د.طلال طلب الشرفات / عضو مجلس أعيان سابق
في مقال الصديق فايز الماضي حول البادية واعتراضه على مصطلح "أن الحكومات المتعاقبة هتكت ستر البادية" لم يَدِرْ في خلد الكاتب ضرورات المجاز في المقال السياسي، والرسائل المشفَّرة التي يريد الكاتب - اي كاتب - وصولها لكل أطراف المعادلة السياسية، حكومات ومؤسسات وأحزاب ونخب ورأي عام مما يستدعي معه الآن توضيح المفهوم؛ كي لا يؤخذ القول على عواهنه، أو يُستثمر لأسباب أخرى.
نعم؛ يا صديقي لقد ذُبِحتْ البادية، وهُتِكَ سترها السياسي وجدارها الحصين الذي رافق تأسيس الدولة القائم على انحيازها الدائم لتيار الموالاة، والسَّند الذي لا يحيد عن نصرة خيارات الملك؛ حتى أثقلت عليها الحكومات بالتجاهل والإهمال والفوقية السياسية فاخترقتها المعارضة، وعبثت بها الأيديولوجيا، وأضحت حائرة خائرة مرتبكة بين الولاء الفطري، والغضب الذي تجاوز الاحتمال؛ فأطلقت رسالتها القاسية في الانتخابات النيابية الأخيرة، والقادم أعظم، وأكثر خطورة.
ما قلناه نداء قلق، ورسائل فهم غائب لم تصل بعد، وسلوك سياسي قاسٍ من أبناء البادية تجاوز حدود العتب الى مساحات الغضب؛ لأن من يعرف البادية وتاريخها يُدرك بواعث التَّحوّل الخطير في سلوك نخبها ومواطنيها، ورسائلهم القاسية في أحاديثهم البينية التي تجاوزت حدود الاحتمال، والدولة غائبة عن رصد ومعالجة كل هذه الظواهر المؤلمة في تاريخ البادية السياسي، ولعل القراءة الواهية السَّطحية لكل الحكومات التي خلفت عون الخصاونة لواقع البادية الجيوسياسي قد أسهم في التَّحول السَّلبي بقصد أو بدونه.
البادية كغيرها من حوارّي الوطن، ومدنه، وقراه شريكة أصيلة في البناء الوطني، والمعين الصادق، والفارق الأمين لحفظ هيبة الدولة، ونصرة قراراتها الحاسمة، واليوم شحَّ الزرع، وجفَّ الضَّرع، وأضحى الجوع والجهل، والخوف، والغضب تحديات جسام بات من واجب الدولة مراجعتها بأمانة، ووطنية وصدق؛ بعيداً عن ترف النقاش المهترئ والتَّوصيف الأحمق الذي عاث بالوطن ضعفاً وإهمالاً.
رغبت يا صديقي أن تكون رسائلي مشفّرة، فألزمتني بالبوح الموجع ليس من أجل البادية وحسب؛ بل للوطن المترع بالتحديات، والمخاطر، والهموم، والغارق في متاهات الفئوية، والمناطقية، والشخصنة، والمصالح الضيّقة، وقد يأتي اليوم الذي نندم فيه، وحينها لن ينفع الندم، ونبحث فيه عن إصلاح نُخبنا وحينها تكون الصورة قد شُوِّهت إلى غير رجعة، والأمل قد خاب "لا قدر الله".
حزب المحافظين سيكون شعلة الهوية الوطنية الأردنية، وبوابة التَّحديث المنضبط المنسجم مع ثوابت الوطن وقيم المجتمع الأساسية، ولا أريد الخوض في أحزاب، أو تنظيمات أخرى بما فيها الحزب الذي كنت منظّراً له، ولعل مغادرتي له بألم يكمن في مساحات الاجتهاد، وضوابط وأصول العمل التنظيمي، وإدراك "أظنهُ" حصيف لمخاطر الاستمرار في تنظيم تغيب عنه المشورة والشراكة الحقيقية التي تخدم الوطن.