
القلعة نيوز:
تُجمع الأوساط السياسية الإيرانية على أنّ زيارة وزير الدفاع السعوديّ الأمير خالد بن سلمان لطهران، واللقاء الذي عقده مع المرشد الأعلى للنظام السيّد علي خامنئي، والرسالة التي حملها من الملك سلمان بن عبدالعزيز، تشكّل نقلة نوعيّة في العلاقة بين البلدين، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها المنطقة. هذا بالإضافة إلى ما تشهده العلاقة بين إيران والولايات المتّحدة الأميركية والمفاوضات غير المباشرة الحاصلة بينهما وإمكان التوصّل إلى اتّفاق جديد يُنهي حالة التوتّر ويمهّد الطريق أمام حلّ لأزمة البرنامج النووي "المزمنة”.
تنبع الإيجابيّة التي تنظر بها طهران وقيادتها لزيارة المسؤول السعودي وما يمثّله في هرم السلطة والقرار إلى جانب وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، من إمكان الدور الذي قد تضطلع به المملكة العربية السعودية في مستقبل المنطقة من ناحية، وعلى خطّ العلاقة بين طهران وواشنطن من ناحية أخرى.
ترامب وبزشكيان في السّعوديّة؟
جاءت الزيارة السعودية قبل يومين من الجولة الثانية للمفاوضات غير المباشرة بين إيران وأميركا التي احتضنتها العاصمة الإيطالية روما، وجرت على أرض السفارة العُمانية وباستضافة وزير خارجيّة عمان بدر البوسعيدي، وحصلت قبل أسابيع من الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعوديّة، التي من المفترض أن تشهد خطوة حاسمة في موضوع الوساطة التي يقوم بها في الحرب الأوكرانية بين موسكو وكييف، الأمر الذي يجعل من إمكان أن تشهد الرياض مفاجأة من نوع مختلف، مثل لقاء مباشر بين الرئيس الأميركي ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان قد يضع المنطقة على مسار جديد كلّياً يهدم كلّ أسباب التوتّر والتصادم والمواجهة وينقلها إلى مستوى جديد من التعاون والاستقرار.
ليس مستبعداً أن تلجأ طهران إلى التجاوب مع هذه الرغبة السعودية، انسجاماً مع المسار الذي بدأ في العاشر من آذار 2023 وتوقيع الاتّفاق بينهما برعاية صينية، والذي نقل الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية من المواجهة إلى التعاون والانفتاح والتكامل مع محيطها العربي والإقليمي.
إشارة المرشد خامنئي في حديثه مع الزائر السعودي إلى استعداد إيران لتقديم خبراتها للجار السعودي، لا تخرج عن إطار هذه الرغبة في تعزيز التعاون
قد تكون الحاجة الإيرانية في هذه المرحلة، في ضوء التراجع الذي أصاب مشروعها في الإقليم نتيجة الضربات التي تعرّض لها في لبنان وسوريا، أكثر إلحاحاً على القيادة الإيرانية لتعميق هذه الاستراتيجية والتخلّي عن سياساتها الماضية، واستغلال فرصة التفاوض لتعزيز الثقة بنواياها ورغبتها في الانتقال إلى سياسة التعاون. وهو مسار يختلف عمّا كان في السابق عندما كانت طهران تشعر بامتلاكها فائض قوّة يسمح لها بفرض إرادتها على الآخرين، أو التعامل معهم من موقع مختلف.
لذا على القيادة الإيرانية اغتنام الحالة الإقليمية المرافقة للمفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة، وحالة التأييد والترحيب التي تحظى بها، والتي تشكّل تحوّلاً جذرياً في المواقف الإقليمية، خاصة العربية، التي كانت سلبية من اتّفاق عام 2015، الذي لم يأخذ بمخاوف وهواجس الدول الخليجية من الطموحات الإقليمية الإيرانية والتهديد الذي كانت تشكّله والتدخّل الذي كانت تمارسه في الشؤون الداخلية للدول الإقليمية.
خشية إيرانيّة من عدم التزام أميركيّ
على الرغم من جولتَي المفاوضات في عُمان وروما التي وصفها طرفا التفاوض بالإيجابية، بالإضافة إلى الخطوة المتقدّمة التي خرجت بها مفاوضات روما بتشكيل فريق فنّي وخبراء من كلا الطرفين لبحث تفاصيل وآليّات التعامل مع مسألتَي رفع العقوبات من جهة، وأنشطة تخصيب اليورانيوم وكيفيّة تعزيز الثقة بالأهداف السلميّة لإيران، يبدو أنّ لدى الجانب الإيراني مخاوف من عدم التزام الرئيس الأميركي أيّ تعهّد يعطي إيران حرّية الوصول إلى الأموال المجمّدة في الخارج، خاصّة في ظلّ الحروب الاقتصادية التي يخوضها والتي تجعل من الصعب عليه التفريط بأيّ مصادر ماليّة من أجل أيّ طرف غير أميركي.
على القيادة الإيرانية اغتنام الحالة الإقليمية المرافقة للمفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة، وحالة التأييد والترحيب التي تحظى بها
بُعدان للاستراتيجية الإيرانيّة
من هنا يبدو أنّ الاستراتيجية الإيرانية في التعامل مع المفاوضات تقوم على بعدين:
1- التعاون والتجاوب والإيجابية في حلّ أزمة الملفّ النووي بأقلّ الخسائر الممكنة وضمن السقوف التي تحفظ خطوطها الحمر، خاصة في ما يتعلّق بالسقوف العالية التي تقضي بإنهاء كلّ عمليّات التخصيب على الأراضي الإيرانية، وبالتالي إفراغ طموحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتكرار النموذج الليبي.
2- تعزيز انفتاحها وعلاقاتها على محيطها العربي والإقليمي بما يسمح لها بتوظيف إيجابيّة التفاوض وأيّ اتّفاق بالحدّ الأدنى يلغي العقوبات ولو جزئيّاً، من أجل استقطاب الاستثمارات العربية، وفي مقدَّمها الاستثمارات والمشاريع السعودية خاصّة أنّ القيادة السعودية أعلنت قبل سنتين رغبتها في الاستثمار في إيران بالتزامن مع ارتفاع الآمال بإمكان التوصّل إلى تفاهم بين إيران والإدارة الأميركية بقيادة الرئيس السابق جو بايدن.
تنبع الإيجابيّة التي تنظر بها طهران وقيادتها لزيارة المسؤول السعودي وما يمثّله في هرم السلطة والقرار إلى جانب وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان
إشارة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في حديثه مع الزائر السعودي إلى استعداد إيران لتقديم خبراتها للجار السعودي، لا تخرج عن إطار هذه الرغبة في تعزيز التعاون، وتحمل كلاماً مبطّناً عن رغبة وترحيب إيران بالاستثمارات السعودية. وهذه الرغبة المتبادلة تستبطن أيضاً التزاماً بالتعاون من كلا الطرفين، وتحديداً الجانب الإيراني، المدعوّ إلى إبداء نوايا جدّية بالمسائل الإقليمية التي تشكّل محور اهتمام القيادة السعودية، خاصة تلك المتعلّقة بالساحتين اليمنيّة واللبنانية. إذ تحرص الرياض على عدم تحويل الأولى إلى أزمة مستمرّة تعيق أيّ استقرار في الخليج وتهدّد استقراره، وعلى التعاون في الثانية من أجل تعزيز مسار إعادة بناء الدولة وتثبيت سلطتها وضرورة الضغط على حليفها اللبناني لتسهيل هذه المهمّة، خاصة في ما يتعلّق بمستقبل سلاحه.
لا تلغي هذه الأولويّات الاهتمام السعودي بالساحتين العراقية والسورية، وضرورة انتقال إيران للتعامل معهما من منطلقات مختلفة تسمح بنجاح التجربة السورية الجديدة وتعيد الثقة الدولية بالسلطة العراقية.
قد يشكّل الطموح السعودي إلى التجاوب الإيراني المنطلقَ الذي يدعم موقف الرياض، أو موقف كلا الطرفين في مواجهة الطموحات والمخطّطات التي يعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويمنح التعاون الإيراني الإيجابي الرياض ورقة قوّة ويعزّز موقفها في تعطيل أيّ توجّه داخل الإدارة الأميركية يتجاوب مع رغبات تل أبيب الإقليمية.