حسين الرواشدة
المرحلة خطيرة ، والمتربصون كثيرون ، ولا خيار أمام الأردنيين إلا الدفاع عن بلدهم ، شتان بين من يقف مع الدولة ، ويدعم خياراتها وصمودها، لكي تتصدى لأعدائنا على كافة الجبهات ، وتساند اهلنا في فلسطين ، وبين من يتقمص عباءة المقاومة ، ويستخدم الأردن دروعا بشرية ، ويفجر الأزمات داخله ، شتان بين من يرى الأردن قضيته الأولى ومرجعيته الأخيرة ، ويدفع نحو خطاب عقلاني يحافظ على مصالحنا العليا ، ويجنبنا الوقوع في فخ الحرب التي لا نريدها ، ولسنا طرفا فيها ، وبين من يحرض على اقتحام السفارات ، وفتح الحدود ، ويشكك بمواقف الدولة ، ويحاول أن يستنسخ تجارب الآخرين الذين تسببوا لأوطانهم بالفوضى والخراب.
منذ أن بدأت الحرب على غزة، قبل نحو عام ، دعوت عبر عشرات المقالات إلى عقلنة الخطاب العام ، وضرورة الالتفات للداخل الأردني ، قلت : لدينا أولويات وقضايا لابد من الانتباه إليها ، والتعامل معها بجدية واهتمام ، لا يجوز أن نستغرق في حالة الحرب على حساب مصالح بلدنا ، الأردن القوي يستطيع أن يساعد نفسه وأشقاءه والعكس صحيح تماما ، قلت أيضا : الدولة الأردنية تتصرف ،أو هكذا يجب ، بمنطق الدولة لا بعقلية التنظيم ، ولا بردود الأفعال، ولا بحسابات الذين استفردوا بالشارع ويحاولون اختطاف المجتمع ، واجب الأردنيين أن يفهموا معادلة بلدهم في خياراتها وإمكانياتها، وأن لا يتركوا للبعض أن يجرّونا إلى مغامراتهم ، أو يقذفونا بحجارتهم الملطخة بالسواد.
كنت أدرك ،تماما ، إنني سأصدم بكتلة ثقيلة ، تحركها أوامر صالونات ، في الداخل والخارج، اقل ما حاولت أن تفعله هو " شيطنة" كل من يدافع عن الدولة الأردنية ، اعرفهم تماما ، وتصديت لبعضهم وجها لوجه، لا يستطيع أحد أن يزاود عليّ في مواقفي على امتداد أكثر من 40 سنة قضيتها في مهنة الصحافة ، دافعت فيها عن قضايا الأردنيين كلها ، وتعرضت لكل ما يخطر على البال من مضايقات، كما دافعت -وما أزال - عن قضايا الأمة ، وفي مقدمتها قضية فلسطين ، لقد خدم والدي في الجيش وخاض حرب 48 ، وعلّمنا دروس الجندية والتضحيه والشهادة، ماذا تتوقع أن يفعل اردني ، يستشعر الخطر على وطنه الذي ليس له غيره إلا أن يحمل سلاحه أو قلمه ليدافع عنه ، بكل ما أوتي من قوة وعزيمة، وقد فعل ، ولن يتوقف أبدا.
للذين يقولون ، ساخرين ومسيئين أيضا : وفّروا أقلامكم لمهاجمة الصهاينة (!)، أقول : وفّروا حناجركم وانفعالاتكم وهتافاتكم التي تقصفون بها الدولة ، وتزاودون فيها على مؤسساتنا ، وتجرحون فيها رموزنا الوطنية، وفّروا راياتكم ومحاولاتكم لجرّنا إلى حروبكم ، وإلحاقنا بالتنظيمات التي حولت مَن حولنا إلى دول فاشلة مدمرة ، وفّروا كل ذلك لتدافعوا عن الأردن قبل أي شيء ، هذا إذا كان الأردن في صميم مشروعكم وأولوياتكم ، نحن الأردنيين وفّرنا أرواحنا لصدّ المحتلين ، وجاهزون لمواجهة الصهاينة في أي وقت يفكرون به بالاعتداء على بلدنا ، لكننا لا نوفر لهؤلاء الصهاينة أي ذريعة أو مبرر ليروجوا أمام العالم أننا الوطن البديل.
نعم ، نريد أن تتحول البوصلة إلى مواجهة الاحتلال ، نريد أن نحافظ على وحدتنا الوطنية ، نريد أن ندعم صمود اشقائنا في فلسطين، لكن ذلك لا يتحقق إلا إذا التزم الجميع بالأردن ومصالحه وخياراته، وهذا ما يجب أن يفهمه، ويلتزم به ، من يصر على ارتكاب الأخطاء،وافتعال الأزمات ، واللعب على حبال العواطف ، ومن ما زال يقف فوق الشجرة لمقايضة الدولة ، أو كسر إرادتها.
تستكثرون علينا أن ندافع عن بلدنا ، أو أن نقول لمن أخطأ : أخطأتم ، تريدون أن نصمت ، لن نصمت ، تحاولون أن تنصبوا لنا فزاعات التخويف ، او تجردونا من عروبتنا وغيرتنا على دماء اشقائنا ، او تتهمونا بالبحث عن الغنائم ،أصارحكم : لقد أخذنا على عاتقنا العهد أن نبقى واقفين ندافع عن الأردن ، ونواجه كل من يحاول أن يخطفه إلى المجهول ، لن نكلّ أو نملّ، سنظل نكرر الاعتزاز ببلدنا ، الشعب والعرش ،التراب والجيش والمؤسسات الأردنية ، والمصالح العليا للدولة ، لن ترهبنا الأصوات العالية، ولا التهديدات من وراء الحدود ، من الكيان المحتل أو غيره ، نحن مزروعون في هذه الأرض ، وسنبقى فيها حتى الممات.