القلعة نيوز-
تستعيد الكاتبة أمل المشايخ في كتابها «رسولة العطر» الصادر عن « الآن ناشرون وموزعون» بعمّان بعض الرسائل والنصوص والحوارات التي كانت تبادلتها مع رفيق دربها الراحل الشاعر عاطف الفراية.
وهي ليست مجرد نصوص تداوليّة، بل قطع أدبية مكثفة، بلغة شعرية عذبة، تعج بالصور، وتنطوي على مساحة كبيرة من المشاعر والعواطف المليئة بالحس الإنساني الشفيف، والجماليات الفنية والأسئلة الوجودية التي تجعل منها نصوصا تنتمي لقصيدة النثر أحيانا، والومضة والقصة القصيرة جدا أحيانا أخرى.
وتنتمي هذه النصوص إلى ما يمكن أن يسمى أدب الرسائل في بعده الحداثي ولغته المعاصرة وتقنياته التي تفيد من تقنيات العصر، لتعيد نشر نصوص «رسولة العطر» دون تعديل أو تغيير.
وتقول الكاتبة أمل المشايخ: «هذه نصوص فيها لغة من الشعر.. تركتها هكذا كما قُدّر لها أن تخرج من القلب والروح.. فيها من الذكريات الكثير، وفيها من حواريات مشتركة (قال ..وقلت)، وفيها مراسلات ورد على الخاص، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي..».
وإذا كانت فكرة الكتابة هي تعبير عن السعي للخلود، فإن ما كتبت المشايخ يمثّل استحضارا للغياب الذي ينكر الفناء، ويرى الحياة فيها بمقدار ما نتذكر، وما يمكن معه من استعادة الغياب بحضور النص.
«كلانا حاضر/ كلانا غائب/ تعب ذياك الهدهد الطيب فيما بيننا/ امتلأت الأسفار، ولما يبزغ الفجر/ على الدرب إسراء الشوق/ وفي الأفق معراج الحنين».
و»رسولة العطر» كتابة لا تركن للحالة الاستذكارية الندبية، بل تُقدّم نصوصا غنية تختزل التجربة، وتنوع بين الومضة والقصة القصيرة واللقطة الفوتوغرافية والصورة السينمائية، ورجع الحلم بجماليات البلاغة التي تقوم على المجاز والتناص، وتشابكات النصوص مع صوت الشاعر عاطف الذي يبدو هامسا في تلافيف الكلام، وتورق مفرداته كشائق النعمان في فضاء النص، تسيل الكلمات خافتة بين مفردات الكاتبة وأصداء صوت يجيء من بعيد كصوت ناي لراع يترد لحنه على سفوح الجبال وقيعان الوديان، هو الصوت الذي لم يكتمل وبقي معلقا بين الأمنيات والأحلام والحضور والغياب.
يشتمل الكتاب الذي يقع في 132 صفحة من القطع الوسط على 94 نصًا، وخمسة نصوص بعنوان أغنيات للحرية، وهي في الحقيقة رسائل حب، ولكنها تشعُّ بألم لا يتوقف عند ملامسة الجلد بل ينفذ لمسام الروح، وجدران القلب، ألم شفيف مزخرف بحرير اللغة وألوان قوس قزح، وحرقة الحرف وماء الشعر حينما ينز من الجرح بلون الدم، ويترك خدوشا لا تندمل، وألم يضارع ما نبحث عن الحرية التي نحلم بها فنقع في وجعها حينما ننكأ الذكريات.
«رسولة العطر»، مجموعة من نصوص الغزل المؤجل التي خبأتها الكاتبة للقاء، بوح يوؤل باستحضار الغياب، نصوص تسعى لخلودها بالكتابة على جدار الروح، تنقشها على حجارة جبال شيحان وقيعان أوديتها، لا لتحقق الذكرى فحسب، وإنما لتجعل من ذلك الغياب حضورا متحققا وواقعيا في النص، كما هو في الحياة باستعادة أسطورة الفينيق، ولكن بصوت أمل وحكايتها.
ومن «طائر الفينيق»: «في كلِّ مساءٍ يأتي طائرُ الفينيقِ يحملُني/ وقبلَ أنْ يغدوَ رمادًا أتسلَّلُ منْ مدارِه عَلِّي أصلُ إليكَ/ بالأمسِ - وللمرَّةِ الأولى - ترفَّقَ بي الفينيقُ/ لمْ يغدُ رمادًا/ طارَ بي بعيدًا بعيدًا.../ تحتَ السِّدرةِ كنَّا ندورُ/ ندورُ ثمَّ ندورُ/ أردْنا أنْ نرسمَ قلبًا وحرفين/ كما يفعلُ عاشقان صغيران/ يتجرَّعان كأسَ الحبِّ للمرَّةِ الأولى/ على السِّدرةِ ثمَّةَ صِغارٌ يطوفون بالعاشقين/ كانوا يعابثون الفينيقَ/ ويصفِّقُ بأجنحتِه/ ما زلْنا نحاولُ أنْ نرسمَ قلبًا وحرفين/ عادَ الفينيقُ إلى الأرضِ وحيدًا/ يا بؤسَها الأحلام!».