تسارعت وتيرة المنافسة بين شركات السيارات في السنوات الأخيرة، لطرح طرازات حديثة مزودة بتقنيات متطورة مرتبطة بالإنترنت ويمكن من خلال التحكم في كل شيء؛ ابتداء من فتح السيارة وتشغيلها وحتى إيقافها وركنها، بيد أن العديد من التقارير الدولية حوت تحذيرات لخبراء من أن التقنيات الجديدة قد تشكل خطراً على خصوصية الأفراد، كونها تجمع الكثير من المعلومات عن السائقين وتنقلها للشركة المصنعة.
الأمر ليس مقتصراً على معرفة الشركة المنتجة طريقة قيادة السيارة والسرعة، وإنما بإمكانها الحصول على معلومات تحوي أدق التفاصيل عن قائد السيارة ابتداء من وزنه وحتى عاداته وهواياته ومع من يتحدث، والأغاني أو محطات الراديو التي يفضل الاستماع إليها، والأماكن التي يزورها.
ومؤخراً اتخذت شركات السيارات خطوات نحو دمج المركبات مع الهواتف المحمولة الذكية، ما يزيد من فرص تتبع صاحب المركبة أينما كان، وعدّ أنفاسه، وفق خبراء التكنولوجيا، بينما لا يمكن ملاحقة الشركات قانونياً باختراق خصوصية الأفراد لوضعها بنوداً في عقود البيع، تعتمد بشكل كبير على اتفاقية الخصوصية، التي يوقع عليها المستهلك دون معرفة ما تحتويه بنودها، مما يحمي الشركات بشكل قانوني ويتيح لها جمع المعلومات دون قيود.
بيل هانفي، رئيس جمعية العناية بالسيارات، ذكر في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز، في مايو/ أيار الماضي: "إنهم يعرفون سرعتنا في القيادة وأين نسكن وكم طفل لدينا، فقط قم بتوصيل هاتفك بالسيارة وستدرك السيارة بمن تتصل وترسل الرسائل النصية".
وأشار هانفي إلى أن شركات السيارات تستطيع استخدام تلك البيانات لمعرفة شخصيات المستهلكين، وطباعهم، وبذلك تصميم حملات دعائية تناسب احتياجات المستخدم لتلك المنتجات.
ويمكن للشركات المصنعة أيضاً تتبع الخدمات التي يفضل مالك السيارة استخدامها، ومحاولة تعزيزها.
كذلك يمكن لتلك الشركات بيع البيانات التي قامت بجمعها من مستخدميها بمبالغ طائلة، للشركات الأخرى التي تساهم في تصميم أنظمة السيارات، وتطبيقات الهواتف وتطبيقات الموسيقى، حتى يمكنها معرفة الأشياء التي يفضل الأشخاص استخدامها.
وفي وقت سابق من العام الجاري، ذكر موقع صحيفة تلغراف البريطاني أن بعض السيارات قادرة على تتبع كل شيء، مثل موقع السيارة، والسرعة التي تقود بها، والأغاني أو محطات الراديو التي تفضل الاستماع إليها.
وعلى سبيل المثال، كشفت شركة بي إم دبليو الألمانية، قبل أشهر، عن نظام مساعدة ذكي للسائقين، قادر على التعرف إلى أغنية السائق المفضلة، ودرجة الحرارة التي يفضلها، والطرق التي اعتاد على القيادة عبرها، ليرسل أحدث الأخبار المتعلقة بالطرق وازدحامها إذا رأى أن السائق يقود في منطقة معتادة، حتى وإن كان نظام الملاحة مغلقًا.
ويبدو أن مدخل الشركات لمعرفة كل شيء عن قائدي المركبات سيتعزز أكثر خلال الفترة المقبلة من منطلق حماية السيارات من القراصنة، إذ اتخذت خطوات نحو التعاون مع شركات تكنولوجية لتطوير برامج لحماية المركبات المتصلة بالإنترنت من المتسللين.
وفي أغسطس/ آب من العام الماضي، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية تقريرا ذكرت فيه أن صانعي السيارات يجمعون كمية هائلة من البيانات من السيارات حديثة الصنع بعد بيعها، ويبحثون في كيفية الاستفادة منها في جمع المزيد من الأموال.
وقالت الصحيفة إنه مع ملايين السيارات التي تخرج من منافذ البيع وأجهزة الإنترنت المدمجة فيها، تحصل الشركات المصنعة على كميات غير مسبوقة من البيانات الفورية التي تسمح لها بتعقب كل شيء، ابتداء من المكان الذي توجد فيه السيارة إلى الكيفية المتوقفة بها وما إذا كانت ماسحات الزجاج تعمل أم لا.
ويتم إنتاج هذه البيانات بواسطة الحواسيب المدمجة بالسيارة، ومن ثم تُخزّن بواسطة الشركة المصنّعة بخوادم سحابية. وفي بعض السيارات الحديثة يصل عدد هذه المعالجات المخصصة لإنتاج هذه البيانات إلى مائة معالج إلكتروني.
ويقوم بعض مصنعي السيارات حاليا بتجميع البيانات للمساعدة في تحسين أداء السيارات وتطوير بعض المزايا، كما تستخدمها أيضا في توفير خدمة أكثر تخصيصا للأفراد والسائقين. لكن كثيرا من منتجي السيارات لديهم خطط كبيرة تشمل استخدام البيانات لإنتاج إعلانات يشاهدها من هم داخل السيارة، أو بيعها لشركات تصميم الخرائط الأكثر تفصيلا لتوفير معلومات أكثر دقة عن حركة المرور.
وتتوقع شركة ماكنزي الأميركية للإدارة والاستشارات أن تصل عائدات بيانات السيارات إلى نحو 750 مليار دولار حتى عام 2030.
ولا تخفي شركات صناعة السيارات ما تفعله عن المشترين في عقود الشراء، لكنها تفعل ذلك في بنود شبه مخفية وصغيرة الحروف في هذه العقود. وحسب شركة "غارتنر" للأبحاث التكنولوجية، فإنه بعد 5 سنوات ستكون كل السيارات التي تباع في الولايات المتحدة وأوروبا مزودة بأجهزة إلكترونية لمتابعتها.
ومطلع العام الماضي نقلت صحيفة واشنطن بوست عن ليزا روزنر، مسؤولة كبيرة في شركة "أوتونومو" المتخصصة في معلومات السيارات الإلكترونية قولها إن "شركات صناعة السيارات لم تعد فقط ميكانيكية، ولكن أيضاً إلكترونية".
العربي الجديد