اللواء " م " الدكتور مفلح الزيدانين
في زيارة ولي العهد سمو الامير الحسين بن عبد الله الثاني الأخيرة إلى محافظة الطفيلة، أكد سموه على السردية الوطنية الأردنية، في حديثٍ حمل دلالات تتجاوز السياق البروتوكولي إلى إعادة التأكيد على جذور الدولة ومسار نهوضها. ففي تلك الزيارة التي حملت رمزية تاريخية، استحضر سموه تاريخ الطفيلة ومواقفها البطولية، ومنها معركة حدّ الدقيق، التي شكلت علامة فارقة في الدفاع عن المواطن و الوطن، وأثبتت إرادة الأردنيين في حماية دولتهم ووحدة مجتمعهم.
حديث سموه عن السردية الوطنية جاء واضحًا؛ إذ شدد على أن الأردن هو قصة دولة قامت على الشراكة والبطولة والتضحيات المشتركة، وأن سردية الدولة الأردنية ليست مجرد رواية محفوظة، بل هي تاريخ حيّ من المعارك والتضحيات، كما جسدته مواقف أبناء محافظة الطفيلة في معركة حدّ الدقيق، الذين دافعوا عن الأرض والهوية الوطنية. ومن هذا التأكيد انطلقت رؤية سموه للمستقبل باعتبار أن قوة الأردن اليوم تستمد جذورها من تلك السردية التاريخية.
رؤية سموه تجمع بين الفكر والتنفيذ. يتجلى النضج الفكري لسمو ولي العهد في قدرته على الجمع بين البُعد التاريخي والبعد المستقبلي. فسموه لم يكتفِ بتأكيد سردية الدولة وتضحيات الماضي، بل ربطها بمشروع التحديث الذي يقوده، مؤكداً أن هوية الدولة الراسخة هي ما يمنحها القدرة على التغيير والنهضة.
وقد ظهر ذلك في اهتمامه بتمكين الشباب وتحديث الاقتصاد وتعزيز التحول الرقمي. واهمية الابداع والمرونة والتحليل، بوصفها عناصر ضرورية لمستقبل تنافسي. كما تُرجمت هذه الرؤية إلى مبادرات عملية ، تهدف إلى وضع الأردن في مركز متقدم إقليميًا ودوليا في مجالات التقنية.
كان استحضار سمو ولي العهد للسردية الوطنية في محافظة الطفيلة مقصودًا، وواضحًا، وذو أبعاد ثلاث:
أولا : ترسيخ هوية الدولة واستمرارية مسارها. أراد سموه التأكيد على أن سردية الأردن ليست مجرد تاريخ محفوظ، بل أساس الشرعية والثقة بين الدولة والمجتمع. فالأردن دولة قامت على تضحيات مشتركة، والتاريخ يثبت أن كل مرحلة من مراحل بنائها كانت قائمة على قيادة واعية و إرادة وطنية صلبة، كما يظهر من بطولات مثل معركة حدّ الدقيق، التي أسهمت في صون الأرض وحماية النسيج الوطني.
ثانيا : حماية الوعي الوطني من التشويه .حين يشرح سموه رواية الدولة بنفسه، فهو يعيد ضبط البوصلة الوطنية، ويؤكد أن سردية الأردن ملكٌ لكل أبنائه، وليست مجالًا للمزايدة أو التحريف. وفي ظل عالم تتعدد فيه الروايات، يشكّل هذا التوضيح حصانة للوعي الجمعي وتعزيزًا للثقة.
ثالثا :ربط الماضي بالحاضر والمستقبل. السردية الوطنية التي تحدّث عنها سموه هي أساس لرؤية حديثة تعتمد على تماسك المجتمع وقدرته على المواجهة. ومن خلال هذا الربط، يؤكد سموه أن مشروع التحديث هو امتداد طبيعي لقصة الدولة.
الفكر الناضج وتعزيز الوحدة الوطنية. إن خطاب سمو ولي العهد، بما يحمله من إدراك عميق للسردية الوطنية، أسهم في تعزيز الوحدة الوطنية بثلاثة مسارات:
أولا: اللغة الجامعة. توحد ولا تفرق، وتؤكد أن الأردنيين شركاء في السردية ذاتها والمستقبل ذاته.
ثانيا : مشاريع ملموسة .تجعل المواطن يشعر بأن الدولة تعمل لأجله.
ثالثا: سردية وطنية موحدة. تجعل الجميع يرى نفسه جزءًا من قصة الدولة، وليس خارجها.
تعزيز الجبهة الداخلية : هو امتداد طبيعي للسردية الوطنية. بفضل هذا الربط الذي قدّمه سموه بين السردية الوطنية والتحديث، أصبح تعزيز الجبهة الداخلية امتدادًا طبيعيًا لتلك السردية. ويتجلى ذلك فيما يلي :
_ ترسيخ الثقة بين المواطن والدولة. فالثقة لا تُبنى فقط بالوعود، بل بالرواية الحقيقية التي يشعر المواطن أنه جزء منها، وبالخدمات والتحولات التي يلمسها على أرض الواقع.
__. التحصين ضد الإشاعات .السردية الوطنية الواضحة تمنح المجتمع هوية مستقرة وقدرة على مقاومة الانقسام والتشكيك.
_ توجيه الطاقات نحو مشروع وطني موحد. حين يعرف الشعب قصة دولته ويؤمن بها، فإن تماسك الجبهة الداخلية يصبح نتيجة طبيعية لا مجهودًا إضافيًا.
عناصر قوة الدولة في ضوء السردية والرؤية .تنعكس هذه المقاربة الفكرية لسمو ولي العهد في تعزيز عناصر قوة الدولة الأردنية نذكر منها:
__. القوة المجتمعية: عبر سردية وطنية موحدة تعزز الانتماء والولاء .
__. القوة الاقتصادية: من خلال التكنولوجيا المستقبلية والتحول الرقمي.
__ القوة المؤسسية: بفضل تحديث الإدارة وتوحيد الجهود.
__. القوة الأمنية والإنسانية: اعتماد مفهوم شامل للأمن يرتكز على أمن المواطن وصحته وكرامته ومستقبل أجياله.
وفي النهاية : لقد شكّلت زيارة سمو ولي العهد إلى محافظة الطفيلة فرصة لإعادة تقديم السردية الوطنية الأردنية بلغة معاصرة، تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، وتبرز بطولات مثل معركة حدّ الدقيق كجزء أساسي من الهوية الوطنية. ومن خلال هذا الفكر الناضج، يتم تعزيز الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية، ويؤسس الأردن لمسار تنموي قوي ومستدام، يستند إلى إرث تاريخي وفكر قيادي متقدّم.
حمى الله الاردن ، قيادة ،وشعبا ووطنا . بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين وولي عهده المحبوب سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني ، انه نعم المولى
ونعم المجيب .



