شريط الأخبار
ضبط مكافآت ممثلي الحكومة في مجالس إدارات الشركات #عاجل تعرف على أسعار الأضاحي في الوطن العربي حوالات الأردنيين مع قرب عيد الأضحى ترفع الطلب على الدينار تقنية تعيد الأمل في استعادة البصر عبر جزيئات نانوية هام من وزارة العدل لأصحاب القضايا من عام 1992 وحتى 2019 نفاع تنعى سناء العجارمة مستشارة رئيس مجلس النواب إحسان حداد: لاعبو المنتخب جاهزون وسيقدمون كل ما لديهم في المواجهات المقبلة الاردني مصطفى يتصدر التصنيف العالمي للتايكواندو.. ما علاقة المواد المنشطة؟ اختتام دورة مدربي السباحة “درجة ثالثة” في مدينة الحسين للشباب وفيات الثلاثاء 3-6-2025 الكوريون الجنوبيون ينتخبون رئيسا جديدا بعد اضطرابات الأحكام العرفية القوات المسلحة تعلن فتح باب التجنيد للذكور من حملة شهادة (التوجيهي) منح دراسية في الجامعات السعودية وزارة الشباب: مواقع عرض مباراة الأردن وعُمان جاهزة لاستقبال الجماهير إغلاق طريق المطار بالاتجاهين اثر حادث تصادم بين شاحنتين تشغيل أولى مراحل النقل بين عمّان والمحافظات رسميا مطلع تموز تعرفوا على الطقس بالأردن حتى وقفة العيد سحب 500 جندي أمريكي من سوريا وتسليم قاعدة ل"قسد" الضمان لديه تعليماته؛ ضبط مكافآت ممثلي الحكومة في مجالس إدارات الشركات تعديل جديد في دوري الأبطال بعد خروج أرسنال وبرشلونة

سلوكيات تزرع الأذى.. إعادة فهم التنمّر في مدارسنا

سلوكيات تزرع الأذى.. إعادة فهم التنمّر في مدارسنا
م. زيد خالد المعايطة – باحث في العلوم والبصائر السلوكية – London School of Economics (LSE)
في نيسان 2025، دخل الطفل محمد إلى مدرسته في الرصيفة دون أن يدرك أن هذا اليوم سيغيّر مجرى حياته، طلب منه بعض من زملائه الطلاب إحضار مكنسة فذهب الطفل ذو الاحد عشر عاماً بحسن نية الى مطبخ المدرسة وخلال ساعات الدوام الرسمية ليجد طالبين أكبر منه سناً ينتظرانه هناك وما لبثوا أن أغلقوا الباب وسكبوا عليه الكاز وأشعلوا النار.
قبل شهور قليلة، عاد أدهم، طفل آخر في الزرقاء بنفس العمر إلى منزله وهو يعاني من ألم شديد في بطنه ولم يتمكن والداه وهما من الصم، من فهم ما حدث له في البداية بالرغم من محاولته شرح ذلك مما دفعهما للاستنجاد بالجدة لفهم ما أصابه، حيث اكتشفت جدته أن زملاءه في الصف قد أجروا قرعة لاختيار من سيضربه وتناوبوا عليه حتى تمزقت مثانته واضطر للخضوع لعملية جراحية طارئة.
في المفرق، قبل سنوات، كان مصطفى يُعاني من تنمّر دائم بسبب تشوه خلقي في يده وكان الأطفال يسخرون منه، بل حاولوا "إنبات أصابع له" بوضع يده تحت الماء. وفي أحد الأيام، وُجد مصطفى مشنوقاً داخل خزانة ملابسه، بعد أن فقد الرغبة بالحياة تماماً.
هذه الحوادث ليست حالات فردية، فبحسب تقرير صادر عن اليونيسف، أكثر من نصف الأطفال في الأردن تعرّضوا لشكل من أشكال التنمّر، ويُظهر التقرير أن التنمّر لا يقتصر على نوع واحد، بل يتنوع بين تنمّر جسدي مثل الضرب والدفع وتنمّر لفظي كالإهانات والتجريح وتنمّر اجتماعي يتمثل في العزل ونشر الشائعات، إضافة إلى التنمّر النفسي القائم على التخويف أو التلاعب، والتنمّر الإلكتروني الذي يحدث عبر الهواتف ووسائل التواصل، لكن هذه الأرقام لا تعكس عمق المشكلة الحقيقي، فالتنمّر لا يتوقف عند مرحلة الطفولة، فالطفل الذي يمارس التنمّر اليوم قد يصبح بالغاً يستغل او يسيء استخدام سلطته او يُقصي من يختلف عنه ، او يبرر لنفسه حق التعصب والتطرف بدون تمييز لما قد يلحقه بالغير من ضرر.
لا تنظر العلوم السلوكية للتنمّر على انه مجرد تصرف عدائي مؤقت، بل هو نتيجة لعوامل سلوكية يمكن تفكيكها وتحليلها، أحد هذه العوامل هو "التعلّم الاجتماعي" أي أن الأطفال يتعلمون السلوك من خلال ملاحظة ما يفعله الآخرون. فعندما يرى الطفل أن العدوانية تجلب الانتباه أو الاحترام، يبدأ بتقليدها وتكرارها. عامل آخر هو ما يُعرف بالتحيز العدائي في تفسير النوايا" وهو ميل بعض الأطفال إلى افتراض السلوك العدائي لدى الاقران والأطفال الاخريين من دون دليل مما يولد رد فعل عنيف وغير مبرر يترجم الى شكل من اشكال التنمر، فعلى سبيل المثال، قد يرى الطفل أن نظرة عابرة أو تعليقًا غير مقصود من زميل على أنه استهداف له أو تقليل من شأنه مما يدفعه إلى الرد بعنف أو تهديد، ليس بدافع الأذى، بل كرد فعل دفاعي متسرع ، هذا النمط السلوكي غالبًا ما ينشأ لدى الأطفال الذين يعيشون في بيئات يسودها التوتر أو الشعور الدائم بالتهديد مما يولد القناعة الداخلية لدى الطفل أن العدوانية هو وسيلة للحماية الذاتية.
في المقابل، يعاني الأطفال الذين يتعرضون للتنمّر مما يُعرف بـ"العجز المتعلّم"، أي أن الطفل بعد تعرضه المتكرر للإيذاء دون حماية، يبدأ بالاعتقاد أن لا شيء يمكن أن يُغيّر وضعه، فينعزل بصمت ويبدأ في تبنّي صورة سلبية عن نفسه، هذه الحالة السلوكية تزيد من احتمالية ظهور مشاكل نفسية اشد تعقيدا" مثل الاكتئاب والقلق، بل وقد تمتد إلى السلوكيات الانتحارية، حيث تشير الدراسات الصادرة عن مركز دراسة الامراض في الولايات المتحدة الى وجود ارتباط قوي بي الانتحار (والتي تزيد عن 45000 حالة سنوياً) والتنمر بين الأطفال والمراهقين ، وفي بريطانيا أشارت دراسة متخصصة عن أسباب ارتفاع معدلات الانتحار الى ان نصف اعداد حالات الانتحار بين المراهقين مرتبطة بالتنمر، وفي ما يتعلق بالحالة الأردنية أظهرت دراسة صدرت عام ٢٠٢١ ان ١٥% من ضحايا التنمر الالكتروني من الشباب والمراهقين فكروا بالانتحار ، وان ٩% منهم حاول ذلك فعلا".
قبل مناقشة الحلول الممكنة، من المهم أن نُشير إلى أن أنماط التنمّر تختلف أحيانًا بين الذكور والإناث، رغم تشابه الدوافع النفسية. فبينما يُعبّر الذكور غالبًا عن التنمّر بطرق علنية كالسخرية أو العنف الجسدي بهدف إثبات الهيمنة أو الحصول على مكانة اجتماعية، تميل الإناث إلى استخدام أساليب مختلفة مثل الإقصاء الاجتماعي أو نشر الشائعات، بهدف الحفاظ على التحكم بالعلاقات داخل المجموعة الاجتماعية، هذا لا يعني أن أحد النمطين أقل تأثيرًا من الآخر، بل إن كليهما يعكس دوافع سلوكية كالحاجة إلى الاعتراف، أو السيطرة، أو الأمان ويستدعي تدخلاً دقيقًا ومتخصصًا.
ويبقى السؤال الأهم: ما الذي يمكن فعله سلوكيًا؟ وما الذي يمكن تطبيقه في السياق الأردني؟
لا بد من تصميم تدخلات تعالج جذور السلوك وتُبنى على تجارب فعّالة تم تطبيقها دوليًا وأثبتت نجاحها، مع تكييفها بما يتماشى مع السياق الأردني ضمن برنامج شامل قائم على علم السلوك وبإشراك المعلمين والمرشدين التربويين في تنفيذ تدخلات عملية تهدف إلى معالجة المحركات السلوكية للتنمّر، وتغيير الصورة النمطية المرتبطة به، وتعزيز بيئة مدرسية تحفّز السلوك الإيجابي وتحدّ من السلوك المؤذي، من بين هذه التدخلات:
• إعادة تعريف الشخصية القوية والقيادية في سياقها الاجتماعي للطلاب فيتم تصوير الشخص القوي على أنه من يدافع عن الآخرين وليس من يؤذيهم مما قد يغير الانطباع السائد لدى الأطفال عن المتنمر ويحفز الطلاب الاخرين على الوقوف في وجه المتنمرين مما يقلل من السلبية والحيادية التي تخلق بيئة مناسبة للتنمر.. ومن الممكن الاستعانة بشخصيات مؤثرة كالرياضيين (وخاصة الرياضات القتالية) ورجال الدين ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي.
• جلسات صفية تفاعلية ومنتظمة كجزء من الخطة الدراسية لتوضيح أن سلوك التنمّر لا يدل على القوة أو الهيمنة، بل يرتبط غالبًا بدوافع مثل الحاجة إلى الحماية أو الشعور بالنقص، فمن خلال إزالة هالة الخوف المرتبطة بالمتنمّرين وتقليص الصورة التي تربطهم بالقوة يصبح من الأسهل على الطلاب الآخرين التدخل لمواجهة السلوك السلبي عند رؤيته، وفي الوقت نفسه، توصل هذه الرسائل إلى المتنمّرين أنفسهم أنهم ليسوا وحدهم أو حالة شاذة، بل جزء من مجتمع ينتمون اليه كأي فرد آخر مما يعزز من الشعور بالأمان والانتماء بدلا من الخوف والعزلة مما يتماشى مع الطبيعة الجمعية للمجتمع الأردني.
• التعامل البنّاء مع أولياء أمور المتنمّرين فمن المهم إشراك الأهل بطريقة تركز على توعيتهم بتأثير سلوك طفلهم ليس فقط على المتنمر عليهم، بل على الطفل المتنمر نفسه أيضًا، فمن الممكن للمدرسة أن تعرض على الأهل أمثلة حقيقية لحالات واقعية تبين كيف أدى استمرار السلوك العدواني إلى تدهور العلاقات الاجتماعية للطفل أو إلى تراجع تحصيله الأكاديمي.
ان النجاح في الحد من التنمّر لا يتطلب تغييرًا جذريًا للمنظومة الاجتماعية، بل فهمًا أعمق للسلوك واستجابات مدروسة تستند إلى ما يُحفّز الأفراد على التغيير داخل بيئتهم الاجتماعية، ولا يجب أن ننظر إلى التنمّر كقضية تخص الطفولة فحسب، بل كتهديد طويل الأمد يمتد إلى صميم المجتمع. فالسلوكيات التي لا يتم التصدي لها مبكرًا تتحوّل إلى أنماط دائمة في مؤسسات الدولة وفي الخطاب العام، فغياب التدخل والإصلاح هو شكل من أشكال المشاركة في المشكلة، فالمجتمع الذي يصمت عن الأذى في الصغر يعتاد عليه في الكِبر، ولهذا فإن الاستثمار في تدخلات مدرسية مدروسة ليس فقط أولوية تربوية، بل خطوة نحو بناء مجتمع أكثر تماسكًا واحترامًا وعدالة.