
اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني الذي سيفتتح في رام الله ويستمر ليومين، كان يمكن أن يكون حدثاً مؤسسياً، فعلى جدول الأعمال انتخاب نائب لرئيس م.ت.ف محمود عباس. في الساحة السياسية الفلسطينية والعربية، وفي أوساط دوائر إسرائيلية، من يحاولون تأطير الحدث كانتخاب وريث لمحمود عباس (أبو مازن). مع ذلك، مستوى اهتمام الجمهور بهذه العملية قليل، ربما لأنه لا يوجد الكثير من الأشخاص الذين يعتبرونها خطوة مهمة على المدى البعيد.
أبو مازن المحسوب على جيل مؤسسي م.ت.ف، يرتدي ثلاث قبعات: رئيس اللجنة التنفيذية في م.ت.ف، ورئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس حركة فتح دوره يجمع قوة كبيرة ونفوذاً، والنائب الذي سينتخب قد يتسلم، على الأقل على الورق، جزءاً من صلاحيات الرئيس.
يعتبر المجلس المركزي الفلسطيني جسماً بارزاً في الهيكلية المؤسساتية للشعب الفلسطيني. يدور الحديث عن مجلس يضم 180 عضواً، وهو إطار انتخبه المجلس الوطني الفلسطيني، الذي هو تنظيم أعلى وفيه تمثيل للفصائل والمنظمات المهنية الخاضعة لـ م.ت.ف، ولا تمثيل لحماس والجهاد الإسلامي فيه. ولكن م.ت.ف ومؤسساتها، حسب الادعاءات التي سمعت، أفرغها أبو مازن ورجاله من أي نفوذ في السنوات الأخيرة، والقرارات التي اتخذت لم تنفذ؛ مثل وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وإلغاء الاتفاقات التي تم التوقيع عليها، بما في ذلك الاعتراف المتبادل بين م.ت.ف وإسرائيل.
دعي أعضاء المجلس المركزي إلى اللقاء في رام الله، لكن من غير المعروف ما ستكون درجة الاستجابة من جانب الفصائل والممثلين الذين يشكلونه، لأن من بينهم من هم في الخارج أو في قطاع غزة. وإسرائيل، بطبيعة الحال، لن تسمح بالدخول. حسب القواعد المعمول بها، يحتاج اللقاء إلى حضور ثلثي أعضاء المجلس. وثمة علامة استفهام أخرى بهذا الشأن ترتبط بقرار اللجنة المركزية لفتح، وهي التنظيم الذي يسيطر الآن في م.ت.ف وفي الضفة الغربية. أمس، اجتمعت اللجنة لمناقشة أسلوب انتخاب النائب والصلاحيات التي ستعطى له، لكن لم ينشر موقفها.
مصدر رفيع في حركة فتح تحدث مع "هآرتس وقال إن ممثلي فتح لن يمنعوا انتخاب الرئيس، لكنه أكد أن الانتخاب سيكون لمنصب نائب رئيس م.ت.ف فقط. "سيكون هذا نائباً رمزياً، ولن يدير الأمور بالفعل”، وأضاف المصدر: "ستبقى إدارة شؤون السلطة ومؤسساتها في يد الرئيس والحكومة”.
تأسست السلطة الفلسطينية من داخل م.ت.ف بعد اتفاقات أوسلو. وبضغط من إسرائيل وأمريكا، تم وضع منصب رئيس الحكومة تحت منصب رئيس السلطة. مع مرور السنين، أصبحت إدارة شؤون السلطة أمراً مركزياً لأن الميزانيات وأجهزة الأمن تدار تحت قيادته، في حين أن م.ت.ف مسؤولة عن المفاوضات السياسية، التي بالفعل لم تجر منذ 15 سنة.
هذا المصدر الرفيع لم يخف التحفظ من انتخاب نائب للرئيس، وشرح بأن قرار إجراء الانتخاب يأتي عقب ضغط عربي ودولي. ولكن حسب قوله، لا يدور الحديث عن انتخاب رئيس سيمسك بزمام الأمور بعد أبو مازن.
"حسب الحوار الدائر في الساحة السياسية الفلسطينية، سيكون المرشح لمنصب النائب هو سكرتير عام اللجنة التنفيذية في م.ت.ف، والمقرب من أبو مازن، حسين الشيخ، حتى لو كان هناك من يدعون الأحقية بهذا المنصب، من بينهم شخصيات رفيعة في فتح، مثل جبريل الرجوب، الذي يعتبر، مثل الشيخ من الجيش المتوسط في المنظمة، ومحمود العالول المنتمي إلى جيل المؤسسين.
في الوقت نفسه، يبدو أن انتخاب النائب لن يؤثر على منصب رئيس م.ت.ف، فقبل بضعة أشهر وقع أبو مازن على أمر رئاسي يفيد بأن من يتولى منصب رئيس م.ت.ف في حالة عدم الأهلية هو رئيس المجلس الوطني إلى حين إجراء انتخابات رئاسية جديدة. الآن، من يشغل هذا المنصب هو روحي فتوح، شخص رمادي جداً، ولا يمكنه قيادة عمليات.
عدم الوضوح يلف تحديد الدور الدقيق، وفي هذه المرحلة ليس معروفاً بأي مستوى سينجح النائب، إذا تم تعيينه، في جمع القوة والصلاحيات بين يديه، أم سيكون المنصب رمزياً فقط. حسب رأي عضو في المجلس المركزي لعب في السابق عدة أدوار رئيسية في السلطة وفي م.ت.ف، فإن أحد التحديات التي ستواجه أي وريث مستقبلي هو مدى الشرعية التي سيحصل عليها من الشعب الفلسطيني. وفي ظل غياب آلية انتخابات شفافة، قال للصحيفة، لا يستطيع أحد الادعاء بأنه الزعيم. "حتى ياسر عرفات، أبو الثورة الفلسطينية ومؤسسها، كان بحاجة إلى صندوق الاقتراع، ومثله أبو مازن”.
المقربون من الشيخ، وهو نفسه أيضاً، يحاولون طرح موقف يقول بأن كل من يخلف أبو مازن سيدير شؤون السلطة وم.ت.ف بشكل مؤقت إلى حين حصوله على الشرعية في صناديق الاقتراع. ولكن الخوف من جانب معارضيه هو أن ما سيبدأ كمؤقت سيصبح ثابتاً. وفوق كل ذلك، تعرف قيادة السلطة الفلسطينية أن أي تعيين وأي منصب في هذه المرحلة لا أهمية عملية له فيما يتعلق بمستقبل الفلسطينيين السياسي، وأن الأمر مجرد مسألة إدارية. نحن في عصر تدفع فيه حكومة نتنياهو وسموتريتش وبن غفير نحو الطرد من غزة وضم الضفة وتدمير السلطة، وبشكل عام تدمير أي طموح للفلسطينيين بتقرير المصير. "هذا عصر تنظر فيه الإدارة الأمريكية إلى العالم من زاوية الصفقات العقارية، والقضية الوطنية الفلسطينية تغيب عن جدول أعمالها”، لخص المصدر الرفيع أقواله. وحسب قوله، "حتى لو كانت هناك صلاحيات واسعة للمؤسسات وتغيير للكوادر، فذلك لا يشير إلى فتح أفق واعد، بل ليس في الأمر أكثر من معركة على خلافة سلطة فلسطينية تحتضر ومخدرة.