نعود مرة اخرى الى موضوع "تصدير" الكفاءات لاهميته الاستراتيجية و الوطنية. فنحن لا زلنا نتغنى بتصدير الكفاءات الى شتى بقاع العالم في المجالس و في الاعلام، لا بل و نعمل رسميا على تشجيع ذلك. تصدير المنتجات و الخدمات امر مربح في معظم الاحوال، فهل ينطبق ذلك على هجرة الكفاءات؟ معروف للجميع ان عوائد هجرة العقول الانية جيدة من حيث التحويلات المالية، و بالعملات الصعبة، و لكن اثارها المتوسطة و طويلة الامد خسارة مركبة.
من المحسوم ان تحويلات المغتربين تشكل دعامة كبيرة لقطاع واسع من العائلات الاردنية لولاها لكانت حياة الكثيرين صعبة للغاية ان لم تكن مستحيلة. و لكن السؤال الرئيسي هنا هو كيف تمت دراسة هذه الظاهره حكوميا و الانتباه الى تداعياتها الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية؟
هذا النزيف الاقتصادي و الاجتماعي الهائل هو مسؤولية كبرى يجب التوقف عندها بصدق و حزم، و تستحق ان تكون من الاولويات الوطنية. عطاء شبابنا الحقيقي هو القيمة المضافة التي يقدمونها خارج الوطن و هذا اغلى و ارقى بكثير من تحويلاتهم المادية للاردن. فالخسارة مركبة، نخسر انتاجيتهم في بلدهم، و كذلك انتاجية من بقي من الشباب فهم ايضا يحلمون بالمغادرة. و عندما نهلل لمن يهاجر و نبالغ في تشجيعهم على العمل في الخارج فاننا بلا شك نبدد معنوياتهم بالتخلي الحقيقي عنهم. هذه الحالة غير مستدامة و لقد تم التغاضي عنها و انكارها كمشكلة لوقت طويل. هل من الممكن ان نبني استراتيجية وطنية محورها تربية و تأهيل و تعليم الشباب ثم تصديرهم؟ سواء بشكل دائم او مؤقت؟ نكرر طوال الوقت بان اقتصاد اليوم مؤسس على الموارد البشرية و الاقتصاد الرقمي. فهل يتناغم ذلك مع تشجيعنا للشباب على الرحيل؟
لو حسبنا الفرص الضائعة لهذه الظاهرة لوجدناها هائلة. ماذا لو استطاعت حكوماتنا ان تخلق البئية الداعمة للابتكار و الانتاج و هيأت الظروف المواتية لريادة الاعمال؟ ماذا لو جعلت نصب اعينها استغلال طاقات الشباب داخل الوطن؟ ماذا لو عملت بالفعل على تشجيع اقتصاد المعرفة بافاقه المفتوحة و بفضائه الواسع اقليميا و عالميا؟ هل يمكن لنا ان نفكر جديا بذلك كاردنيين بدلا من ان نحلم بالهجرة؟ ماذا لو؟