القلعة نيوز:
د محمد العزة
الحديث في هذا المقال لن يحمل في طياته أو يهدف في كتابته نوعا من أنواع المدح والمديح لصاحب العنوان أو غاية لرد جميل لجميل ، لكن هو من باب الأمانة السياسية التي تتطلب وتستوجب وصف مسيرة من العمل والاجتهاد و تعب وأجهاد بذلت في سبيل تحقيق بناء نموذج لمشروع يتبنى الفكر الديمقراطي الاجتماعي التقدمي المدني، ليكون ترجمة واقعية لأحلام و رؤى .
وهذا النوع من النشاط السياسي الوطني لدى رجالات السياسة الأردنية على مدار مراحلها الزمنية و حقبها التاريخية أدى إلى ربط أسمائهم مع حصاد ما تكون وتشكل و أنجز وأصبح نتيجة يتداول بها ويعترف بها كمكون في المعادلة السياسية ، بل أصبحوا إشارة أو رمزا لهذا النمط أو الفكر أو النموذج ، فما أن يذكر يعقوب زيادين يتبادر إلى الذهن الحزب الشيوعي ، وما أن يذكر سليمان النابلسي تتجه الذاكرة إلى الحزب الوطني الاشتراكي الاردني ، ومن قبله حسين الطراونة رئيس مؤتمر الميثاق الوطني الذي دعى له حزب الشعب الاردني آنذاك ، وفي الحقبة الثانية من الحياة الحزبية الأردنية التي بدأت مطلع التسعينات، لا احد ينكر أن هناك أسماء سياسية وازنة ارتبطت بأحزابها امثال المرحوم الباشا عبدالهادي المجالي وتجربة الحزب الوطني الدستوري ، الرفيق منير حمارنة والحزب الشيوعي الاردني ، وامجد المجالي وتجربة حزب الجبهة الأردنية الموحدة ، و دولة عبدالرؤوف الروابدة وتجربة حزب اليقظة ، وغيرهم من الأسماء المرموقة كالمرحوم حسين مجلي الرواشدة ابو شجاع نقيب المحامين الأسبق .
فكانت الحقبة الاولى والثانية من تاريخ الحياة الحزبية الأردنية ، تمتاز برمزية الذات لتلك القيادات كواجهات سياسية لأحزابهم ، واحيانا طغوا عليها و على حضورها وظهروها وسببا في غيابها وتطورها ، وهنا أشير الى الرفيق جميل النمري الذي كان جزءا في تلك المنظومة وشاهدا وناشطا على مساحاتها وميادينها ومنابرها وناله منها عاقبة مصيرها جراء فكرها وخطابها ، صوابها وخطأها ، غناها وفقرها وهنا المقصود الغنى و الفقر الفكري وليس المادي ، صعودها ونزولها ، جمودها و ركودها وتصلبها و تشتت وجهات نظرها و ضياع جهودها وضعف تأثيرها الحزبي الجمعي لصالح التأثير الفردي و نزوحها إلى أقصى يسارها ، هنا تشكلت لدى رفيقنا النمري القناعات بعد تلك المعانات ، قرار العودة إلى أحضان أجواء الطبيعة السياسية المعتدلة التي لا تقبل الفراغ خاصة بعد خلو مساحات اليسار وانحصارها، لتبدأ رحلة النشاط داخل منطقة وسط اليسار لتكون الخيار ، حيث استقرار المناخات و الحوارات ونقاش الثقافات و الأديان والحضارات وتقبل الآراء والبرامج وانبثاق اللجان ومتابعة النشاطات والمعسكرات الشبابية ، والوسطية وحرية التعبير وممارسة الديمقراطية في اتخاذ القرار وصناعة ادواتها من أجل احداث التوازنات في إقامة العلاقات مع باقي اطراف المسطرة الحزبية وتأهيل القيادات لإنهاء حالة الرمزية والفردية في ممارسة القيادة المركزية وكسر مسميات حزب الشخص الواحد واختراق المحرمات التي استحلت و حرمت بناءا على حسابات المصلحة الشخصية ، كل هذا كان نواة البنية التحتية للمشروع الوطني للتغير، الذي أمن به جميل النمري المواطن والمرشح والناخب و الحزبي السياسي والبرلماني ، ليطلق هو و نخبة من رواد الفكر الديمقراطي الاجتماعي ، عنوانا عريضا ممثلا بالحزب الديمقراطي الاجتماعي ، و منظرا لفكر وسط اليسار الديمقراطي ، الذي يؤمن بالعدالة والمساواة والحرية والتضامن ، كأحتياجات للمواطن والوطن وليس مصطلحات داخل اوراق الخطابات ، و حبر على اليافطات ، وهتافات في الفعاليات ، لا بل حزب يؤمن بالنهج والمنهجية والمؤسسية و البرامجية التي تتدفق من ينابيع الديمقراطية الاجتماعية التي تملك تجربة و فلسفة سياسية واقتصادية واجتماعية خاصة بها ، أثبتت نجاحها كنهج بديل للانماط السابقة في العهد القديم القريب، لتحط رحالها في الاردن العظيم ، يغرز اوتادها ويزرع بذورها ، ويشكل هويتها الحزبية السياسية الأردنية ويصبغ الوانها البرتقالية ثلة من الوطنيين الاردنيين المؤمنين بهذا الوطن قيادة وشعبا و وطننا ، وعلى أثره تأسست ونشأة أحزاب ديمقراطية مساندة ومشاركة ومتسقة في الفكر والعقلية واهمها المدني الديمقراطي الذي يدار بثلاثية عدنان السواعير و قيس زيادين و عامر البشير و أبناء المدني ، وهم شركاء مشروع عماده سيادة القانون و حرية التعبير ومدنية الدولة ، والتنمية المستدامة و النهضة و تحقيق الكرامة ، كرامة العيش في حاضنة الرفاه الاجتماعي , كرامة العمل والحصول عليه وإيجاد فرصه وتأهيل كوادره الوطنية ، كرامة الاستغناء والاستعفاف عند التعطل منه أو التعثر فيه، كرامة العلاج عند عدم توفر القدرة على دفع فواتيره ، كل هذه الكرامات هي كرامة واحدة ، كرامة الوطن الاردني الذي يدور هم قيادته الهاشمية بجعل مواطنه محوره .
اختتم هذا المقال الطويل الذي ظننت أنه سيكون قصيرا ، كون العنوان يحمل اسم شخص ولكن في حقيقة الأمر هو تعبير عن حالة الأبوة الروحية للفكرة التي تبناها جميل النمري و رفاقه الذي لولا محدودية مساحة المقال لذكرتهم فردا فردا ، رفيقا رفيقا ، وان ضاقت مساحة الشاشات ، اتسعت لهم مساحة الذكريات وطيب الامنيات ، فهم مستقبل المشروع الوطني الاردني للتغير ، التغير الإيجابي الذي يطالب بتغير مستوى الإدارة ورفع كفاءتها وقدراتها ، وتوطيد الثقة و العلاقة مابين الجماهير وحكوماتها ، لنجعل عنوان المرحلة القادمة الاردن القوي الغني ، الحلم والحقيقة التي حلم و يحلم بها النمري وكل اردني أن يكون وسيكون ، فهل نستطيع ؟
نعم نستطيع