
القلعة نيوز- عقد المنتدى الاقتصاد الأردني جلسة حوارية، استضاف خلالها مدير عام دائرة ضريبة الدخل والمبيعات الدكتور حسام أبو علي، بحضور رئيس المنتدى مازن الحمود، وعدد من أعضاء مجلس الإدارة والهيئة العامة، إلى جانب ممثلي القطاعات الاقتصادية والخبراء والمختصين.
وخلال الجلسة تم استعراض أبرز التحولات التي شهدها النظام الضريبي في الأردن خلال السنوات الأخيرة، والتوجهات المستقبلية للدائرة في ضوء الإصلاحات الهيكلية والتحول الرقمي.
وبحسب بيان المنتدى اليوم السبت، شهد اللقاء حوارا صريحا تناول أبرز التحديات، والإجراءات التي اتخذتها الدائرة لتعزيز العدالة الضريبية، ومكافحة التهرب، وتوسيع القاعدة الضريبية ضمن إطار من الشفافية والامتثال الطوعي.
وقال الدكتور أبو علي، إن ما جرى تنفيذه خلال السنوات الأخيرة في الدائرة لا يمكن وصفه بمجرد إصلاحات، بل هو ثورة متكاملة غيرت بنية النظام الضريبي الأردني، سواء من حيث الممارسات أو التشريعات أو حتى الآليات التشغيلية والرقمية.
وأكد أن الدائرة لم تكتف بمكافحة التهرب الضريبي، بل تبنت نهجا إصلاحيا عميقا على عدة محاور أهمها: تطبيق الممارسات الدولية في إدارة النظام الضريبي، والتحول إلى دائرة رقمية متكاملة.
وأوضح أن أحد أبرز هذه التحولات كان توحيد الإدارة الضريبية لجميع مناطق المملكة، بما فيها العقبة والمناطق الحرة والتنموية، بعد أن كانت كل منطقة تخضع لإدارة ضريبية مستقلة، الأمر الذي تسبب بتضارب الصلاحيات وتكرار الإجراءات وإضعاف العدالة الضريبية.
وأضاف أن الدائرة تبنت تطبيق نظام "الأسعار التحويلية" المعتمد دوليا، والذي يهدف إلى الحد من نقل الأرباح إلى دول ذات ضرائب منخفضة من خلال التلاعب في فواتير البيع والشراء بين الشركات التابعة والمترابطة.
وأكد أن هذا النظام أصبح الآن جزءا من الإقرار الضريبي، ويلزم الشركات المتعددة الجنسيات بالإفصاح الكامل عن تعاملاتها بأسعار السوق.
وفي محور آخر، قال أبو علي، إن الدائرة تحولت إلى دائرة رقمية بالكامل، حيث يتم اليوم تقديم جميع خدماتها إلكترونيا عبر أكثر من 65 خدمة متاحة للمكلفين، بدءا من التسجيل وحتى استرداد الضرائب.
ولفت إلى أن الدائرة لم تتوقف عند رقمنة الخدمات، بل انتقلت إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في التدقيق الضريبي، ما أدى إلى تحسين كفاءة التدقيق والكشف عن آلاف حالات التهرب.
وأشار إلى أن أحد أبرز مظاهر هذا التحول هو اكتشاف أكثر من 13 ألف حالة ازدواج في الإعفاءات الضريبية العائلية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، مؤكدا أن هذه التقنية تستخدم الآن في معالجة الإقرارات الضريبية على نطاق واسع وفق معايير المخاطر والبيانات المتوفرة.
كما تحدث عن مشروع الرقابة الرقمية على مصانع السلع الخاضعة لضريبة خاصة، وعلى رأسها مصانع الدخان والمشروبات الكحولية، مؤكدا أن النظام الرقابي المطبق بات يتيح معرفة عدد السجائر المنتجة، وعدد الباكيتات والكروزات الصادرة عن كل ماكينة، بشكل فوري ومباشر، ما قلص فرص التهريب والتهرب الضريبي.
وفيما يتعلق بنظام الفوترة الإلكترونية، أوضح أن النظام يستند إلى إطار تشريعي بدأ تنفيذه عام 2019، واستهدف بداية الفئات ذات الأثر الأكبر على العمليات الضريبية، وتم الانتقال أخيرا من مرحلة التوعية إلى مرحلة الإلزام، حيث أصبحت الأنظمة الضريبية تفحص تلقائيا مدى التزام المكلفين بإصدار الفواتير إلكترونيا، مع منح مهلة 30 يوما للانضمام، قبل فرض الغرامات.
وكشف أن أكثر من 90 بالمئة من المبيعات والإيرادات المسجلة في المملكة خلال العام الماضي جرى توثيقها ضمن نظام الفوترة، بقيمة تجاوزت 68 مليار دينار، ما يعد مؤشرا واضحا على نجاح هذا التحول.
وأوضح أبو علي، أن الدائرة وسعت نطاق تطبيق نظام الفوترة ليشمل قطاعات مهنية رئيسية، أبرزها المحامون والأطباء وأطباء الأسنان، حيث تم توقيع مذكرات تفاهم مع إدارات نقاباتهم بنهاية عام 2024، وبموجبها أصبح إصدار الفواتير الإلكترونية إلزاميا لجميع العمليات التي تتم مع هذه القطاعات.
وأكد أن هذا الإجراء دخل حيز التنفيذ بدءا من نيسان الماضي، حيث لن يتم اعتماد أي نفقة أو صرف ضريبي ما لم تكن مدعومة بفاتورة إلكترونية صادرة عن النظام المعتمد.
وأضاف "شركات التأمين أيضا لن تدفع فلسا واحدا إلا مقابل فاتورة إلكترونية معتمدة، وهذا يسري على جميع مقدمي الخدمات الطبية، سواء من الأطباء أو الصيادلة أو غيرهم".
ولفت إلى أن شريحة واسعة من الأطباء باتت اليوم ضمن النظام، خاصة من خلال ربطهم مع برنامج "حكيم"، الذي يعد بوابة الدخول المباشرة إلى النظام الضريبي، قائلا "لن يتمكن أي طبيب بعد الآن من تقاضي أتعابه دون إدخالها في منظومة الإيرادات الإلكترونية، حتى ولو كانت 20 أو 50 دينارا، وهذا هو التحول الحقيقي نحو العدالة الضريبية".
وأضاف إن هناك من يعتقد بأن نظام الفوترة هو مجرد إجراء ضريبي يخدم الدولة، في حين أن الحقيقة أنه نظام وطني يعيد تنظيم الاقتصاد ويحارب التهرب، مشيرا إلى أن "جزءا كبيرا من الاقتصاد الأردني لم يكن داخلا في الحسابات الرسمية، واليوم أصبح بيع وشراء البضائع والخدمات يتم من خلال فواتير موثقة ومسجلة".
وقال إن عدد الفواتير التي تصدر يوميا تجاوز مليون فاتورة، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ النظام الضريبي الأردني، ويعكس حجم التحول والاندماج مع المنظومة الرسمية.
وأكد أن عدد المكلفين المسجلين في النظام تجاوز حتى اللحظة 132 ألف مكلف، مقارنة بأقل من 100 ألف قبل عام واحد فقط، ما يدل على تصاعد الثقة بالنظام والتجاوب مع متطلباته.
وأشار إلى أن أكثر من 6 آلاف طبيب من أصل نحو 11 ألفا باتوا ضمن النظام، وهو ما يمثل مؤشرا إيجابيا على مدى جدية التوجه نحو الشمول الضريبي، مشددا على أن "كل مهنة فيها الملتزم وغير الملتزم، ولكن الدولة اليوم تبني نظاما يفرض العدالة على الجميع دون استثناء، وبأدوات رقمية لا تقبل الاجتهاد أو التجاوز".
وختم أبو علي حديثه، بتأكيد أن كل هذه الإجراءات تهدف إلى تحقيق العدالة الضريبية، وضمان التنافسية، وتعزيز الثقة بين المكلف والإدارة الضريبية، مشيرا إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من التحولات الرقمية والتشريعية، بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية ويخدم الاقتصاد الوطني بكفاءة.
من جانبه، أكد رئيس المنتدى الاقتصادي الأردني مازن الحمود، أن اللقاء يأتي في إطار حرص المنتدى على تعزيز الحوار البناء بين القطاعين العام والخاص، وتسليط الضوء على التحولات الاقتصادية والإصلاحات الجوهرية التي يشهدها الأردن، لا سيما في المجال الضريبي.
وشدد على أهمية مواصلة مثل هذه اللقاءات الدورية التي تتيح تبادل الآراء وطرح التحديات والمقترحات بشكل مباشر، بما يسهم في تطوير السياسات العامة وتحقيق نمو اقتصادي مستدام يعزز بيئة الأعمال ويرفع كفاءة التحصيل والعدالة في النظام الضريبي.
وفي ختام الجلسة، دار نقاش موسع بين الحضور ومدير عام دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، حيث طرحت تساؤلات واستفسارات من ممثلي القطاعات الاقتصادية حول آليات تطبيق نظام الفوترة، وتعامل الدائرة مع التحديات التي تواجه المكلفين في المرحلة الانتقالية، إضافة إلى قضايا تتعلق بالعدالة الضريبية، وسبل تحسين البيئة التشريعية.
-- (بترا)