تحسين أحمد التل
سؤال طرحه العديد من المحللين السياسيين في العالم العربي، هل إسرائيل دولة صهيونية، أم دولة يهودية، أم دولة منفتحة تشكل ذراعاً للحركة اليهودية العالمية، وللإجابة على هذا السؤال المتشعب، علينا أن نفسر كل معنى على حدة، قبل أن نشير الى معنى واحد فقط.
إسرائيل قامت عام (1948)، وأعلن قيامها ديفيد بن غوريون داخل الكنيست، واعترفت بها عشرات الدول خلال ساعات، وحصلت على العضوية في هيئة الأمم المتحدة، بالرغم من أن (الدولة) الإسرائيلية لا يوجد لها حدود كغيرها من الدول، وهي تتمدد وفق عمليات الإستيطان، أو الإستعمار، كلما تم تهجير مئات وآلاف اليهود من أماكنهم في الغرب أو الشرق الى فلسطين المحتلة.
إن المتابع لتشكيل الحكومات الإسرائيلية، يلاحظ أنه لم تتشكل حكومة معتدلة في تاريخ إسرائيل المظلم، لم تفتعل حرباً، أو تتوسع على حساب الدول المجاورة، أو ترتكب مجازر وحشية بحق الشعب الفلسطيني والعربي، ما عدا حكومة واحدة استطاعت الولايات المتحدة الضغط عليها لتوقيع اتفاق أوسلو الذي ضيع القضية الفلسطينية ونزعها من جذورها، وكانت الحكومة التي لم تستمر طويلاً بعد مقتل رئيسها.
إسرائيل تضم مجتمعات صغيرة متباعدة فكرياً، ودينياً لكنها تجتمع في إطار دولة تحتوي على يهود متطرفين، ينتمون الى (الحريديم)، يتمسكون بمفهوم الدولة الدينية الخالصة، ويتفرع منها جيش، ومؤسسات أمنية، وأحزاب سياسية، تعتمد على انتخابات ديمقراطية تتشكل من خلالها حكومات بأغلبية نيابية، تمنح الحكومة سلطة مطلقة على كل مؤسسات الدولة.
إذن؛ هي دولة شبه دينية، تعتمد على متشددين، لكنهم لا يستطيعون جر الدولة الى المعبد، للسيطرة على السياسيين المعتدلين، والمتطرفين؛ دينياً، وهنا يتشعب نظام الحكم بين مجموعات من المتشددين، لكنهم ليسوا من الحريديم، وبين غيرهم من مكونات (الدولة) الإسرائيلية.
تتمسك الحكومات التي مرت عبر هذا التاريخ القذر، بمنهج التشدد بشكل عام، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة الحقوق الفلسطينية المشروعة، أو أية حقوق عربية مطلوبة من إسرائيل، بناءً على إتفاقيات السلام الوهمية الموقعة، وقد خسر فيها العرب أضعاف أضعاف ما كسبته إسرائيل من هذا السلام الوهمي.
لقد حاولت الدولة العميقة ومن يحكمها من رموز يهودية، أن تجعل من إسرائيل دولة دينية خالصة، فاصطدمت هذه الأفكار بنماذج الفكر الصهيوني الحر الذي يؤمن بديموقراطية الدولة النابع من القاعدة الشعبية، إذ ما بين الأفكار المتشددة، المتطرفة، والأفكار المعتدلة ظهر تيار يؤمن بالدولة المنفتحة على كل الخيارات، دون أن يؤثر ذلك على جوهر الدولة وإطارها العام.
بالمحصلة؛ تعتبر إسرائيل دولة يهودية بالإسم، بالرغم من أن الذي أسسها على أرض فلسطين هي الحركة الصهيونية التي ظهرت كحركة سياسية في أوروبا، أواخر القرن التاسع عشر، وكان الهدف المعلن للحركة: تأسيس ودعم دولة قومية يهودية في فلسطين، ظاهرياً؛ لكن في الحقيقة، الصهاينة هم أبعد ما يكون عن الديانة اليهودية التي تمنع قيام دولة لليهود في فلسطين.



