لقد استبشرنا خيراَ عندما أخذ المشرع الأردني في قانون الانتخاب النافذ حالياً بنظام النسبية وتخلى عن نظام الأغلبية الجائر، فالنظام التمثيل النسبي يحقق عدة مزايا أولها أنه يحقق عدالة حسابية في توزيع المقاعد بين القوائم، بحيث تحصل كل قائمة على عدد من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي حصلت عليها، وثانيها أنه يقضي على قاعدة تكبير نجاح الأغلبية وتكبير فشل الأقلية، وثالثها أنه لا يهدر أصوات الناخبين، ولا يلزمهم بالتصويت في اتجاه معين حتى لا تضيع أصواتهم هباء منثورا .
ولا يحقق نظام العتبة او نسبة الحسم (ان تم الأخذ به في مقترحات اللجنة الملكية و تبناه المشرع لاحقا) مزايا نظام التمثيل النسبي، وذلك لسبب بسيط هو أن نظام العتبة ليس نظام تمثيل نسبي خالص، وإنما هو نظام مختلط سوف يحقق نتائج شبيهة بنتائج نظام الانتخاب بالأغلبية وربما نتائج أشد.
فقاعدة نسبة الحسم أو العتبة ( الثلاثة في المائة أو اقل او اكثر) قاعدة قاسية تهدف إلى إقصاء الأحزاب الصغيرة بلا رحمة، ومن ثم تتعارض مع نظام التمثيل النسبي بل وتحطمه، لأنها تهدر الأصوات التي ينالها الحزب ما لم تصل إلى نسبة الحسم المقررة قانوناً في حين أن الأصل طبقا لنظام التمثيل النسبي أن الحزب الذي يحصل على 2% من الأصوات يحصل على 2% من المقاعد وهكذا .
وقاعدة أيلولة الأصوات الباقية- التي تترافق بالضرورة مع الأخذ بفكرة العتبة- وما يقابلها من مقاعد باقية إلى الحزب الحاصل على الأغلبية النسبية تهدر هي الأخرى أساس التمثيل النسبي، لأن الأصل طبقاً لهذا النظام أن توزع المقاعد الباقية على أساس أكبر البواقي، لا أن تعطى إلى الحزب الحاصل على الأغلبية النسبية.
واحتواء القانون على هذه القاعدة- العتبة- الغربية على التمثيل النسبي، يفيد بالضرورة أن المشرع قد تبنى مبدأين آخرين وغريبين أيضاً عن نظام التمثيل النسبي، وهما تصويت الناخب القابل للتحويل جبرا عنه، ومبدأ تكبير نجاح الأغلبية وتكبير فشل الأقلية بما يترتب على هذين المبدأين من نتائج وكما يلي :
اولاً: التصويت القابل للتحويل جبراً عن الناخب: ذلك أن النص على قاعدة العتبة ( بأي نسبة كانت) وأيلولة أصوات الأحزاب التي تقل عن النسبة المحددة من قبل المشرع إلى حزب الأغلبية، ثم النص على قاعدة أيلولة المقاعد الباقية إلى حزب الأغلبية أيضاً، معناه أن المشرع قد أخذ بقاعدة التصويت القابل للتحويل دون إرادة الناخب. وهو ما يوصم القانون بعدم الديمقراطية.
ثانياً: تكبير نجاح الأغلبية وتكبير فشل الأقلية: كما تؤدي قاعدة حصول حزب الأقلية على أصوات الأحزاب التي لم تصل إلى نسبة الحسم مع قاعدة حصول حزب الأغلبية على المقاعد الباقية، تؤدي إلى نتيجة هامة وهي تكبير نجاح الأغلبية وتكبير فشل الأقلية، بمعنى أن الحزب الحاصل على الأغلبية النسبية يحصل على مقاعد تفوق بكثير نسبة الأصوات التي حصل عليها، وبعبارة أخرى أن الحزب الحاصل على الأغلبية النسبية من الأصوات حتى ولو كانت أقل بكثير من الأغلبية المطلقة سيجد نفسه حاصلا على أغلبية الثلثين من المقاعد البرلمانية وربما أكثر من ذلك، وبذلك يحقق النظام نتائج أشد مما يحققه نظام الانتخاب بالأغلبية المطلقة. لأن حزب الأغلبية يمكن أن يحصل على 90% من المقاعد إذا حصل على 40% من الأصوات وهي نتيجة ما كان من الممكن له تحقيقها في ظل نظام الأغلبية المطلقة إلا إذا حصل على أكثر من 50% من الأصوات وهذا المبدأ لا يتوافق مع أبسط أسس الديمقراطية لأنه يؤدي الى ما يلي :
1. استبعاد الأحزاب الصغيرة: ان قاعدة نسبة الحسم قاسية كما سبق القول، من شأنها استبعاد الأحزاب الصغيرة بلا رحمة، بل وربما أدت إلى اختفائها من المسرح السياسي، خاصة وأنها أحزاب وليدة وأعضاؤها قليلون ولم تستكمل تشكيلها بعد في مختلف محافظات المملكة . وقد يقال أن هذه نتيجة سارة لأن الأحزاب الصغيرة غير فاعلة ومن الأفضل أن نصل إلى نظام الحزبين. غير أن هذا الرأي ليس صحيحاً في ظل تعدد الأحزاب القائم في الاردن، لأن الأحزاب القائمة ليست متساوية في القوة وإنما يوجد حزب واحد قوي وأحزاب أخرى ضعيفة، الأمر الذي يستحيل معه أن يتحول نظام تعدد الأحزاب إلى نظام الحزبين. النتيجة الوحيدة المرتقبة لهذا التنظيم الانتخابي هو قيام نظام الحزب المسيطر بل نظام الحزب شديد السيطرة.
2. قيام نظام الحزب شديد السيطرة: طالما أنه لا يوجد تناسب في القوة بين الأحزاب المتنافسة فان النتيجة النهائية لذلك هي فوز الحزب القوي بالمقاعد البرلمانية وربما لا يقتصر نجاحه على الفصل التشريعي القادم بل يمتد إلى ما يليه من فصول تشريعيه، لأن من المستبعد أن تقوى الأحزاب الصغيرة في فترة قصيرة. ومن هنا ستعيش البلاد نظام الحزب شديد السيطرة الذي يسود دول العالم الثالث ذات التعدد الحزبي و الامثلة على ذلك كثيرة كتجربة الحزب الوطني في مصر و الأحزاب العلمانية في تركيا قديما و الأحزاب الدينية حاليا .
ونعتقد أنه من الأفضل للأحزاب الصغيرة التي لا يحتمل أن تحصل على نسبة الحسم أن تندمج في أحزاب أخرى تتفق معها في ذات الاتجاه السياسي. ولا ضير في ذلك لأنه ليس من اللازم أن تكون الأحزاب أحادية الاتجاه وإنما من الممكن أن تضم الاحزاب بين جنباتها اتجاهات متعددة بمعنى أنه يمكن ان يضم حزب ليبرالي يميني يمين اليمين ويسار اليمين ووسط اليمين، ويضم حزب يساري يمين اليسار ويسار اليسار ووسط اليسار، ويضم حزب الوسط يمين الوسط ويسار الوسط ووسط الوسط وهكذا.
وفي الختام، اتنمى على اللجنة الملكية الموقرة التريث في الاخذ بمبدأ العتبة او نسبة الحسم، فهذا الموضوع سابق لأوانه، ويمكن الاخذ به عندما يشتد عضد الأحزاب السياسية وهذا يتطلب بالضرورة تهيئة البينية التحتية الحاضنة للعمل الحزبي، إضافة الى ان الاخذ بهذا الامر في كافة دول العام يتم على أساس ان الانتخابات تكون على اساس قوائم حزبية فقط و لا توجد قوائم افرار او انتخاب فردي.
وبكل الاحول، لا يمكن قياس التجربة الحزبية الأردنية على التجارب الحزبية في دول المغرب العربي فهي احزاب قديمة وساهمت في تحرير بلادهم من المستعمر الفرنسي والانتخابات النيابية لديهم تتم على أساس قوائم حزبية خالصة ولا يوجد لديهم نظام الانتخاب الفردي.