
معالي الأمينِ العامّ لجامعةِ الدُّوَلِ العربيةْ الأستاذ أحمد أبو الغَيط المحترَمْ أصحابَ المعالي والسعادةْ، السيداتُ والسادةُ الحضورْ مَعْ حِفظِ الألقابِ والمقاماتْ اِسمحوا لِيَ أنْ أُحيِّيَكُمْ بِاسمِيَ وبِاسمِ مجموعةِ السلامِ العربِيّْ، وأنقُلَ لكُمْ تمنياتِهِم بِنجاحِ أعمالِ هذا المؤتمرِ المُهمِّ الذي ينعقدُ في هذهِ الظروفِ الحَرِجةِ التي تمرُّ بها أمتُّنا العربيةْ، وخصوصًا بعدَ سلسلةِ الانتهاكات "الإسرائيليةِ" بحقِّ الشعبِ العربيِّ الفَلسطينيّْ، وآخِرُها ما حصلَ من جرائِمَ في جنينَ والقدسِ، والانتهاكاتُ السافرةُ والصارخةُ لأبسطِ الحقوقِ الإنسانيةْ. اسمحوا لي وبهذِهِ المناسبةِ أوَدُّ الإشارةَ إلى كارثةِ الزِّلزالِ الذي ضربَ سوريا الشقيقةْ، وأودى بحياةِ أكثرَ مِنْ خمسةِ آلافِ قتيلْ، وأكثرَ مِنْ ذلكَ مِنَ الجرحى، فَضلاً عَنِ الدمارِ الكبير في أربعِ مُحافَظاتٍ سوريَّةْ، الأمرُ الذي يستوجبُ منّا جميعًا تقديمَ الإغاثةِ الضروريةِ العاجلةِ لتمكينِ سورية، أحدِ الأعضاءِ السبعةِ المؤسسين لبيتِ العربْ، مِنْ تَجاوُزِ مِحنتِها الحاليةِ التي بدأَتْ منذُ ما يزيدُ على اثنَيْ عَشَرَ عامًا. أيُّها الحضورُ الكريمْ مُنذُ عقودٍ، والرؤيةُ "الإسرائيليةُ" تسعى إلى تزويرِ التاريخْ، ولا سيّما بشأنِ القدسِ المُحتلّةْ، حيثُ أَحكَمَتْ "إسرائيلُ" سيطرتَها عليها بعدَ عُدوانِ الخامسِ مِنْ حَزيران/ يونيو 1967، وقامَتْ بِضمِّها إليها بَعدَ احتلالِها بقرارٍ مِنَ الكنيست في عامِ 1980، خِلافًا لِقواعدِ القانونِ الدَّولِيِّ ولِقراراتِ مَجلسِ الأمنِ الدَّولِيِّ وميثاقِ الأممِ المتحدة. وتستمرُّ الحَفْرِيّاتُ "الإسرائيليةُ" فيِ مدينةِ القدسِ القديمةِ وأسوارِها، وذلكَ لإثباتِ "تاريخيَّتِها اليهوديةِ" دونَ جدوى، وفي استفزازٍ لا نظيرَ له للرأيِ العامِّ الدَّولِيِّ في كُلِّ مكان. في 15 نيسان/ أبريل 2021 اتّخذتْ منظمةُ الأممِ المتحدةِ للتربيةِ والعلمِ والثقافةِ (اليونيسكو) قرارًا بالإجماعِ بتسميةِ المسجدِ الأقصى المبارَك/ الحرمَ القُدسِيَّ الشريفَ كمترادِفَينِ لمعنىً واحدْ، وقد أعادَ هذا القرارُ التاريخيُّ الأمميُّ موقفَ المجتمعِ الدَّولِيِّ مِنْ محاولاتِ تغييرِ طابَعِ المدينةِ المقدَّسْ، ووضعِها القانونيّْ، وبناءاً على هذا القرارْ، تعتبر جميعَ الإجراءاتِ التي اتخذَتْها "إسرائيلُ" لاغية وباطِلةْ، وطالبَ القرارُ اسرائيل بالتوقّفِ عَنِ انتهاكاتِها وإجراءاتِها الأُحادِيَّةْ. جديرٌ بِالذِّكرِ أنَّ اليونيسكو سبقَ لها أنِ اتَّخذَتْ تسعةَ عَشَرَ قرارًا استهدفَتْ منع تغييرَ معالِمِ مدينةِ القدسِ، والتصرُّفَ بتُراثِها الذي هو تُراثٌ يخصُّ البشريةَ جَمعاءْ. ومِنْ أهمِّ هذهِ القراراتْ، القرارُ التاريخيُّ ذو الرقمِ 2234، والصادرُ في عامِ 2016، والذي أدرجَتْ فيهِ خمسةً وخمسينَ موقعًا أثريًّا على قائمةِ المواقِعِ المُعَرَّضَةِ للخطرْ، ومنها البلدةُ القديمةُ للقُدسْ، وأسوارُها. وكانَتْ لجنةُ التراثِ العالميِّ هي الأُخرى قد أصدرَتْ عَشَرَةَ قراراتٍ خاصةٍ بالقُدسِ عبّرتْ فيها عن موقِفِها المُعارِضِ لممارَساتِ السُّلُطاتِ "الإسرائيليةِ" بشأنِ أعمالِ الحفرِ وإقامةِ الأنفاقِ والأعمالِ غيرِ القانونيةِ والمُدانةِ في القُدسِ الشرقيةْ، والتي تتعارضُ مَعَ اتفاقياتِ جنيف الأربعِ لِعامِ 1949 وقواعدِ القانونِ الدَّوليّ. وعلى الرُّغمِ مِنْ إدانةِ المُجتمعِ الدَّولِيِّ واكتشافِ زَيفِ الروايةِ "الإسرائيليةْ"، إلّا أنَّ السُّلُطاتِ "الإسرائيليةَ" مستمرّةٌ في تصعيدِ اعتداءاتِها على المسجدِ الأقصى، سواءٌ بالسماحِ للمتطرفينَ بدخولِهْ، أو تعريضِ المُصلّينَ لأعمالِ اعتداءٍ واستفزازٍ مستَمرَّين. أيتُها السيداتْ... أيُّها السادةْ إنَّ انعقادَ مؤتمَرِنا هذا الذي جاءَ تنفيذًا لقرارِ القِمَّةِ العربيةِ المنعقدةِ في الجزائرِ في الثاني من تشرينَ الثاني/ نوفمبر 2022، مناسَبةٌ مهمةٌ لمناقشةِ وَضعِ استراتيجيةٍ عربيةٍ موحَّدةْ، تأخذُ بالاعتبارِ التطوراتِ آنفةَ الذِّكرْ، مِنْ أجلِ حمايةِ القُدسِ ودَعمِ سُكّانِها للصمودْ، سواءٌ على المستوى السياسيِّ والقانونيِّ، أو على مستوى الدَّعمِ الاقتصاديِّ والماديّْ، وفي إطارِ خُطّةٍ متدرِّجةٍ لتنميةِ القدسِ وجَلبِ استثماراتٍ عربيةٍ لها لدعمِ أهلِنا وتمكينِهِم من مواجَهَةِ التحديّاتِ الصهيونيةِ الهادفةِ إلى طَمسِ مَعالِمِ المدينةِ وتغييرِ وَجْهِها العربيِّ وإجلاءِ سُكّانِها مِن المسلمينَ والمسيحيينْ، وبالتالي تفريغِها من عناصرِ قوّتِها الأساسية. ويحتاجُ ذلكَ إلى جُهدٍ عربيٍّ مُوحَّدْ، وتعاوُنٍ وتنسيقٍ بينَ الحكوماتِ العربيةِ والمنظَّماتِ العربيةِ غيرِ الحكوميةْ، وكذلك إلى تعاونٍ وتنسيقٍ في إطارِ منظمةِ التعاونِ الإسلاميِّ والاتحادِ الأفريقيِّ وغيرِهما مِنَ المُنظماتِ الإقليميةِ والدوليةْ. ويُمكِنُ جامعةَ الدولِ العربيةِ أن تلعبَ دورًا بارزًا على هذا الصعيدْ، لما تملِكُهُ مِنْ تجربةٍ وخِبرةٍ ورؤيةٍ سليمةْ، سواءٌ على المُستوى الدَّوليِّ والدبلوماسيّْ، أو في إطارِ عملٍ إعلاميٍّ واقتصاديٍّ يأخذُ مداهُ في التضامُنِ والدَّعمِ لِحمايةِ القُدسِ والحِفاظِ عليها كمدينةً مفتوحةْ، وعاصمةُ لدولةِ فلسطين. فالجُهدُ العربيُّ المشترَكُ والمُوَحَّدُ يحتاجُ إلى وَضعِ قراراتِ المُنظماتِ الدَّوليةْ، بما فيها قراراتُ مجلِسِ الأمنِ الدَّولِيِّ ومنظمةِ اليونيسكو، موضِعَ التطبيقْ، وإلى أن تأخذَ طريقَها إلى التنفيذِ العمَلِيّْ، بحيثُ تكونَ رادعًا لِعَدَمِ المساسِ بصميمِ حقوقِ المسلمينَ والمسيحيينَ الدينيةِ والتاريخيةِ والأثريةِ والثقافيةِ والرمزيةْ، وهي تمتدُّ مِنَ القُدسِ إلى الجليلِ وبيتَ لحمْ، وغيرِها مِنَ المدنِ الفلسطينية.