الدكتور سلطان عارف الشياب
هزاع المجالي وبمناسبة ذكرى استشهاده فإننا نقدم اليوم هذه الدراسة السريعة عن هذه الشخصية الاردنية المهمة في التاريخ الاردني الحديث، ويعتبر هزاع المجالي من رجال الرعيل الاول ومن الرواد الاردنيين الذين شيدوا صرح الوطن، حيث كان يحظى بكثير من المحبة بين ابناء الاردن وهو الذي شهد على مرحلة من أصعب واهم مراحل المسيرة الاردنية، بل كان علامة مميزة في التاريخ الاردني، ومن الذين اسهموا بالقول والفعل والفكر بهذا التاريخ خلال مسيرته الطويلة، وكانت له بصمات واضحة في الحكم والمعارضة، وفي كل المواقع المتقدمة التي اسندت اليه فنهض بها، وبرع بالأداء فيها بكل امانة واقتدار، وعليه فان الذاكرة الأردنية ما زالت تتحدث عن هذا الرجل الاردني الاصيل، وفي هذه الدراسة سوف نتناول الاطار العام لهذه الشخصية الاردنية الفذة.
السيرة الذاتية للمرحوم هزاع المجالي
وهو هزاع بن بركات المجالي، وكان والده الشيخ بركات المجالي شيخا مرموقا، التحق بقوات الثورة العربية الكبرى عند وصولها الى الطفيلة، وعمه هو الشيخ رفيفان المجالي الذي كان من ابرز الزعماء المحليين في الاردن، خاصة في عهد تأسيس الامارة الاردنية.
ولد المرحوم هزاع المجالي في اوائل عام 1918م في مضارب اخواله الونديين من (قبائل وعشائر البلقاء) في جهات ماعين، وقد امضى طفولته المبكرة في رعاية اخواله وتلقى تعليمه الاولي هناك ويقول بهذا الصدد، واذكر أني في الخامسة من عمري، عندما سلمني جدي الى شيخ قيل انه جاء ليعلمني القرآن وكان ذلك بداية حياتي الدراسية ويضيف لقد اغراتي الشيخ على الاجتهاد بحيث اتممت قراءة القرآن وفي العاشرة وحفظت المعلقات السبع، وقد استبدل جدي هذا الشيخ بشيخ اخر اسمه احمد حلمي السقا من غزة، فدرسني بالإضافة الى القرآن، الجغرافيا والتاريخ والانشاء ومبادىء علم الاشياء (مذكراتي ص 13) وتشير المعطيات التاريخية من خلال مذكراته بانه قضى الفترة ما بين 1918-1928 في ديرة اخواله وعاد بعدها الى موطنه في الكرك.
في حوالي 1929عاد المرحوم الى بلدة (الربة) مع والده حيث التحق في تلك السنة في مدرسة الربة الابتدائية، ودخل في الصف الأول الابتدائي، ولكنه رفع الى الصف الثاني وبعدها التحق في مدرسة الكرك الثانوية.
في 1930م التحق المرحوم هزاع بالصف الثالث الابتدائي في مدرسة الكرك الثانوية، واستمر فيها حتى الصف الثاني الثانوي حيث تخرج منها في 1936م.
في 1936م التحق الشهيد في مدرسة السلط التجهيزية وتخرج منها بشهادة الصف الرابع الثانوي (تعادل الثانوية العامة حاليا) في عام 1938م، وبعد تخرجه عمل موظفا في دائرة الاراضي والمساحة ثم في محكمة الصلح في مأدبا وعمان واستمر في العمل الرسمي حتى عام 1934م. 1943م التحق في معهد الحقوق في الجامعة السورية (دمشق) و تابع دراسته حتى حصل على الاجازة في الحقوق صيف عام ١٩٤٦م، حيث عاد الى الكرك ليمارس مهنة المحاماة ثم انتقل منها إلى عمان، وبعد ذلك بدأت سيرته الوظيفية في مجال العمل الحكومي وفي وظائف الدولة الاردنية العليا.
وظائفه القيادية
بدأ المرحوم هزاع المجالي في وظائفه القيادية في الدولة الاردنية اعتبارا من عام 1947 واستمرت حتى 1960م، وحسب ما يلي:
1.عين الشهيد في التشريفات الملكية خلال الفترة (1947-1948م).
2.عين الشهيد رئيساً لبلدية عمان خلال الفترة (1948-1950).
3.عين الشهيد هزاع المجالي وزيراً للزراعة في وزارة سمير الرفاعي خلال الفترة 4/12/1950-25-7-1951م).
4.نجح الشهيد هزاع المجالي في انتخابات مجلس النواب الثالث، وأصبح نائباً عن الكرك خلال الفترة (1/9/1951-22/6/1954).
5.خلال عضويته في مجلس النواب عين الشهيد وزيراً للداخلية في وزارة فوزي الملقي الاولى خلال الفترة (5/11/1953-2/5/1954م).
6.نجح الشهيد في انتخابات مجلس النواب الرابع واصبح نائبا عن الكرك خلال الفترة 17/10/1954-26/6/1956م).
7.خلال عضويته الثانية في مجلس النواب عين المرحوم وزيرا للعدلية وقائما بأعمال قاضي القضاة في وزارة توفيق ابو الهدى (12) خلال المدة 24/10/1954-17/5/1955) حيث استقال من تلك الوزارة احتجاجاً على تصرفات الحكومة.
8.اعيد تعيين الشهيد وزيراً للداخلية في وزارة سعيد المفتي الثالثة خلال الفترة (30/5/1955-14/12/1955م).
9.بعد ذلك شكل المرحوم هزاع المجالي حكومته الاولى - والتي لم تدم سوى (ستة ايام) وخلال الفترة 15/12/1955-20/12/1955م)، وكان الهدف هذه الحكومة ان تستمر في التفاوض مع بريطانيا، وان تعرض نتائج المفاوضات على مجلس الامة لكي يقبلها او يرفضها، ولكن مظاهرات صاخبة قامت في جميع انحاء البلاد ضد فكرة دخول الاردن في ميثاق بغداد، فعمد رئيس الوزراء الى تقديم استقالته في يوم 20كانون الاول 1955م وهي اقصر الوزارات عمرا، وبعدها عاد الشهيد الى ممارسة عمله كنائب في مجلس النواب الاردني حتى تم حل المجلس، وخلال الفترة (1956-1958) اعتزل الشهيد المجالي العمل السياسي حيث اسس جريدة صوت الاردن الاسبوعية مع امين ابو الشعر، واصبح رئيس مجلس الاعمار، ولم يشترك في الانتخابات التي جرت في صيف 1956م لانتخاب اعضاء مجلس النواب الخامس، وفي مذكراته تحدث عن تلك الفترة المضطربة التي وقع فيها العدوان الثلاثي على مصر، وانهاء المعاهدة الاردنية البريطانية والتوقيع على اتفاقية المعونة العربية.
10.عين الشهيد وزيراً للبلاط الملكي في 2/8/1958م وقد تم اختياره لهذا المنصب كعنصر من عناصر الاعتدال والاستقرار في الاردن
11.تألفت حكومة المرحوم هزاع المجالي الثانية في 5/6/1956م وتقدمت ببيانها الوزاري في 3/6/1956م واتخذت سياسة تستهدف تحقيق رسالة المغفور له الملك الحسين في كتاب التكليف والتي تتضمن الاستقرار والطمأنينة للاردن وخدمة الامة وتوفير الخير لها ببذل الجهد في سبيل البناء في شتى الميادين ودعم كيان الوطن وتأمين العدالة الاجتماعية والمساواة الكاملة بين المواطنين، وقد استمرت هذه الحكومة حتى 28/8/1960م حيث انتهت هذه الحكومة نهاية مأساوية، ومن خلال تفجير مبنى رئاسة الحكومة كان من نتيجته استشهاد المرحوم هزاع المجالي مع عدد من كبار الموظفين وبعض المواطنين.
مواقفه الشخصية والوطنية
كانت للمرحوم المجالي العديد من المواقف الشخصية والسياسية والوطنية، وقد سجل العديد من تلك المواقف في مذكراته، وفي هذا الصدد لا بد من القول ان الشهيد رجل دولة من الطراز الاول، فعلى المستوى الشخصي كان رجلا واثقاً بنفسه، طموحا، يمتاز بصراحة متناهية، فيقول للمخطئ انه مخطئ، دون تردد او مواربة، وكان محبا للأنصاف ويملك شعورا قويا بروح العدالة، وقد وصفه السفير البريطاني جونستون بأنه كان انسانا لطيف المعشر لين الجانب ميالا للتساهل وقد استطاع أن يشيع في البلاد جوا من الشعور بالاطمئنان بعد بضع سنوات من التوتر، وكانت ثقته المفرطة بالناس، وكانت ثقته كانت تنبع من شجاعته الشخصية ومن طيبة قلبه، ومن اهم المواقف الوطنية التي سجلها المرحوم في عمله الوظيفي هي:
1.الحريات العامة كان الشهيد يؤمن إيماناً مطلقاً بالحريات الشخصية والعامة في مجال العمل السياسي وكثيرا ما كان له العديد من تلك المواقف، فكثيرا ما عمد الى اطلاق سراح المعتقلين، وكان يقول للمسؤولين عن الامن لا تضايقوا الناس دعوهم يتمتعون بحريتهم، وهناك الكثير من الاحداث حول حبه للحريات العامة، وخير دليل على ذلك البيان الوزاري الذي تقدم به لنيل الثقة لحكومته الثانية. والذي جاء فيه عن صيانة الحريات العامة ولكنه لا يرضى ان تكون حريات هدامة فوضوية جاهلة، وقد عملت حكومته على الافراج عن عدد كبير من المعتقلين، كما عملت على اعادة كثيرين ممن كانوا فصلوا سابقا من اعمالهم وعملت الحكومة على بث الشعور بالهدوء والاستقرار.
2.الجدية والاتقان في العمل العام كانت تجربة هزاع المجالي في رئاسة بلدية عمان تجربة ناجحة بكل معايير الكلمة، فقد برهن على مقدرته في التعامل مع الناس بدأ عمله بفتح الابواب للجميع، واخذ يعمل على حل المشاكل التي تعترضه باسلوب زعيم الجماعة، وبرهن في اثناء ذلك انه الرجل الفعال صاحب المبادرات والذي يقبل على العمل بهمة لا تعرف الكلل.
3.محاربة الفساد يروي الشهيد هزاع المجالي في مذكراته عن هذا الموضوع واثناء عمله في دائرة الاراضي والمساحة بقوله: ولم البث طويلا حتى اصطدمت مع مدير الفرقة (فرقة المساحة)، السيد عبد الرحمن عزيز، اذ كانت يده غير نظيفة، وكان أبعد ما يكون عن الاستقامة والامانة وكانت اوامره المتناقضة الناشئة عن صفاته تلك، هي السبب في خلافي معه، واستقلت من عملي بلا تردد.
4.وفي المجال السياسي: كانت مواقفه السياسية تستند الى وطنيته وكان همه الأول هو وطنه الأردن، وكانت كافة مواقفه في المجال السياسي بما في ذلك موقفه من ميثاق حلف بغداد مبني على مصلحة الأردن، ودعم الموقف العربي في الصراع العربي الاسرائيلي ونجد الكثير من مواقفه الواضحة في مذكراته على اننا لا نستطيع في هذه العجالة تسجيل عشرات وربما مئات المواقف السياسية الوطنية التي عبر فيها هذا الرجل عن وطنيته وعروبته رحم الله هزاع المجالي واسكنه فسيح جنانه.