ورأى عاملون في الميدان التربوي أن تدريس المقرر الجديد يعتمد على خبرات سابقة لا يمتلكها طالب الصف الأول وهذا يترتب عليه بذل جهود إضافية من قبل المعلمين وعلى حساب الزمن المخصص
لمحتويات المقررين.
وبينوا أن كثافة المحتوى العلمي والمدة الزمنية المخصصة للمنهاج ستحول دون تحقيق التعلم المتقن، مشيرين إلى أن تدريب المعلمين على التعامل مع المنهاج الجديد لم يكن كافيا ولم يغط الاحتياجات؛ حيث كان مقتصرا على مدرسي وزارة التربية والتعليم فقط ولمدة زمنية بسيطة كانت ثلاثة أيام.
المعلم المتخصص في تدريس الصفوف الثلاثة الأولى إسماعيل أبو لبدة قال إن كتاب الرياضيات للصف الأول يفترض أن الطلبة جميعهم قد دخلوا الروضة، متجاهلًا أن هناك عددًا لا بأس به لم يدخلوا الروضة، مشيرًا إلى أن هذا الأمر سيحدث فجوة بين الطلبة، لافتًا إلى أن الطالب الذي دخل الروضة سيتشتت بسبب اختلاف شكل رموز الأرقام التي درسها في الروضة من أرقام هندية إلى عربية، ومما يزيد من تشتت طالب الصف الأول بحسب أبو لبدة وجود رموز الأرقام الهندية في بعض الكتب المدرسية الأخرى مثل التربية الإسلامية.
وبين أن الدروس الموجودة في كتاب الرياضيات تحتاج إلى عدد من الحصص أكثر من الحصص المقررة لمادة الرياضيات خلال الفصل الدراسي، محذرا من احتمالية تسبب المنهاج بإرباك كبير للطلبة مستقبلا بسبب غياب التسلسل والترابط.
في حين قال المعلم معتز البجق إن كتاب العلوم للصف الأول مليء بالنصوص، رغم أن الطالب لا يتقن القراءة والكتابة في هذه المرحلة الدراسية، وبالتالي طبيعة هذا المقرر الدراسي لا تتوافق مع المرحلة النمائية للطالب، لافتا إلى أن الابتداء بنصوص طويلة نسبيا، يعني تكليف الطالب بالتعامل مع كلمات وحروف مجردة، وهذا يتنافى مع الخصائص النمائية للطالب في هذه المرحلة العمرية، إذ من المعلوم في علم النفس التربوي ان الطفل في هذه المرحلة السنية يتعلم بالاعتماد على المحسوس مثل الوسائل والمجسمات والاشياء الحقيقية، ثم يتم الانتقال به إلى شبه المحسوس مثل الرسومات والصور، وصولا إلى المجرد وهو طرح المعلومات ونقاشها ومعالجة النصوص.
واستغرب البجق وجود مصطلحات تفوق مستوى إدراك الطالب مثل: البيئة، البيئة الطبيعية، البيئة الصناعية، وهذه مصطلحات تحتاج إلى تعلم سابق يسبق الصف الأول، وهذا يتعارض مع طبيعة المرحلة التعليمية التي تبدأ في الصف الأول بحسب البجق، لافتا إلى عدم وجود مرحلة تعليمية إلزامية سابقة للصف الأول، وأضاف: "في حال قررت الوزارة اعتبار الروضة مرحلة إلزامية فيجب تأخير تطبيق المنهاج إلى حين تخرج الدفعة الأولى من مرحلة الروضة بعد اعتمادها كمرحلة إلزامية، وبعد اعتماد منهاج وطني موحد لمرحلة رياض الأطفال يشمل المواد الدراسية المختلفة كون معلومات المناهج ومهارتها تبنى تراكميا".
ورأى ان وجود كتابين بنفس التصميم الخارجي عامل معيق لضمان سير العملية التدريسية بسلاسة، ومربك جدا للطلاب، إضافة إلى ان عدم تطابق صفحات الدروس ومهاراتها بين كتابي التمارين والطالب يصعب المهمة على المعلم، ويعقدها امام الطالب ذي الست سنوات.
حرق مراحل إعداد المنهاج وتجريبه
خبير تربوي يحمل درجة الدكتوراة في المناهج وإستراتجيات التدريس فضل عدم ذكر اسمه، وقال إن عملية تعديل المناهج وتطويرها يجب أن تخضع لمصفوفة المدى والتتابع، ولا بد من مراعاة النظام الداخلي في إعداد المناهج قبل عكسها على كتاب الطالب، والمناهج تعتمد عادة على خبرات سابقة يجب أن يكون الطالب قد اكتسبها قبل تدريسه المنهاج الحالي، وهو ما راعاه الإطار العام والخاص للمنهاج المطور، في حين غفلت عنه القرارات التربوية بالبدء بتدريس الصف الأول بدلًا من رياض الأطفال.
وأضاف أن المنهاج الجديد تسبب بمشكلة متشعبة، فالمنهاج يعتمد على وجود مرحلة تعليمية سابقة "مرحلة الروضة" هي الآن غير إلزامية، ولم تكن إلزامية عندما كان طلبة الصف الأول حاليا في العمر الزمني لتلك المرحلة، ما يعني ان هناك طلابا تعرضوا لتعلم سابق –لا يمكن التأكد من إتقانه- وآخرين لم يتعرضوا لهذه الخبرات.
ومن المفترض البدء بالروضة، وتوحيد المناهج المنفذة في القطاعين الحكومي والخاص.
وأشار إلى أن تغيير المنهاج يجب أن يمر بمرحلة تجريبية من خلال اختيار عينة طبقية عشوائية في أقاليم الأردن الثلاثة، يطبق فيها المنهاج في السنة الأولى ويجرى خلالها متابعة تنفيذه من خلال أدوات علمية تشمل لقاءات مع المعلمين والمشرفين والطلبة وحضور الحصص وغيرها، وتجرى خلالها دراسات يتخذ في ضوئها تقييم إجرائي يترجم إلى قرار حول تعميم المناهج أو تعديلها أو وقفها في السنة اللاحقة.
وبين أن زخم المادة التعليمية سيعيق تنفيذ المنهاج بصورة سلسة تساعد المتعلمين على تكوين خبراتهم، وذلك بحسب كثرة المعلومات ووجود مهارات تفوق الخصائص النمائية للطالب؛ ما يجبر المعلم على تفكيك المهارات الإجمالية إلى مهاراتها التفصيلية التي ستكون على حساب المخطط الزمني لمختلف المهارات الواردة.
وانتقد معلمون طريقة عرض المحتوى التعليمي التي يشوبها عدم مراعاة التسلسل المنطقي في العملية التعليمية التعلمية.
يشار إلى وزارة التربية والتعليم قللت نصاب حصص العلوم في المنهاج السابق إلى حصة أسبوعيا، وذلك بعد أن حذفت محتوى تعليميا يقارب النصف، بينما المنهاج الحالي يحتاج إلى تعديل أسس النجاح والرسوب، وزيادة حصص العلوم لتعود إلى اثنتين أسبوعيا بحسب معلمين.
في حين أن تخصيص خمس حصص لتدريس منهاج الرياضيات غير كاف، ويحتاج إلى زيادة في الحصص الأسبوعية حتى تتم تغطية المنهاج الجديد بنجاح، ودون زيادة عدد الحصص يصعب مهمة المعلم في تدريس المنهاجين بشكل متقن ومتكامل ومناسب.
كتاب العلوم
المعلم رامي أبو محفوظ قال إن منهاج الصف الأول لمادة العلوم بدأ بالحديث عن البيئة قبل تعليم الطالب عن الإنسان، وتعليمه التفريق بين الكائنات الحية والكائنات غير الحية، والأصل تأخير الحديث عن البيئة حتى يدرك الطالب نفسه.
وأضاف لـ"السبيل" أن المفاهيم الواردة في درس العلوم تحتاج إلى خبرات مسبقة، متسائلا: "هل دوري في توفير المتطلبات السابقة للمنهاج الحالي أم تدريس المنهاج الحالي؟"، طارحا تساؤلات حول توفر الأجهزة اللازمة لتعليم المنهاج الجديد في مختبرات مدارس المملكة على اختلاف بيئتها وتباين تأهيلها، مشيرا إلى أن البيئة التحتية اللازمة لتدريس هذا المنهاج غير متوفرة في كل المدارس.
الجدير ذكره أن وزارة التربية والتعليم دربت معلمين على التعامل مع المنهاج الجديد، لكن التدريب كان مقتصرا على معلمي المدارس الحكومية ولمدة قصيرة جدا استمرت ثلاثة أيام فقط، لا تغطي حاجة المعلم، كما استثنت معلمي مدارس الثقافة العسكرية ومعلمي القطاع الخاص و"أونروا" من التدريب على تدريس منهاج وطني موحد.
تدريس المنهاج الجديد سيكون مناسباً بعد عامين
ورأى أبو محفوظ أن تدريس المنهاج سيكون متزنا بعد مرور عامين، معللا رأيه بدخول إلزامية التعليم في رياض الأطفال حيز التنفيذ واعتماد منهاج وطني موحد مطلع العام الدراسي المقبل، وبعدها سيكون طالب الصف الأول مؤهلا لتلقي المقرر الحالي لمادتي العلوم والرياضيات.
مبينا أن الطلاب تضرروا من وجود فجوة تعليمية بين المطلوب الحالي منهم في المقررات الدراسية وبين الواقع، مبينا أن هناك معلمين قادرين على سد الفجوة والخلل الحاصل لدى الطلاب، لكن ليس كل معلمي المملكة على هذه السوية ما يعني أن مشكلات الطلاب سترحل إلى الصفوف اللاحقة.
ولتجاوز الأزمة رأى أبو محفوظ أن إلزامية مرحلة رياض الأطفال ستعالج جزءاً من هذه المشكلة، وأن لجوء الوزارة إلى تدريس المستوى الأول من السلسلة التعليمية الصادرة عن شركة كولينز التعليمية سيخفف من هذه المشكلة، مبينا أن كتابي العلوم والرياضيات للصف الأول هما المستوى الثاني من السلسلة التي تحوي ستة مستويات وليس المستوى الأول.
تغيير المناهج يجب أن يخضع لدراسة دقيقة
الأخصائي التربوي أحمد صافي رأى أن تطوير وتغيير المناهج عملية ملحة للغاية في هذا العصر، وما يشهده من تطور في البيئة المعرفية والاجتماعية، إلا أن هذا التغيير لابد أن يتم بطريقة مدروسة، وأن يكون معداً له جيداً.
وذهب صافي إلى أن من أهم جوانب القصور في عملية التغيير الأخيرة 2019 / 2020 على منهاجي العلوم والرياضيات للصفين الأول والرابع هو أن التعديل السابق على المناهج لم يتجاوز العامين، أي أنه لم يُظهر نتائجه بعد، ولم يتم قياس مدى تحقيقه الأهداف التي صُمم لتحقيقها.
وأوضح: "مستوى المهارات المطروحة للطلبة في هذا المنهاج يرتكز على تعلم قبلي ومهارات لم يمتلكها الطلبة في أعوامهم الدراسية السابقة، مما سبب حالة من الاحباط والغضب للطالب وولي
الأمر وحتى المعلم".
"حيث كان لابد من تدريب المعلمين وإعدادهم جيدا لمثل هذا التغيير قبل دخولهم للغرفة الصفية والتعليم بالمحاولة والخطأ".
وانتقد معلمون خلو منهاج العلوم من القيم الدينية والوطنية، وافتقاده للتوظيف الصحيح لمبدأ تكنولوجيا المعلومات في العمليات التعليمية، خاصة أن الأقراص المدمجة المفترض إرفاقها مع المنهاج غير جاهزة أصلاً.
السبيل