شريط الأخبار
بريطانيا وفرنسا وكندا: إجراءات ضد اسرائيل إذا لم توقف هجومها رئيس وزراء مالطا يغادر الأردن تدشين منشأة حديثة للشحن الجوي في مطار الملكة علياء الدولي واشنطن بوست: أميركا ستتخلى عن إسرائيل إن لم توقف الحرب الرواشدة عن منتدى الوسطية : مؤسسة ثقافية فكرية وطنية لها دور كبير الرواشدة : الأردن ربط بين مفهوم الثقافة والتحديث الاقتصادي والإصلاح والتنمية الثقافية مأساة أثناء التدريب.. وفاة تلميذة بعد إصابتها برمح في الرأس روسيا.. منتدى قازان الاقتصادي يحتضن أكثر من 8 آلاف شخص من 96 دولة فانس: روسيا والغرب لا يثقان ببعضهما وترامب يسعى لتجاوز الخلافات القديمة بنزيما يسخر من كسر مبابي رقمه القياسي النقد الدولي: تصاعد التوترات التجارية قد يقلص الطلب الخارجي على السلع الأوروبية بوتين يعلن تفاصيل عن مكالمته الهاتفية مع ترامب الأمتار الأخيرة.. صلاح في منافسة شرسة مع مبابي و"رونالدو الجديد" على تحقيق حلم كبير "الإدارية النيابية" توصي بتثبيت موظفي "شراء الخدمات" في الإذاعة والتلفزيون الملك ورئيس وزراء مالطا يبحثان العلاقات الثنائية والمستجدات في الإقليم محكمة أمن الدولة تصدر أحكاماً بحق المتهمين بقضية استشهاد 4 عسكريين وزارة الثقافة تعلن فعاليات برنامج الاحتفالات بعيد الاستقلال الـ 79 وزير الثقافة يلتقي الأديب والإعلامي رمضان الرواشدة رواتب متقاعدي الضمان الاجتماعي يوم الخميس القادم وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا...

المنظومة الأمنية في سوريا بين إرث النظام السابق ونموذج إدلب

المنظومة الأمنية في سوريا بين إرث النظام السابق ونموذج إدلب

القلعة نيوز - نشر "معهد ستراتيجيكس"، ورقة جديدة بعنوان (المنظومة الأمنية في سوريا بين إرث النظام السابق ونموذج إدلب)، تسلط الضوء على التحول الأمني الكبير في سوريا بعد وصول "هيئة تحرير الشام" إلى الحكم أواخر عام 2024، حيث تم تفكيك الأجهزة الأمنية السابقة التي كانت تُعرف بسيطرتها الواسعة ودورها في قمع المعارضة، ورغم الحديث عن الإصلاحات الأمنية في الحكومة الجديدة، إلا أن هناك مخاوف من إعادة إنتاج سلطة أمنية مركزية تُقدّم حماية النظام على حساب حقوق المواطنين، خاصة في ظل ضعف الرقابة، وعدم وجود دمج حقيقي لجميع الفصائل العسكرية في البلاد، في جهاز الأمن العام الجديد.


وتاليا ما جاء في ورقة ستراتيجيكس:

دخلت المنظومة الأمنية السورية مرحلة تشغيلية وتنظيمية جديدة مع صعود فصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام إلى سدّة الحكم في البلاد في ديسمبر 2024، بعد عقود من اعتماد النظام السوري السابق على جهاز أمني قوي وشامل، ساهم في تعزيز سيطرة حزب البعث وهيمنة عائلة الأسد على السلطة في البلاد، ثمّ لعب دوراً حاسماً خلال الأزمة التي اندلعت عام 2011، في الحفاظ على تماسك النظام وبقائه طوال عقد من الصراع، مع التركيز على قمع المظاهرات والاحتجاجات وملاحقة المعارضين. وعليه؛ تهدف هذه الورقة إلى تقديم وصف مقتضب لقوات الأمن وأجهزة المخابرات السورية، وهيكلها التنظيمي، وكوادرها الرئيسة، وأساليبها التشغيلية قبل الأزمة عام 2011، ثم الوضع الحالي للأجهزة الأمنية في ظل السلطة الجديدة. إضافة إلى استكشاف وجهات النظر المختلفة حول هيكلة المؤسسة الأمنية ودورها المستقبلي.

المنظومة الأمنية في ظل النظام السابق
تألفت المنظومة الأمنية السورية في ظل النظام السابق من أربع إدارات رئيسة، متشابكة مع بعضها البعض، ومرتبطة بشكل معقّد بحزب البعث، وتنتهي هيكلياً عند رأس النظام باعتباره القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة. وتلك الإدارات الأربعة التي يُطلق عليها اسم "شُعب" هي: شعبة إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة)، وشعبة إدارة الأمن السياسي، وشعبة إدارة المخابرات العسكرية، وشعبة إدارة المخابرات الجوية. وكلّ منها مستقل هيكلياً، وله قيادته الخاصة، ويتبع له عشرات الوحدات والفروع المنتشرة في عموم البلاد، ومتمايز عن غيره في نطاق مسؤولياته، وتختلف في مرجعياتها بين وزارة الدفاع ووزارة الداخلية وحزب البعث العربي الاشتراكي. مع ذلك؛ تُنسق أعمال جميع تلك الإدارات وتُقاد من قبل مكتب الأمن القومي الذي تأسس عام 1966، ويُعد أحد مكاتب القيادة القطرية لحزب البعث، وعُرف بعد الأزمة عام 2011 بـ "خلية الأزمة"، ثم مكتب الأمن الوطني الذي أُنشئ عام 2009، وتم تفعيله بعد تفجير "خلية الأزمة" عام 2012، ليحل محل مكتب الأمن القومي، ويتبع مباشرة للرئيس.

تأسست معظم تلك الإدارات بعد الانقلاب الذي قاده حزب البعث عام 1963، وقد اتخذ الحزب من المنظومة الأمنية أساساً لتثبيت حكمه، فكانت صلاحياتها الواسعة مستندة إلى نصوص دستورية وقانونية جاءت تحت طائلة مرسوم الطوارئ الصادر في مارس 1963، إذ تضمنت مراسيم مثل (حماية الثورة رقم (6) لعام 1964، ونظام البعث رقم (4) لعام 1965، إحداث إدارة أمن الدولة رقم (14) لعام 1969، وقانون إحداث محاكم الأمن الاقتصادي عام 1981) عقوبات واسعة ومتشددة تصل حد الإعدام ضد نقد أو مقاومة أو مناهضة أهداف الثورة، سواء بالقول أو الفعل أو الكتابة. بل ذهبت مراسيم أخرى إلى حماية قادة ومنتسبي الأجهزة الأمنية ومنحهم الحصانة من المتابعة القضائية عن ممارساتهم. فمثلاً؛ يمنع المرسوم الناظم لأعمال إدارة المخابرات العامة (رقم 5409 لعام 1969) ملاحقة العاملين في إدارة المخابرات عن جرائمهم أثناء قيامهم بوظائفهم، كما يتضمن مرسوم إحداث إدارة أمن الدولة (رقم 14 لعام 1969) عدم ملاحقة العاملين في الإدارة عن جرائمهم أثناء قيامهم بوظائفهم، وكذلك يتوسع المرسوم (رقم 64 لعام 2008) في حظر ملاحقة العاملين في الأمن الداخلي وشعبة الأمن السياسي والجمارك دون موافقة رؤسائهم، وهو ما دفع الواقع العملي للمنظومة الأمنية لتجاوز البنود القانونية واستحداث عقوبات غير منصوص عليها مثل الاختفاء القسري أو منع السفر، بل ومنحها دوراً متعاظماً في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفي الشؤون اليومية والحياتية للمواطنين.

وفي الواقع؛ يرجع جانب كبير من الأزمة عام 2011، والمظاهرات ضد النظام، إلى إشكالية علاقة المواطن السوري بتلك المنظومة الأمنية، إذ شملت مهامها جميعاً مراقبة الشؤون الداخلية، خاصة المعارضين للنظام. فمثلاً، توسعت إدارتا الاستخبارات العسكرية -المتخصصة في مراقبة العسكريين-، والاستخبارات الجوية -المتخصصة في حماية الأجواء وأمن الرئيس-، في جمع المعلومات الاستخباراتية حول المدنيين وتورطتا في عمليات قمع المعارضين. بل إن المخابرات العسكرية أشرفت على عدة وحدات شبه عسكرية، ما جعل نطاق نفوذها أوسع من وظائف الاستخبارات العسكرية التقليدية.

هذا إلى جانب إدارة المخابرات العامة وإدارة الأمن السياسي اللتان تم تصميمهما لمراقبة الأنشطة السياسية، وجماعات المعارضة، ومختلف جوانب الحياة العامة. وقد اتُّهمت تلك الإدارات على نطاق واسع بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان، سواء قبل الأزمة السورية عام 2011، مثل دورها في أحداث مدينة حماة 1982، أو بعدها؛ ففي عام 2011 وصف تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان انتهاكات قوات الأمن والجيش بأنها "بمثابة جرائم ضد الإنسانية"، وفي العام 2013، أدان مجلس الأمن الدولي بالإجماع "انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة النطاق" من قبل قوات الأمن.

المنظومة الأمنية للسلطة الجديدة
أحدثت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، بقيادة هيئة تحرير الشام، بعد سيطرتها على السلطة في سوريا، تحولاً جوهرياً في المنظومة الأمنية والعسكرية في البلاد، خاصة بعد أن أعلنت السلطة الجديدة رسمياً عن حلّ الجيش والأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق في 29 يناير 2025، ما شكّل انقلاباً جذرياً على المؤسسة الأمنية السابقة، ودفع بنموذج أمني جديد إلى الواجهة، تُسيطر عليه الوحدات التابعة لهيئة تحرير الشام تحت مُسمى جديد "مديرية الأمن العام". وقد دفعت الهيئة بقادتها إلى المسؤولية عن الأجهزة الأمنية، ومن أبرزهم: تعيين أنس خطاب، المعروف سابقاً بـ"أبي أحمد حدود"، رئيساً لـ"جهاز الاستخبارات العامة السورية"، والذي أصبح بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة الانتقالية في 30 مارس 2025، وزيراً للداخلية، ليخلفه في رئاسة الاستخبارات العامة حسين السلامة، المعروف سابقاً بـ"أبي مصعب الشحيل"، الذي عُيّن مطلع مايو 2025. في حين يقود عبد القادر طحّان، المعروف سابقاً بـ"أبي بلال قدس"، جهاز الأمن العام الجديد.

وبشكل عام، تعتمد مديرية الأمن العام الجديدة على الجهاز المُشكَّل سابقاً في إدلب، والذي كان يُشكل أداة قوية في يد أبي محمد الجولاني حينها – أحمد الشرع حالياً – حيث تقوم وحدات النخبة التابعة لهيئة تحرير الشام بحماية العاصمة دمشق ومحيط القصر الرئاسي، إضافة إلى استمرار سيطرتها على معقل الهيئة في محافظة إدلب. وفي الواقع، أعلن وزير الداخلية عن خطة عمل تتضمن وعوداً بإصلاحات واسعة، من بينها تحديث السجون، ومكافحة المخدرات، وتطوير المرور، وتحديث العمل الجنائي، كما عمل على توحيد قيادة الشرطة والأمن العام في كل المحافظات تحت إشراف مسؤول واحد، في خطوة تهدف عملياً إلى دمج الجهازين تحت سلطة أمنية مركزية واحدة.

من الناحية النظرية؛ تعمل السلطة الجديدة بالطريقة ذاتها التي كانت عليها أثناء سيطرتها على إدلب، إذ تزيد أهمية "مديرية الأمن العام" بالنسبة لحماية السلطة الجديدة مقارنةً بالجيش السوري الجديد، حيث تُسيطر هيئة تحرير الشام وقادتها على قوات الأمن، فيما تتشكل قوات وزارة الدفاع من طيف واسع من الفصائل المسلحة. ففي السابق، كان الأمن في إدلب مستقلاً عن وزارة الداخلية التابعة حينذاك لحكومة الإنقاذ، ويُركّز على الجوانب الأمنية أكثر من العمل الشرطي، بما يشمله ذلك من متابعة واستخبارات. ولعل ما يُعرف بقضية "العمالة" التي ظهرت عام 2023، وتبعها اعتقال المئات من عناصر الهيئة وقادتها في الجناح العسكري، بذريعة اختراق صفوفها من قبل التحالف الدولي، مثالاً على كيفية عملها الأمني بالمفهوم الشامل والواسع، وتبعيتها المباشرة للجولاني، ومستوى اعتماده عليها في تثبيت سلطته.

أما من الناحية العملية؛ فإن محاولة دمج الجهازين تحت سلطة واحدة قد تؤدي إلى هيمنة العقلية الأمنية على حساب العمل الشرطي، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على الحريات العامة، إذ هناك اختلاف جوهري بين ثقافة الأمن العام القائمة على العمل السري والمخبرين، وبين ثقافة الشرطة القائمة على الخدمة العامة، والطابع المدني والعمل المجتمعي. وبينما أثبت نموذج الأمن العام في إدلب قدرته وكفاءته في بيئة محدودة نسبياً، لكنه فشل في بناء علاقة ثقة مع المجتمع، ومالَ إلى حماية الهيئة أكثر من حماية المجتمع، إذ يحفل سجله بإرث من الانتهاكات بين اعتقالات تعسفية، وتعذيب، وقمع مظاهرات، واقتحام، وتشير المصادر إلى امتلاك الأمن في إدلب لسجون ومعتقلات خارج إطار حكومة الإنقاذ. وقد قادت ممارساته إلى موجات احتجاج في مناطق إدلب، ما دفع في نهاية المطاف إلى وضع إدارة الأمن العام تحت إشراف وزارة الداخلية في مارس 2024، لكنه بقي محافظاً على استقلاليته الفعلية وارتباطه المباشر بالشرع.

مع ذلك؛ ينطوي تعميم نموذج الأمن في إدلب على كامل سوريا على مخاطر ومحاذير عدّة، من بينها:

1- إن تعميم نموذج الأمن العام في إدلب على كامل سوريا، والقائم على مركزية القرار والارتباط المباشر بالرئيس، مع ضعف الرقابة المؤسسية الحقيقية، يُهدد بإعادة إنتاج منظومة أمنية سلطوية، تُقدّم أمن السلطة على أمن المجتمع، وتفتقر للشفافية والمحاسبة، كما كان الحال في عهد النظام السابق.

2- نشأ الجهاز الأمني في إدلب في ظل بيئة مجتمعية متجانسة نسبياً، وسيؤدي تعميمه على مناطق شديدة التنوع (الساحل، دمشق، السويداء، حمص) دون دمج عناصر محلية فيه، إلى مخاطر كبيرة، في مقدمتها فقدان ثقة المكونات الاجتماعية في الجهاز، بل وتأجيج النزاعات والانقسامات، خاصة بعد انخراطه في أحداث الساحل في مارس 2025، وأحداث محافظة السويداء ومدن جرمانا وصحنايا في ريف دمشق مطلع مايو 2025.

3- إن التوسع السريع للأمن العام في المحافظات الجديدة عبر تعبئة سريعة لعناصر غير مدرَّبة كفاية، مع منحهم رُتباً عالية دون خبرة عسكرية أو شرطية سابقة، سيُضعف كفاءة الجهاز الأمني، ويزيد من احتمال وقوع الانتهاكات وشيوع الفوضى الأمنية.

وأخيراً؛ لا يتطلب الوضع في سوريا "قوة" الجهاز الأمني كأمرٍ مطلق، بل فاعليته في فرض القانون، مع التزامه بالشفافية واحترام الحقوق. وهذا يتطلب تحوّلاً جذرياً في فلسفة الأمن السوري، وانتقاله من أداة قمع إلى أداة حماية للمواطن، وهذا ما يمكن أن يحدد صلاحيات وحدود الأجهزة الأمنية وآليات الرقابة عليها في إطار قانوني ودستوري واضح، مع دعم دولي يضمن عدم انهيار الدولة أو سيطرة قوى خارجية على مؤسستها الأمنية. وبدون ذلك، سيظل الخيار بين فوضى الفراغ الأمني أو استبداد الأجهزة القمعية هو السائد. وبذلك، فإن تعميم تجربة إدلب دون إجراء تغييرات مناسبة في هيكليته وإجراءاته على كامل سوريا، بخاصة في ظل التوترات الطائفية والإثنية، سيحمل مخاطر كبيرة، على رأسها إعادة إنتاج دولة أمنية سلطوية، والتسبب في تأجيج النزاعات المحلية، وتهديد وحدة البلاد.