
القلعة نيوز - تحمل مدينة مادبا لقب "مدينة الفسيفساء" عن جدارة، إذ تزخر بإرث حضاري غني يميزها بين مدن الأردن، خاصة في "فن الفسيفساء" الذي يتجلى في تفاصيل معمارها وتاريخها.
ومن أبرز شواهد هذا التراث، أقدم أرضية فسيفسائية مكتشفة في الأردن، والتي تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، حيث تم العثور على هذه الأرضية في قلعة "مكاور" التاريخية، وتعرض حاليا في المتنزه الأثري وسط المدينة، وفقا لما تؤكده بيانات دائرة الآثار العامة.
وقال مدير مديرية آثار محافظة مادبا، عبدالله البواريد، لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن "فن الفسيفساء" لا يمثل عنصرا جماليا فقط، بل يعد سجلا بصريا يسهم في فهم التاريخ، ويعكس غنى الثقافة الإنسانية وتعدد روافدها.
وأضاف أن مادبا تمثل أنموذجا حيا على أهمية دراسة الحياة اليومية في العصور القديمة، فمن خلال اللوحات الفسيفسائية المنتشرة في المدينة، يمكن التعرف على الأنشطة الاقتصادية كـ(الزراعة والصيد)، والبيئة الحيوانية والنباتية، وأزياء السكان، بل حتى الأدوات الموسيقية المستخدمة آنذاك، حيث توثق الأرضيات الفسيفسائية أسماء مدن وقرى كانت مأهولة في تلك الفترات، ما يعزز من قيمتها التاريخية.
وبين أن "آثار مادبا" تبذل جهدا استثنائيا للحفاظ على الأرضيات الفسيفسائية من خلال كوادر فنية متخصصة في الترميم والتوثيق، مشيرا إلى أنه تم تنفيذ مشروع توثيق شامل لهذه الأرضيات، شمل إنشاء قاعدة بيانات تتضمن رقم اللوحة، مصدرها، موضوعها، حالتها الحالية، وتوثيق المشكلات التي تواجه هذه الأرضيات سواء الجدارية أو المنقولة أو الموجودة في مواقعها الأصلية.
وقال: "شملت قاعدة البيانات 25 لوحة فسيفسائية، منها أرضيات في مكانها الأصلي، ومنها جداريات تم نقلها إلى مواقع مختلفة في مادبا لعرضها للزوار، وهي موزعة في الأماكن التالية: المتحف الأثري، المتنزه الأثري، القصر المحترق، كنيسة الرسل، الكاتدرائية، وتل مادبا الأثري".
وأضاف أن بعض الأرضيات الفسيفسائية تتضمن أسماء مدن ومواقع جغرافية، ما يجعلها مصدرا مهما في دراسة الطوبوغرافيا التاريخية، كالأرضيات المكتشفة في كنيسة الخارطة في مدينة مادبا، وكنيسة الأكروبوليس في ماعين.
وبين أن دائرة الآثار اعتمدت 3 منهجيات رئيسية في الحفاظ على الفسيفساء؛ أولها جمع البيانات من خلال مراجعة المصادر العلمية والمراجع التاريخية التي تناولت الفسيفساء في مادبا، بالإضافة إلى دراسات الترميم السابقة، أما المنهجية الثانية، فتقوم على توثيق المشكلات من خلال زيارة المواقع وتوثيق المشكلات الفنية التي تعاني منها الأرضيات الفسيفسائية باستخدام التصوير، والقياسات الدقيقة، ورسم خرائط توضح مكامن التلف والضرر، فيما تركز المنهجية الثالثة على وصف دقيق للأرضيات الفسيفسائية من حيث الأشكال المصورة (آدمية، نباتية، حيوانية، هندسية)، وتحديد الألوان والعناصر التركيبية للمكعبات الفسيفسائية.
وتأسست في مادبا "مدرسة فسيفساء مادبا" عام 1992 للحفاظ على هوية مادبا الفسيفسائية، إلى أن تحولت إلى "معهد مادبا لفن الفسيفساء والترميم" عام 2007، ليمنح درجة الدبلوم في مجال إنتاج وترميم الفسيفساء.
من جهته، قال عميد المعهد، الدكتور أحمد العمايرة، إن المعهد يساهم، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة وفي مقدمتها وزارة السياحة والآثار، في الحفاظ على تراث الفسيفساء في الأردن، وتدريب الكوادر الفنية، والعمل على ترميم القطع الأثرية، ونشر الوعي بأهمية فن الفسيفساء، بما يعزز مكانة مادبا كمركز عالمي لفن الفسيفساء.
وأضاف أن المعهد قام بترميم وصيانة قطع أثرية فسيفسائية موجودة في مادبا، ومكاور، والمغطس، وأم الرصاص، كما تم تدريب كوادر من دائرة الآثار العامة على أعمال صيانة وترميم الفسيفساء في موقع المغطس، حيث تعاني الأرضيات من نسبة عالية من الأملاح في تربتها، وتم العمل على إيجاد مواد تتلاءم مع طبيعة التربة باستخدام الطرق العلمية الحديثة.
وبين أن المعهد يقوم حاليا بترميم جدارية الطريق الملوكي الواقعة في مركز زوار مادبا، والتي أنتجت بأيادي زوار الأردن باستخدام الطرق العلمية الحديثة، وتعد الأكبر على مستوى العالم، بطول 30 مترا وارتفاع 6 أمتار.
وفي مجال التدريب على الإنتاج الحديث، يقدم المعهد برامج تدريبية متخصصة في مجال إنتاج الفسيفساء لأبناء المجتمع المحلي، مما يؤدي إلى تأهيل متدربين مهرة قادرين على العمل في هذا المجال، ويتيح لهم فرص العمل في القطاع الخاص أو إنشاء مشاريعهم الخاصة.
وتنتشر في مادبا مشاغل الفسيفساء، والتي بلغت، وفق إحصائيات مديرية سياحة مادبا، 18 مشغلا، تضفي طابعا جماليا على المدينة، وتقدم اللوحات الفسيفسائية لزوار المدينة ولمن يرغب بتزيين منزله بهذه اللوحات الجميلة، مما يجعلها مصدرا للتشغيل لأبناء المدينة.
--(بترا)