
د.الحـياري يؤكد ضرورة إنشاء قاعدة رقمية موحدة للتراث الكتابي الوطني
د.الحياري: الأردن يمتلك سردية وطنية ممتدة منذ مهد التاريخ وعلى امتداد الحضارة الإنسانية
القلعة نيوز-رعت وزيرة السياحة والآثار السيدة لينا عناب أعمال الورشة السنوية الأولى المشتركة بين الجامعة الهاشمية ممثلة بكلية الملكة رانيا للسياحة والتراث، والجامعة الأردنية ممثلة بمركز الوثائق والمخطوطات ودراسات بلاد الشام حول "التوثيق الكتابي: الأساليب التقليدية والأفق الرقمي" التي تهدف إلى الحفاظ على الهوية الثقافية الوطنية وتطوير أدوات البحث وتوثيق النقوش في الأردن.
وشارك في الورشة مجموعة من الأكاديميين والباحثين والمختصين المحليين والدوليين في مجالات مجالات النقوش والتراث والتوثيق والمخطوطات الوطنية لمناقشة أهمية الموازنة بين الوسائل التقليدية في الحفظ، والتقنيات الرقمية الحديثة التي تسهم في تسهيل الوصول إلى المعلومات وحمايتها.
وأكدت السيدة لينا عناب على أهمية النقوش والكتابات القديمة بوصفها سجلاً حياً لذاكرة الشعوب وتاريخها، مشددة على التزام وزارة السياحة والآثار بدعم جهود التوثيق والحفاظ على الإرث الحضاري الأردني، ومشيرة إلى أن الرقمنة تمثل اليوم أداة حيوية لحماية هذا التراث ونقله للأجيال القادمة.
وأكدت السيدة عناب أهمية الأردن الحضارية والثقافية والأثرية لا سيما ما وثقته النقوش التي يصل عددها إلى أكثر من 60 ألف نقش حيث يعد مكتبة حية للنقوش والكتابات، تمتد من الشمال إلى الجنوب، من النقوش الصفوية التي دونها رعاة البادية، مرورًا بالنقوش النبطية، والآرامية، والمؤابية، والعربية الشمالية القديمة، وصولاً إلى النقوش العربية الإسلامية، تتنوع الأشكال واللغات لتجعل من الأردن متحفا مفتوحا وربما أكبر مكتبة مكشوفة في الهواء الطلق في العالم تحتضن تاريخ البشرية.
وقالت عناب أن التقدم التكنولوجي خاصة تقنيات الذكاء الاصطناعي يشكل أداة أساسية لدعم عمليات الأرشفة، وتحليل النقوش، وبناء قواعد بيانات تفاعلية تمكن الباحثين والمهتمين من الوصول إلى هذا التراث بسهولة ودقة، مبينة دور الذكاء الاصطناعي الذي يسهم في قراءة النصوص المتضررة، وإعادة بناء الأجزاء المفقودة، مما يفتح آفاقا جديدة لفهم تاريخنا وصوته.
وأكدت وزيرة السياحة أنه نظرا لأهمية التراث الكتابي في الأردن لا سيما النقوش فإن دائرة الآثار العامة تعمل على استحداث قسم النقوش ضمن هيكلها التنظيمي الجديد، كما أعلنت أن الوزراة تعكف على إنشاء متحف النقوش في منطقة الصفاوي؛ ليكون منارة معرفية، تتيح الاطلاع على تاريخ المنطقة وتعزيز هويتها الثقافية.
وقدمت الشكر للجامعتين الهاشمية والأردنية على تنظيم هذه الورشة القيمة معلنة عن تعهد وزارة السياحة والآثار بدعمها لتصبح تقليدًا سنويا ثابتا يثري النقاش الأكاديمي، ويعزز الوعي المجتمعي بأهمية هذا التراث العريق.
كما ألقى الأستاذ الدكتور خالد الحياري رئيس الجامعة الهاشمية أكد فيها أن الأردن يمتلك سردية وطنية ممتدة منذ مهد التاريخ وعلى امتداد الحضارة الإنسانية، مشيرا إلى مسؤولية الجامعات الأردنية في حماية التراث وصون الهوية الوطنيين، وتوثيق سردية بلدنا الممتدة منذ مهد التاريخ حيث شهد بلدنا الأردن حضارات متعاقبة على هذه الأرض المباركة، وضمت أنواعًا متعددة من الكتابات، وكمًّا هائلًا من المخطوطات، شكّلت التراث الكتابي الأردني المتنوع الذي نعتز به ونفتخر.
وأضاف أننا في الجامعة الهاشمية ومن خلال كلية الملكة رانيا للسياحة والتراث، يسعدنا أن نكون جزءًا من هذا الجهد العلمي المشترك، وأن نكون شركاء في توثيق وحماية ونشر التراث الوطني الكتابي بالتعاون مع الجامعة الأردنية ممثلة بـ مركز الوثائق والمخطوطات ودراسات بلاد الشام، الذي نحيي رسالته العميقة، ونثمّن ما يقوم به من جهود ريادية في صون إرث الأمة ووثائقها، والحفاظ على إرث يشكّل جذرًا لهويتنا ومستقبلنا.
كما أكد الدكتور الحياري أهمية هذه الورشة في الوصول إلى مخرجات عملية تسهم في بلورة محاور إطلاق مشروع وطني متكامل، لإنشاء قاعدة بيانات رقمية موحدة للتراث الكتابي الأردني بجميع أشكاله، تدعم صونه وحمايته، وتسخر أدوات المستقبل في خدمة ماضينا العريق، مما يحافظ على روحه، ويعيد إحياءه ضمن سياقات معرفية معاصرة.
وأضاف الدكتور الحياري إن الذكاء الاصطناعي أصبح مجالًا واسعًا ومهمًا للباحثين، باعتباره ضرورة في تطوير أدوات حفظ التراث وتوثيقه، وتوسيع آفاق الذاكرة الثقافية من شكلها الورقي إلى حضور رقمي دائم ومتاح عبر الأجيال، بأعلى درجات الدقة والموثوقية.
وقال الأستاذ الدكتور نذير عبيدات رئيس الجامعة الأردنية أنه في عصرِنا الرّقميّ السّريع، أصبحت إدارة المستندات الإلكترونيّة، والأرشفة الإلكترونيّة وغير الإلكترونية، ضرورةً لتعزيز كفاءة سير العمل، وضمان أمن البيانات، والامتثال للمعايير العالميّة، وأضاف هذا ما يدفع قَادةَ الصّناعة، وخبراءَ التكنولوجيا، ومحترفي الأعمال، إلى البحث الدائم عن أحدثِ التطوّرات في أنظمة إدارة المستندات وأنظمة الأرشفة الإلكترونيّة.
ودعا المختصينَ في مجال الوثائق والمخطوطات إلى التزود بشكل مستمرّ بالمعرفة، والاستراتيجيات، والأدوات اللّازمة للانتقال من الأنظمة الورقيّة التقليدية إلى حلول رقمية آمنة، مؤتْمتةٍ، وفاعلة، كما ينبغي التعرّف على التحديات الرئيسة، والأطر التنظيمية، والتقنيات الناشئة في إدارة دورة حياة الوثائق والأرشفة الإلكترونية.
مؤكدا أن حضارةَ الأمم، ومستوى مدنيّتها، يتناسبان طرديًّا مع قدرتِها على حفظِ الموروث الإنسانيّ، ومعرفتها بوجوهِ الإبداعِ لَدى من سبقوها، فاستعمالُ التقنيات الحديثة في التوثيقِ والأرشفة، لا يضمن الحفاظَ على هذا الإرث فقط، بل يتيح الوصولَ السلسَ إلى المعلوماتِ واسترجاعَها بمرونةٍ وكفاءة.
وقال الدكتور عبيدات إنه ينبغي على المعنيين في جامعتنا أن يدركوا أهمية التعرّف إلى التقنيات الناشئة التي تعزّز أمان المستندات الرقمية، وتُسهم في استرجاعها وتخزينها على المدى الطويل، ضمن نظامِ أرشفةٍ إلكترونيةٍ متكامل، كما دعا إلى وضع سياسات واضحة تتماشى مع المتطلبات التنظيمية والفنية في هذا المجال الحيوي.
ومن جانبه، أكد الأستاذ الدكتور نايف حداد، عميد كلية الملكة رانيا للسياحة والتراث في الجامعة الهاشمية، أهمية الورشة بوصفها منصة علمية تفاعلية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتُعزز تبادل الخبرات في حقل تتقاطع فيه المعرفة التاريخية مع التقنية الحديثة.
وقدمت الدكتورة ندى الروابدة مديرة مركز الوثائق والمخطوطات ودراسات بلاد الشام في الجامعة الأردنية، عرضاً عن جهود المركز في جمع الوثائق والمخطوطات وسجلات المحاكم الشرعية والأوقاف والصحف والمذكرات والخرائط والرحلات والروايات والصور، مؤكدة أن المركز أصبح منارة بحثية متميزة تحتضن الباحثين وتوفر المناخ العلمي الرصين لحماية ذاكرة الأمة.
وتضمنت الورشة جلستين علميتين، تناولت الأولى تجارب توثيق النقوش في البادية الأردنية للدكتور مايكل ماكدونالد من جامعة أكسفورد، ثم قدّم الدكتور علي المناصير من الجامعة الهاشمية محاضرة حول "التراث الكتابي في الأردن وآفاق الرقمنة"، أما الجلسة الثانية، فقد شهدت عدة محاضرات حيث قدّم الأستاذ الدكتور أحمد الجلاد من جامعة ولاية أوهايو (الولايات المتحدة الأمريكية) محاضرة حول "علم النقوش، الآثار الاصطناعية، والذكاء الاصطناعي"، تبعه الأستاذ الدكتور سلطان المعاني من الجامعة الهاشمية بورقة بحثية تناولت "أدب النقوش في الماضي والحاضر في ضوء الذكاء الاصطناعي"، كما تحدّث الدكتور أحمد لاش من دائرة الآثار العامة عن جهود توثيق النقوش في وادي رم وأهمية رقمنتها في ظل التغيرات المناخية والتحديات البيئية.
كما قدّم الأستاذ الدكتور فراس السليحات من كلية طب الأسنان في الجامعة الأردنية، محاضرة علمية حول دور الأسنان في علم الآثار، مستعرضاً كيف تسهم البيانات البيولوجية والذكاء الاصطناعي في كشف جوانب غير مألوفة من حياة الإنسان القديم.
واختتمت الورشة أعمالها بجلسة نقاش مفتوح تناولت أبرز المحاور والتوصيات، وركّزت على ضرورة إنشاء قاعدة بيانات وطنية رقمية موحدة للنقوش والوثائق، وتوسيع التعاون الدولي في هذا المجال، إضافة إلى ضرورة دمج مساقات التوثيق الرقمي ضمن البرامج الأكاديمية في السياحة والآثار. كما نظّمت الجهات المنسقة جولة علمية للمشاركين إلى متحف الآثار في الجامعة الأردنية، تعرّفوا خلالها على مقتنيات المتحف وبرامجه التعليمية والتوعوية.