القلعة نيوز:
احمد عبدالباسط الرجوب
تأثير قيادة أحمد الشرع في سوريا بعد رحيل بشار الأسد
قراءة في المستقبل وتأثيراته الإقليمية
منذ رحيل بشار الأسد عن سوريا وهروبه إلى روسيا، بدأت الأنظار تتجه إلى أوجه القيادة التي ستخلفه في المرحلة المقبلة. أحد الأسماء التي برزت في هذا السياق هو أحمد الشرع، الذي يبدو أنه يأخذ خطوةً بطيئة ولكن مدروسة نحو بناء مشروع جديد في سوريا. ولكن كيف ستكون تأثيرات قيادة أحمد الشرع على المشهد السوري بعد غياب الأسد؟ وهل سينجح في إعادة ترتيب الأوراق داخل النظام السوري ومن حوله؟ في هذه السطور، نتناول هذه الأسئلة ونحاول فهم الخريطة المستقبلية.
أحمد الشرع، الذي اختار التحرك بحذر سياسي كبير، يعرف تمامًا كيف يتعامل مع الضغوط الدولية والإقليمية. ولا شك أن السنوات التي أمضاها في مرحلة المعارضة والتي " اظهر " من خلالها مواقفه المتوازنة والمعتدلة قد منحته قاعدة شعبية داخل سوريا وخارجها. إلى جانب قدرته على الموازنة بين القوى المتنوعة في الداخل السوري، التي تشمل المجموعات العرقية والدينية المتعددة، يتمتع الشرع بقدرة على بناء جسور مع المجتمع الدولي. لكن مع ذلك، ما زالت الأسئلة حول مدى نجاحه في تغيير المعادلة القائمة في سوريا بعد رحيل الأسد قائمة؟.
أحمد الشرع: تحول شخصية جهادي إلى براغماتي مدني!!
تتمثل إحدى الظواهر المثيرة للاهتمام في الساحة السياسية السورية في تحول بعض الشخصيات البارزة من إطار الجهاد والتطرف إلى نهج براغماتي مدني، أحد أبرز هؤلاء هو أحمد الشرع. يعتبر الشرع أحد الشخصيات التي أثارت اهتمامًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد ظهوره كـ "بديل" محتمل للنظام السوري، أو على الأقل كبطل لمجموعة واسعة من السوريين الذين يئسوا من الخيارات الأخرى. ما يميز الشرع هو تحوله اللافت، إذ يمكن القول إنه "شَلَحَ وجه الجولاني" - قائد "هيئة تحرير الشام" - وغير ملامح شخصيته بشكل جذري، لينقلب من شخصية جهادية متشددة إلى شخصية براغماتية مدنية.
التحول الشخصي: من الجولاني إلى الشرع؟
أحمد الشرع كان في فترة من الفترات جزءًا من المعارضة السورية المسلحة ومرتبطًا بشكل أو بآخر مع بعض الشخصيات المتشددة مثل أبو محمد الجولاني، زعيم "هيئة تحرير الشام". ولكن في مرحلة معينة، قرر الشرع أن يعيد تشكيل نفسه، متبنيًا شخصية سياسية أكثر براغماتية.
التغيير الذي أحدثه في ملامحه الفكرية والعسكرية يشبه إلى حد كبير ما يمكن تسميته بـ "غسيل الوجه"، حيث تخلص من صورة الجهاد الثوري، التي ارتبط بها في فترات سابقة، وظهر بوجه جديد أكثر ليونة وواقعية. بعد المراجعات الشخصية والاختبارات السياسية التي مر بها، بدأ الشرع يتبنى مواقف أكثر اعتدالًا، مبرزًا نفسه كـ "الشرع المدني البراغماتيكي"، وهو المصطلح الذي يعكس تحوله الجذري من شخص يشارك في الحروب الجهادية إلى شخصية تسعى لتحقيق الاستقرار والإصلاح داخل سوريا.
هل كان التغيير حقيقيًا أم استراتيجية؟
من المهم أن نطرح تساؤلات حول مدى جدية هذا التحول. هل هو نتيجة تجربة شخصية عميقة وندم على الخيارات الماضية، أم أنه مجرد محاولة من " مشغليه " لتغيير الصورة بهدف استمالة مجموعة جديدة من السوريين أو حتى تحقيق أهداف سياسية شخصية؟ يلاحظ المراقبون أن الشرع ليس مجرد شخصية سياسية تقليدية، بل هو شخص ذو قدرة عالية على إعادة صياغة مواقفه بما يتناسب مع المتغيرات.
قد تكون المراجعة الفكرية التي قام بها الشرع جادة، وهو ما قد يظهر في تصريحاته التي تحاول الجمع بين الإصلاح والتغيير من خلال نهج مدني بعيد عن العنف. في ذات الوقت، يبقى من المهم أن نتساءل إذا كانت هذه المراجعات تأتي من شعور حقيقي بالندم والتغيير الداخلي، أم أنها مجرد تكتيك سياسي يهدف إلى تحسين صورته وجذب الدعم في مرحلة حساسة.
الرؤية البراغماتية: هل ستنجح؟
الرؤية البراغماتية التي يقدمها أحمد الشرع قد تنطوي على الكثير من الفوائد في سياق إعادة بناء سوريا أو حتى التأثير على الشأن الإقليمي. مع ذلك، تظل هناك العديد من التحديات التي قد تعيق هذا التحول. في سوريا، قد يواجه الشرع مقاومة شديدة من العديد من الفصائل المعارضة التي قد ترى في تحوله تهديدًا لنهجها أو خيانة للقضية التي كانت تسعى لتحقيقها. كما أن هناك شكوكًا كبيرة حول مدى استعداد الأطراف الدولية لتقبل شرعية شخصية مثل أحمد الشرع بعد تاريخه الطويل في صفوف المعارضة المسلحة.
خاتمة: التجربة السورية وقيادة الشرع: لا زالت في طور الحبو!!
يبقى السؤال المفتوح حول ما إذا كان أحمد الشرع قد نجح في فعلاً في تطهير نفسه من ماضيه الجهادي والتحول إلى شخص براغماتي مدني يسعى لتحقيق استقرار سياسي بعيد عن العنف. قد يكون هذا التغيير حقيقيًا، أو ربما هو تكتيك سياسي يستهدف استمالة جماعات جديدة. ولكن في كل الأحوال، يبقى الشرع واحدًا من الشخصيات التي تعكس صراع الأفكار والاتجاهات في المنطقة، مما يجعله عنصرًا مثيرًا للجدل والنقاش في المستقبل السوري، وأيضًا في السياق الإقليمي.
أخيرًا، لا يجب أن ننسى أن التجربة السورية في ظل قيادة أحمد الشرع لا تزال في مرحلة مبكرة (طور الحبو). فحتى وإن كانت هناك آمال كبيرة في أن يكون الشرع هو الرجل الذي سيقود سوريا إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والتغيير، فإن الطريق ما يزال طويلاً. لا زالت الرؤية غير واضحة بشكل كامل، وتبقى الحذر والانتظار سيد الموقف. وبذلك، يبقى التأثير المحتمل لهذه القيادة في سوريا رهناً بالعديد من العوامل المتغيرة التي يمكن أن تقلب الموازين في أي لحظة.
باحث وكاتب - الاردن