، والطموحات، والآمال، والأفعال، وصورة الملك هي الصورة المرغوبة والمثلى للقائد التي يطمح إليها الكثير من الشعوب على وجه الأرض، وهي متعددة، ثرية، تعكس التنوع الذي يتمتع به الأردن على اختلاف منابت شعبه وأصولهم.
لا يمكن فصل الملك عن شعبه، فهو ابن هذا الشعب، وهو لصيق به وبطموحاته وتطلعاته واحتياجاته. أول ما عرف بها الهاشميون من صفات كان التواضع ، صورة الملك في بلاده لا تعرف عن طريق وسائل التواصل الجماهيري، وإنما عن طريق التواصل الشخصي الإنساني المباشر الذي يجمع الملك بشعبه، ولذلك فإني لم أتعرض إلى صورة الملك في الإعلام المحلي على سبيل المثال، لأن الصورة الذهنية التي انطبعت في أذهان الاردنيين عن الملك، لم يتم بناؤها بمساعدة الإعلام، وإنما بوجوده وسط شعبه، وبالعهدة واللحمة والمحبة، فنشات العلاقة الوجدانية، وتشكلت الصورة الذهنية من خلال هذا الحبل السري الذي ربط الحاكم بشعبه منذ عهد الملك المؤسس عبد الله الأول.
والانطباع الذي يكونه الفرد متأثراً بالمعلومات المختزنة، والتي هي نتاج عناصر المعرفة والإدراك، تقول أن عبد الله الثاني، هو ابن الحسين الباني، وهو سليل الدوحة الهاشمية التي عرفت بمواقفها الثابتة والمبدئية اتجاه قضايا العرب والمسلمين، وهو ابن الحسين بصورته الإنسانية قبل الإعلامية والذهنية الزاهية المطبوعة في عقل كل أردني، وفي وجدانه، وفي عقول العرب والغرب على السواء، وهو حفيد عبد الله الأول الذي دفع حياته على ثرى القدس. أنقذ الشطر الشرقي منها عام 1948، يوم استشهد الأبطال من رجالات الجيش العربي المصطفوي على ترابها، وخاضوا ببسالة حرب شوارع في البلدة القديمة، وسقطوا على أسوارها شهداء برره، كما في اللطرون، وباب الواد، وتل الذخيرة.
وقد جدد الشعب الفلسطيني المبايعة لجلالة الملك عبد الله الثاني لتعزيز الوصاية الهاشمية على المقدسات في اتفاقية وقعها الملك مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 2013 تؤكد أن جلالته هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف تعزيزاً للوصاية التاريخية للشريف الحسين بن علي بمبايعة مقدسية فلسطينية عام 1924، واستمراراً للدور الذي يضطلع به الملك عبد الله الثاني في رعاية المقدسات بما فيها بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية التي تخضع للقانون الأردني رقم 27 لعام 1958.
ولو كان هنالك من مفتاح يحدد توجهات أو صورة الملك في الإعلام، فيمكن تسمية الملك عبد الله «البوصلة». بوصلة تحدد المسارات الصحيحة في زمن النكوص والتردي واختلاط الأوراق، ففي حين كان العالم العربي يشهد ارتداداً واضحاً في التجارب السياسية نحو المزيد من الانكفاء وتراجع الحريات، طرح الملك مبادرات الإصلاح والتحديث في المنظومة السياسية، ولم يتردد في إطلاق المزيد من الحريات بما في ذلك تنشيط عمل الأحزاب والإعلام.
وعندما سادت في عالمنا العربي مشاريع دولية تركز على تقديم المزيد من التنازلات على حساب الحقوق الثابتة للشعب العربي الفلسطيني، انبرى الملك في التصدي لهذه المشاريع دون مقايضة المصالح بالمباديء، على الرغم من ضغوط وتهديدات رافقت ذلك التوجه، وليس غريباً أن الأردن بإمكانياته المحدودة، يستطيع أن يفشل مخططات كانت ترمي إلى التفريط بما هو ثابت، لأن الأردن دولة محورية مؤثرة في الساحتين العربية والدولية. الأردن ثابت عندما يتصل الأمر بالثوابت، وهذا ما أكده جلالته في غير محفل، ومنه ما قاله خلال اجتماعه في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية «الجيش العربي» في مارس عام 2019 «أن القدس ومستقبل فلسطين خط أحمر بالنسبة للأردن»، وأن هذا «موقف المملكة الأردنية الهاشمية وكل الأردنيين». انتهى الاقتطاف.
وعندما ساد العالم العربي الإسلامي هوس التطرف الديني وإلغاء الآخر، لم يكن هناك أحد أكثر وضوحاً من جلالته في طرح أفكار التسامح والوسطية والاعتدال، مؤكداً أن المسؤولية تقع أولاً على المسلمين أنفسهم في الجهود الرامية لمحاربة التشدد والتطرف، وقد أكد جلالته في غير محفل على ضرورة التصدي لهذه الآفة، وقال في القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الحادي والعشرين من مايو 2017 أن «المجموعات الإرهابية توظف هوية دينية زائفة بهدف تضليل واستقطاب مجتمعاتنا وشعوبنا. دعونا هنا نؤكد بوضوح أن العصابات الإرهابية لا تمثل مجموعة تتواجد على هامش الإسلام، بل هي خارجة تماماً عنه. هؤلاء هم الخوارج؛ العرب والمسلمون يشكلون الغالبية العظمى من ضحاياهم». انتهى الاقتطاف.
وعندما عمت الفوضى غير قطر عربي، وانتزع الاستقرار في أكثر من دولة، نشط الملك في الدعوة إلى الاستقرار ونزع فتيل الأسباب التي أدخلت المنطقة إلى حافة المخاطر، وهنا تأتي الحاجة الدولية إلى الملك عبد الله الثاني كرجل يعرف أثر الاستقرار على شعوب المنطقة، فتجد المستشارة الألمانية «أنغيلا ميركل» في لقائها بالملك مؤخراً، تعبر عن تقديرها لدور جلالته «في العمل على إيجاد حلول سلمية لصراعات المنطقة ونشر الاستقرار في ظل ظروف صعبة» وتضيف: «تعلمت الكثير من الملك خلال سنوات خدمتي». انتهى الاقتطاف.
ولنفس هذه الأسباب تجد الملك أول زعيم عربي يستقبله الرئيس الأميركي «جو بايدن» في البيت الأبيض، علماً بأن الشرق الأوسط ليس من أولويات الإدارة الأميركية الحالية، وإنما تأتي الصين ومعها روسيا على رأس أولوياتها، وهذا ما أشارت إليه «لوسي كيرتزر» مديرة برنامج الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في معهد الولايات المتحدة للسلام، إلى أن دور الأردن أساسي، وهو دور تم افتقاده في السنوات الماضية، وقد عبر الرئيس بايدن عن هذا التقدير لشخص الملك وللأردن عندما خاطب سمو الأمير الحسين بن عبد الله ولي العهد قبيل اجتماع ثنائي جمعه بالملك في البيت البيضاوي . قال بايدن مخاطباً الأمير: «كنا نتسكع معاً أنا ووالدك لفترة طويلة. من الجيد عودته إلى البيت الأبيض». وقال بايدن: «أريد أن أرحب بعودة صديق طيب ومخلص وكريم» انتهى الاقتطاف.
وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهها الأردن في عهد الرئيس دونالد ترمب الذي وصفه الأخ الزميل سمير الحياري صاحب «عمون» بأنه «الأكثر تقلباً ومزاجاً» إلا أن الملك - والقول للحياري - تمكن منه بلطف وجرأة لا مثيل لهما. ويضيف الأستاذ الحياري في مقالة نشرها بعيد لقاء الملك عبد الله بالرئيس ترمب، أن «الملك أسرع في توصيل وجهة نظره وفهمه للغرب، والحديث معهم، فيقلب وجهة نظرهم بصورة أسرع وأخطر دون المساس بالطرف الآخر، وبحنكة، وهو ما شاهدناه خلال لقائه الرئيس ترمب. انتهى الاقتطاف.
ويمكن الإشارة إلى ما قاله الرئيس الأسبق باراك أوباما في كتابه «أرض الميعاد» أن «الملك عبد الله هو من أكثر الإصلاحيين في العالم العربي». كما يمكن الإشارة إلى ما قاله برلمانيون بريطانيون عقب لقائهم جلالة الملك في لندن في الثلاثين من الشهر الماضي، فقد أكد ديفيد جونز رئيس مجموعة الأردن في البرلمان البريطاني أن «المملكة المتحدة تدرك أهمية الأردن المحورية في الشرق الأوسط كلاعب رئيس يمكن الاعتماد عليه ليقود الحوار»، و»أن الأردن هو الدولة الأكثر كرماً في الشرق الأوسط» مشيراً بذلك إلى مسألة اللاجئين.
فيما وصفت أليشيا كيرنز عضو لجنة الشؤون الخارجية الملك بأنه «الرجل الدبلوماسي الأبرز في العالم»، وأنه «الرجل الذي يستطيع أن يقرب بلداناً وأطرافاً يعتقد الآخرون عدم إمكانية تقاربهم» وقالت: «هو صانع السلام والعمل لتحقيقه في عالمنا، ونحن ممتنون لقيادته ولجهوده الدبلوماسية في العالم» وأخيراً قالت كيرنز : «في الأردن ما يأسر القلب». انتهت الاقتطافات.
أما عربياً فإن الملك يحظى باحترام كبير على المستويين الرسمي والشعبي، ويمكن النظر إلى الحفاوة التي يستقبل فيها جلالته في العواصم العربية، وهو ما عبر عنه على سبيل المثال أمين جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط منذ أشهر قليلة عندما قال أن «الملك عبد الله الثاني له مكانة مقدرة وعالية، سواء بين أبناء الشعب الأردني، أو على المستوى العربي عموماً».
يؤمن الملك بتشابك المصالح والمخاطر التي تحيط بالعالم، وعندما نعود للحديث عن مفهوم البوصلة، يمكن ملاحظة الذكاء الذي يتمتع به جلالته في لقاءات صحفية وإعلامية عديدة تجرى معه من قبل محطات تلفزيونية عالمية مختلفة، وقدرته على توجيه بوصلة الحديث في اتجاهات يعتقد بضرورة الحديث عنها، وتسليط الضوء عليها، وتلك مسائل تؤثر في الصورة سواء من قبل الإعلامي الذي يجري الحوار أو من قبل الجمهور المتلقي الذي يستمع إلى المقابلة. تجد على سبيل المثال في الحوار الذي أجرته معه قناة فرانس 24 العام الماضي، قدرة جلالته على نقل دفة الحديث في اتجاه آخر، أو نحو وجه آخر من وجوه القضية، دون أن يشعر الإعلامي أن جلالته أغفل سؤاله، وأقود مثلاً: يسأل الإعلامي عن احتمالات قيام حرب بين الولايات المتحدة وإيران، وكان ذلك في عهد الرئيس دونالد ترمب، فيجيب جلالته : «ما يشغل بال الناس هو ما يحدث بين إيران والولايات المتحدة، وأن هناك تهدئة الآن، نأمل أن تستمر، لا يمكننا تحمل عدم الاستقرار في منطقتنا الذي يؤثر على أوروبا وبقية العالم، ولذلك فإن مباحثاتنا - في إشارة إلى جولة كان يعتزم الملك القيام بها إلى ستراسبورغ وباريس وبروكسل - ستتناول إيران بشكل كبير، ولكنها - وهنا يأخذ الملك الزمام لتوجيه البوصلة في اتجاه يعتقد أنها يجب أن تتوجه نحوه - يقول: ولكنها ستتمحور أيضاً حول العراق، لأنني أعتقد في هذه المرحلة، وفي نهاية المطاف، أن الشعب العراقي هو الذي عانى، ودفع الثمن، ويستحق الاستقرار والمضي نحو المستقبل، كما أن النقاش في أوروبا سيتركز على دعم الشعب العراقي ومنحه الأمل بالاستقرار وبمستقبل بلاده، فما يحصل في طهران سيؤثر على بغداد ودمشق وبيروت، وعملية تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين» . انتهى الاقتطاف.
ومن هنا يمكن ملاحظة كيف تعمل البوصلة، وكيف تُوجّه الحديث حتى في اللقاءات الإعلامية، حول القضايا العالمية، والمسائل الاستراتيجية المهمة، نحو قضايا أكثر أهمية، أو أنها تشغل بال الملك أكثر من ما ينشغل به العالم بعامة، وكيف انتقل جلالته من الحديث عن حرب محتملة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، إلى الحديث عن تداعياتها، وعن المنطقة: بغداد، ودمشق، وبيروت، حتى يصل إلى فلسطين وقضية الشعب الفلسطيني.
ومن هنا أجزت لنفسي تسمية جلالته بالبوصلة التي تحدد المسارات الصحيحة، ولا يكتفي بذلك، وإنما يحشد الجماهير والمجتمع الدولي نحوها، ويوجه حتى دفة الحديث في اللقاءات الصحفية والإعلامية التي تجرى معه، نحو تلك الاتجاهات، فإذا أردت أن تعرف الاتجاه الصحيح، فاتبع خطى الملك. تلك هي الصورة، والصورة تكبر، وتزداد بهاء.
حفظ الله الملك، وحفظ الوطن والشعب.
(الدستور)