القلعة نيوز- بيروت / سارة مطر/ العربي الجديد
وسط انشغال اللبنانيين بمستجدات تشكيل الحكومة، وقعت سلسلة من جرائم القتل، ما طرح تساؤلات حول ارتفاع معدلات الجريمة بعد العدوان الإسرائيلي، في ظل استمرار تداعيات الأزمة المعيشية.
يعيش اللبنانيون صدمات متوالية مع تكرار الإعلان عن جرائم قتل متعددة منذ بداية العام الحالي. من جريمة قتل جورج روكز داخل معرضه الخاص للسيارات في شرقي العاصمة بيروت في 14 الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني)، إلى جريمة قتل فاتشه أرسلانيان في منطقة الجعيتاوي ببيروت في اليوم التالي، مروراً بجريمة تعذيب إميل حديفة حتى الموت داخل محطة محروقات يملكها في بلدة مزرعة يشوع (جبل لبنان) في 28 يناير، إلى تعرّض صاحب محل للصيرفة في منطقة الأشرفية (بيروت) لإطلاق نار أدّى إلى إصابة حرجة في نهاية الشهر نفسه.
وفي مطلع شهر فبراير/ شباط الحالي، استفاق اللبنانيون على جريمة قتل نائب مطران الأرمن الأرثوذكس، الأرشمندريت أنانيا كوجانيان، وفي اليوم التالي مقتل الشاب خليل خليل بعملية دهس متعمّد في بلدة فاريا (جبل لبنان) بسبب خلاف على أفضلية المرور. وفي الثالث من الشهر نفسه، انعقد مجلس الأمن الداخلي المركزي برئاسة وزير الداخلية والبلديات، بسام مولوي، والذي قال: "الأجهزة الأمنية تقوم بدورها، وأعطينا توجيهات لزيادة الدوريات ومنع الدراجات النارية في بيروت، وترافقت زيادة أعمال السلب والنشل مع زيادة التوقيفات، كما يقوم الجيش بواجباته لضبط الحدود". داعيا إلى "التمييز بين الجريمة الأمنية المخطط لها والجريمة الجنائية العادية التي ترتبط بأمور شخصية أو نفسية. يمكن مكافحة الجرائم عبر تكثيف الوجود الأمني، لكن جرائم مثل قتل الأرشمندريت والشاب خليل، لا يمكن استباقها، وإنما يجري توقيف الفاعل".
وأكد وزير الداخلية أن "العمل الأمني الاستباقي موجود لمنع أي خلل له طابع أمني. وخلال شهر يناير، أوقف 1920 شخصاً بمختلف الجرائم، لكننا نطالب بإعادة تفعيل مكتب الاتصال الدولي في سورية للتعامل مع المجرمين الذين يرتكبون جرماً في لبنان ويفرّون إلى هناك".
ارتفاع نسب الجريمة في لبنان ضمن الفئة العمرية بين 18 و30 سنة
في السياق، أصدر محافظ مدينة بيروت، القاضي مروان عبود، قراراً بتنظيم سير الدراجات النارية يمنع سيرها ضمن نطاق مدينة بيروت الإدارية، اعتباراً من السابعة مساء وحتى الخامسة من صباح اليوم التالي، مع بعض الاستثناءات للعاملين في قطاعات معينة، على أن يحمل السائقون بطاقات تثبت عملهم، وأن تكون الدراجة مستوفية لكل الشروط القانونية. أما غير المشمولين بالاستثناء، فعليهم التقدم بطلب خطي إلى دائرة المحافظة مرفقا بالأوراق الثبوتية القانونية مع ذكر الأسباب التي تفرض عليهم التجول ليلاً، لتحديد إمكانية إعطاء ترخيص استثنائي للسير.
وأثارت جرائم القتل المتتالية غضباً شعبياً واسعاً، وسط مطالبات بضبط الأوضاع الأمنية والحد من الفوضى والفلتان، والتشدد في تطبيق القوانين الرادعة. وتداول كثيرون صوراً ومقاطع فيديو للضحايا، مطالبين بالقصاص من المجرمين الذين ارتكبوا تلك الجرائم غير آبهين بالمحاسبة، أو لثقتهم بالغطاء السياسي أو بشيوع ثقافة الإفلات من العقاب.
وتوضح أخصائية الدعم النفسي والاجتماعي، مورغا حبوشي، لـ"العربي الجديد"، أن "نسب الجريمة لم ترتفع بشكل عام، لكنها ارتفعت ضمن الفئة العمرية بين 18 و30 سنة، ما يطرح تساؤلات بشأن الاضطرابات النفسية والضغوط التي يعاني منها الشباب منذ بدء الأزمة الاقتصادية في عام 2019، وصولاً إلى تداعيات الحرب الإسرائيلية الأخيرة، والتي فاقمت حدّة البطالة ومعدلات الكآبة".
تضيف حبوشي: "يجب التفريق بين جريمة مخطط لها عن سابق إصرار وترصّد مثل جريمة معرض السيارات، وجريمة نتجت عن ردة فعل مثل جريمة الدهس، فلكل جريمة خلفيتها. بعض الجرائم قد تكون ناجمة عن معاناة القاتل من اضطرابات نفسية بسبب الظروف المعيشية، أو بسبب تعرّضه للعنف في طفولته، أو رفقة السوء وعدم متابعة الأهل لسلوكيات الأبناء، أو ما يشاهده المراهقون من أفلام مليئة بالإجرام، وما تعرضه وسائل التواصل الاجتماعي من أساليب لتنفيذ الجرائم. كل هذا يعزّز ثقافة العنف".
وتأسف أخصائية الدعم النفسي والاجتماعي لقيام البعض بتعزيز العنف بين الأطفال والمراهقين من دون إدراك للمخاطر، ومن ذلك التحريض على الاعتداء بحجة الدفاع عن النفس أو تقوية الشخصية. وتعتبر أن "الشباب عرضة لارتكاب الجرائم أكثر من الناضجين، كونهم عاجزين عن التحكم بروح الانضباط من جراء طبيعتهم الانفعالية، إذ ينظرون إلى أقل استفزاز باعتباره يمسّ (الأنا)، وقد تكون الجرائم ناتجة عن تعاطي المخدرات أو حبوب الهلوسة المتاحة بشكل كبير، والتي يتضاعف تأثيرها مع شرب الكحول".
تتابع حبوشي: "الأجهزة الأمنية مسؤولة عن تنظيم دوريات تضبط من يقودون تحت تأثير المخدرات أو الكحول، للحد من الانفلات الأمني وحوادث السير وجرائم القتل والسرقات، كما يجب على الأهل مراقبة أولادهم، خاصة في مرحلة المراهقة، ومعرفة أصدقائهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم، لا سيما أن بعض الأطفال يشكلون ما يشبه العصابات داخل المدارس، ويتسبّبون في الأذى لرفاقهم، ما يولد في نفوسهم روح العنف والتسلط. في جريمة فاريا، كان القاتل رفقة والدته عندما قام بدهس الشاب خليل، ولم توضح التحقيقات بعد دور الأم، فربما تعرضت لحالة صدمة عند ارتكاب ابنها للجريمة الوحشية، أو أنها تمتلك في داخلها سلوكيات الشر".
بدوره، يوضح الباحث في "الدولية للمعلومات" (شركة دراسات وأبحاث مستقلة)، محمد شمس الدين، في اتصال مع "العربي الجديد"، أنه "على خلاف ما يُشاع في لبنان، فإن جرائم القتل انخفضت بشكل لافت خلال السنوات الماضية، ففي عام 2021 بلغ عدد جرائم القتل 190 جريمة، وفي عام 2022 انخفض الرقم إلى 178 جريمة، وفي عام 2023 انخفض مجدداً إلى 158 جريمة، وفي عام 2024 كان الرقم المسجل 153 جريمة".
ويشير الباحث إلى أن "عدد جرائم القتل خلال شهر يناير 2024، بلغ 15 جريمة، بينما سجلت 13 جريمة في يناير 2025. ما أثار المخاوف، أنه في غضون خمسة أيام وقعت أربع جرائم، ما روج لفكرة أن أعداد الجرائم ارتفعت، لكن الواقع ليس كذلك. كما أن كون غالبية المجرمين من فئة الشباب ليست ظاهرة غريبة أو جديدة في لبنان".
وانعكست الأحداث الأمنية الأخيرة على المواطنين والمقيمين في لبنان، إذ باتت تلاحقهم هواجس التعرّض للسرقة أو القتل. تكشف صوفي عيتاني، المقيمة في بلدة جدرا (جبل لبنان) عن مخاوفها الكبيرة من التعرض لجرائم السرقة، وتقول لـ"العربي الجديد": "لم أعد أحمل حقيبتي على كتفي، وإنما أمرّرها فوق عنقي خوفاً من السرقة. أخشى فقدان أوراقي الثبوتية، وليس فقط المال، ولا يفارقني هاجس التوقيف والتشليح على الطرقات، وأحذر ابنتي يومياً قبل ذهابها إلى العمل للالتزام بإرشادات وقائية، فالوضع الأمني متفلت، والفوضى عارمة، وقد زادت خلال وبعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة".
وتؤكد عيتاني أنه "رغم انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف رئيس الحكومة، لكننا ندرك أننا نعيش فترة صعبة تستدعي الانتباه والحذر، كوننا ما زلنا تحت وقع التهديد الإسرائيلي من جهة، وتهديدات الجرائم من جهة أخرى. ما من شعور بالأمان على الإطلاق، فمنزلنا تعرض للسرقة، كما سرقت دراجة زوجي النارية".
وقرّرت سميرة يونس، المقيمة في منطقة زقاق البلاط (وسط بيروت) أن لا تحمل إلا مبالغ مالية محدودة تكفي لشراء حاجياتها، كما لم تعد تجرؤ على إظهار النقود. تقول لـ"العربي الجديد": "نأسف لتنامي ظاهرة القتل وتكرار جرائم السرقة. أصبحنا نرى مشاهد وحشية لمجرمين يقتلون بدم بارد من دون أدنى شفقة أو رحمة".
ويؤكد إيلي الجميّل، المقيم في بلدة المنصورية (جبل لبنان)، حرصه الدائم على نفسه ومقتنياته، حتى قبل وقوع الجرائم الأخيرة. ويوضح لـ"العربي الجديد": "دائماً ما أتطلع حولي منذ مغادرة منزلي حتى الوصول إلى عملي في بيروت، إذ أراقب من حولي في كل الاتجاهات، خاصة إذا كنت أحمل الحاسوب أو أي شيء ثمين، وبمجرد صعودي إلى السيارة أقفل الأبواب كي أتفادى التعرض للسرقة أو الإيذاء. بعد توالي الحوادث الخطرة، صار لزاماً على كل شخص أن يحسب خطواته جيداً، وأن يبقى مستعداً لأي خطر مفاجئ".
المصدر العربي الجديد