
فيما تطالب المنظمة اليهودية العالمية، والجاليات اليهودية في دول أوروبا، باستعادة أملاك اليهود التي يدّعون سلبها إبان فترة الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية، وكذلك مطالبة العديد من دول الشرق الأوسط، بتعويضات خيالية، لليهود الذين هاجروا منها عند قيام الكيان الغاصب، تواصل سلطات الاحتلال، بكل ما أوتيت من صلف وعنصرية، تهجير المقدسيين من منازلهم، في جريمة جديدة، تُضاف إلى سجلّها الأسود، والحافل بالجرائم والممارسات غير الأخلاقية واللا إنسانية.
وتدّعي سلطات الاحتلال زوراً، أن الأراضي التي تقام عليها منازل المقدسيين في أحياء الشيخ جراح وسلوان وغيرها، تعود ملكيتها إلى يهود ما قبل العام 1948، وإن كانت تعلم علم اليقين، أن هذه المنازل الراسخة كالجبال الشمّ في قلب القدس، هي حق خالص لأهل بيت المقدس، وأنها تحاول ابتلاعها لصالح جمعيات يمينية استيطانية.
دولة الاحتلال بهذا الإجراء المخالف لكل الأعراف والقوانين الدولية، إنما تكشف مجدداً عن قسمات وجهها العنصري، وفي الوقت ذاته، تميط اللثام عن سياستها التقليدية، القائمة على ازدواجية المعايير، فتطالب باستعادة أملاك اليهود المزعومة، بينما تحظر على الفلسطيني حتى مجرد التفكير باستعادة أي شبر من أرضه.
وبينما تتباكى دولة الاحتلال، مطالبة بتعويضات لليهود الذين تركوا دولهم وهاجروا إلى الكيان المحتل، تجسيداً لفكرة «هرتسل» الصهيونية، وتمهيداً لإقامة وطن لهم على أرض فلسطين، لا زالت حقوق الفلسطينيين التي احتلت أرضهم، مسلوبة، ولا زال عشرات آلاف الفلسطينيين الذين هُجروا قسراً من ديارهم إبان نكبة العام 1948 يكابدون عناء اللجوء في أرجاء العالم، رغم امتلاكهم إثباتات الملكية الدامغة لأرضهم ومنازلهم، ناهيك عن المجازر الوحشية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد المواطنين العُزّل، على امتداد الأرض الفلسطينية.
ولا يمكن بحال، المقارنة بين ما ارتكبته دولة الاحتلال من مجازر بحق الفلسطينيين لدى اقتلاعهم من أرضهم العام 1948، وما تطالب به من تعويضات لمواطنين يهود عاشوا في بضع دول، وسلبت النازية بعض ممتلكاتهم!.
فالشعب الفلسطيني، تعرض لمجازر ومذابح، يندى لها جبين الإنسانية، واقتلع من وطنه عنوة وبقوة السلاح، وما زالت دولة الاحتلال تجثم على صدره منذ عقود، وتمارس بحقه أبشع الممارسات العنصرية والقمعية والتطهير العرقي.
وفي حين تُقر المنظمات الدولية بأن القدس، منطقة محتلة بشكل غير شرعي، وتعتبرها جزءا لا يتجزّأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، وتحظر على قوة الاحتلال ترحيل أهلها، أو إحلال مستوطنين يتبعون لها مكانهم، يواصل المقدسيون نضالهم وتمسكهم بحقهم، فلا غطرسة الاحتلال ولا كل محاولاته البائسة، يمكن أن تُنشىء لهم حقا في أرضهم.
وفي المحصلة، فإن أي استيلاء على منزل هنا، أو قطعة أرض هناك، هو إجراء باطل، ولن يُعمّر طويلاً، فالحق لا بد وأن يرجع لأصحابه، ومن تجارب التاريخ، يقرأ الفلسطينيون غدهم المشرق، فالحق لا يموت طال الزمان أو قصر، و»ما ضاع حق وراءه مُطالب».