أسعد بني عطا
شكلت الديمقراطية بنية أساسية من القيم في عالم السياسة في العصر الحديث ، ومن اهم مفاهيمها نظريا على الأقل تقديس راي الاغلبية ونتائج صناديق الاقتراع والتداول السلس للسلطة ، وحماية الحريات وحقوق الإنسان ، وقادت الديمقراطية تاريخيا إلى طغيان راي الاغلبية على الاقلية ، وتحولت الدولة إلى أداة بيدها ، وتم تجيير القانون لخدمة مصالحها قبل حماية حقوق الاقلية ، وولدت النازية من رحم الديمقراطية ، وكان وصول (هتلر ) وحزبه مثلا إلى الحكم بعملية ديمقراطية كاملة .
-التطورات الدولية من اجتياح وباء كورونا للعالم ، ثم الحرب الروسية على أوكرانيا، فالحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان وحالة الفوضى وعدم الاستقرار التي سادت خصوصا الشرق الأوسط بدأت تفرض نفسها بقوة على الساحة الدولية منذ شهر ( ٢٠٢٤/٦ ) ، ومكّنت العملية الديمقراطية أحزاب اليمين المتطرف من تحقيق مكاسب كبيرة في انتخابات البرلمان الأوروبي ، وجاءت بالمراكز الأولى في : فرنسا ، إيطاليا والنمسا ، وحلت ثانية في ألمانيا وهولندا ، محدثة ما وصف بزلزال سياسي بشأن مستقبل الاتجاه السياسي لأوروبا ، وجاء فوز اليمين لأسباب :
. ارتفاع معدلات التضخم ، وتراجع الأوضاع الاقتصادية ورفض شرائح متزايدة من الناخبين توجيه ضرائبها لخدمة الجبهة في أوكرانيا .
. مواجهة دول الاتحاد تحديات إستراتيجية من الصين والولايات المتحدة .
. تدفق اللاجئين على أوروبا ، والتغيرات الديموغرافية التي احدثوها مع تناقض شديد بين حاجة القارة إلى المهاجرين كقوة عاملة ، وعدم استيعابها للعرب منهم ثقافيا وسياسيا لمخاوف تتعلق بالقلق الذي يحيط بالهوية الأوروبية ، والخطر الذي تشكله هذه الفئة على المجتمعات الأوروبية .
-في الولايات المتحدة وخلافا للتوقعات ونتائج استطلاع الرأي وصل ( دونالد ترامب ) إلى السلطة ، وقام بترشيح نخبة من ( البروليغاركية ) من المليارديرات وأصحاب شركات التقنية المتفوقة التي تعمل بشتى المجالات .
-يرى الكثير من المراقبين ان العملية الديمقراطية قد صعدت بالفعل باليمين المتطرف أو ( النازيين الجدد ) إلى السلطة ، ما سينعكس حكما على مجريات الاحداث الدولية ، وربما إعادة تشكيل الخارطة السياسية للعالم والمنطقة ، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول مصير العملية السلمية في الشرق الأوسط ، وهل ستبقى مطروحة على الطاولة في حدود النسخة الأولى من صفقة القرن ام أن هناك نسخة جديدة للصفقة تنسف حل الدولتين باعتباره لم يعد حلا صالحا للتطبيق في ظل التوسع الاستيطاني المشفوع بغض النظر الامريكي ، وتغيير الواقع من طرف واحد على الأرض .
-امتاز الأردن منذ التاسيس بمرونة كبيرة وحنكة بالتعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية مكّنته من تجاوز مختلف الأزمات التي عصفت بدول المنطقة ، وتمكن من الحفاظ على مكتسباته ومكانته السياسية الوازنة ، والان وعلى ضوء وصول ( النازية الجديدة ) إلى السلطة في مختلف دول العالم الحر ، هل يملك الأردن الرؤية والأدوات التي تمكنه من الحفاظ على مصالحه بالحد الأدنى في جوار إقليمي ملتهب ، ونظام عالمي متحرك ؟