شريط الأخبار
الملكة رانيا: الإثنين غاليين على قلبي بس الجاي أغلى.. الله يتمم بخير بتوجيهات ملكية ... رئيس الديوان يطمئن على صحة الوزير الأسبق عيد الفايز "أوتشا": قيود الاحتلال تمنع الوصول للرعاية الصحية في الضفة الغربية تقرير: تنسيق مصري أميركي لعودة النازحين إلى شمال غزة الولايات المتحدة تبدأ أكبر عملية ترحيل لمهاجرين غير نظاميين استطلاع: تراجع شعبية نتنياهو وارتفاع المطالب باستقالته هولندا تتصدر القائمة الأوروبية لجهة الصادرات الأردنية العام الماضي ايمن الصفدي .. الصوت الأردني الذي وصل كل ارجاء العالم ، حنكة دبلوماسية ودفاع عن الحق أجواء باردة نسبيا في أغلب المناطق اليوم وغدا وعدم استقرار جوي الأحد ترمب يحظر على الاحتياطي الفدرالي تطوير عملة رقمية مليون دينار قيمة صادرات المملكة إلى الاتحاد الأوروبي حتى تشرين الثاني لعام 2024 الصبيحي : أتحدّى وزير العمل البكار أن يأتي برقم دقيق حول عدد العمالة الوافدة .. تراجع الفاتورة النفطية للمملكة بنسبة 8.6% خلال 11 شهرا من العام 2024 "الطيران المدني": البت بتسيير رحلات جوية من الأردن لمطار حلب الدولي في القريب العاجل الأردنيون يؤدون صلاة الاستسقاء اليوم وزير الداخلية يعلن اطلاق خدمة الشهادات الرقمي مطلع الشهر المقبل وزير الداخلية مازن الفراية يلتقي المدير الاقليمي للمنظمة الدولية للهجرة سوريا .. تجميد الحسابات البنكية لشركات وأفراد مرتبطين بالأسد وزير الصناعة : دعوة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع سوريا ‏الصفدي: تلبية حقوق الفلسطينيين في الحرية والدولة المستقلة هو أساس السلام.

د. الهزايمة يكتب من قطر :"قصة الفيلم الامريكي " أن تكون هناك"... وواقعنا الثقافي

د. الهزايمة يكتب  من قطر  :قصة  الفيلم الامريكي  أن تكون هناك... وواقعنا الثقافي


"تقودنا ثقافة الصورة والحرية المطلقة والنسق الشعبوي إلى بيت من زجاج بلا ستائر وغير آمن، نكون فيه كاشفين مكشوفين، وعندها لن نتمكن مهما اجتهدنا أن نمنع نفاذ أشعة الشمس أو المتطفلين أو الدخلاء."

القلعة نيوز - د. منصور محمد الهزايمة

ينتقل بنا قطار الثقافة سريعا، لا يكاد يستقر في محطة حتى يغادر إلى غيرها، ولا يترك لنا فرصة لالتقاط الأنفاس أو الاسترخاء، ولا يمنح فرصة للتأمل أو التفكير في أي محطة قادمة يتوقف بها، وما ستؤول اليه حالنا، وربما كانت السلبية -حتى لا أقول الخطورة -هي أننا نبدو في هذا العالم متلقين لا منتجين، مجبرين بأن نتماهى مع أنماط الثقافة المتجددة دائما، أمّا أبرز مظاهر هذا التجديد اليوم فهو هيمنة النسق الثقافي الشعبي بعدده وتعدّده.
في سبعينيات القرن الماضي أُنتج فيلم أمريكي بعنوان "Being There" أي "أن تكون هناك"، أثار الفيلم وقتذاك اهتماما بالغا في الأوساط الثقافية، حيث تعرضت قصته لمسألة التحول من الأنساق الثقافية المعتادة إلى الصورة المتحركة، وكيف بات جهاز التحكم بالشاشة الملوّنة يتحكم بالناس وليس العكس.
تدور القصة حول رجل خمسينيّ يعمل بستاني في قصر رجل ثري، ينشغل بين حديقة القصر ومتابعة الشاشة الملوّنة، بحيث لا يكاد يضع جهاز التحكم من يده، يُقّلب الصور كما يشاء، وطيلة عمله هذا لم يغادر القصر.
عاش الرجل لا يعرف غير سيده، ولا يهتم بغير عمله، فنشأت علاقة خاصة بينه وبين الشاشة بواسطة جهاز التحكم، والصورة التي لا تعجبه يهرب منها بلمسة زر، كم كان البستاني مفتونا بعالمه المريح!
فجأةً يموت السيد، ليجد البستاني نفسه خارج القصر فاقدا لعمله، مصدوما لا يلوي على شيء، فقد نُزع من عالمه الغارق به ما بين الحديقة والتلفاز، وأُلقي به في عالم مجهول.
غادر القصر لا يملك شيئا سوى جهاز التحكم، حمله في جيبه، خرج إلى الشارع، فكانت أول مواجهة له مع العالم الجديد أن تعرض لهجوم لفظي وجسدي من عصابة من الشباب، فما كان منه إلاّ أن أخرج جهاز التحكم من جيبه يؤشر به نحوهم ليغير المشهد، لكنّ الجهاز لا يستجيب، يتنقل بين أزراره حتى يتخلص من الصورة المزعجة كما العادة، لكنها لا تتزحزح، فينسحب فاقدا للحيلة.
تتعرض قصة الفيلم لمرحلة انتقالية، ودّع الناس فيها أنماط الثقافة المعتادة من الكلمة المقروءة بشتى صورها إلى الصورة المتحركة، فالصورة كما يتصورون تعكس الحدث تماما، حتى أن البعض لم يعد يميز بين الواقع الحقيقي والواقع الصوري، وبات الخبر من شاشة التلفاز يمّثل لديهم عين اليقين، فتبعا لاعتقادهم هم شهود عيان، إتكّاءً على مقولة " ليس من رأى كمن سمع" ليستسلموا لسيطرة الصورة وجهاز التحكم بها، جاهلين أو غافلين عما يحف بالصورة من إخراج ومونتاج.
تنتهي القصة بأن الرجل استطاع العودة من عالم الصورة إلى عالم الواقع، فقد كانت المرحلة ما زالت بِكرا، مما ساعد الرجل ليعود من عالمه الصوري إلى العالم الحقيقي، لكنّ واقعنا اليوم يأخذنا في اتجاه مغاير من عالم الواقع إلى عالم الصورة.
يشبه واقعنا الثقافي اليوم ساكن بيت الزجاج، يرى من وما في الخارج، يرتاح لذلك، ويُسر به، وبنفس الوقت لا ينتبه أو يهتم بأنه مكشوف لغيره، يسعد بما يمتلكه من حرية مطلقة لا سقف لها، وينشأ عن ذلك صراع حريات، فحرية الفرد تحتك بحرية أمثاله من الأفراد أيضا، وهنا لا يمكن أن تبجل حرية التعبير بقدر ما تبارك مسؤولية التعبير، تلك التي تحرص على ثوابت المجتمع وقيمه، وتراعي الخصوصية الفردية، ولن تستقيم الحرية إن هي تجردت من المسئولية، فلك أن تفعل كل ما لا يضير غيرك، والحرية سلعة غالية لكنها ليست مجانية.
كم يثير الدهشة أن ترَ الكثيرين ممن يحملون القابا أو درجات علمية يتفاخرون بها، يتداولون منشورات لا يحظى مضمونها بشيء من المصداقية، أو الفائدة الحقيقية، أو القيمة العلمية، والأخطر أنها مجهولة الهوية، وبقليل من التأمل نجد أنها تتقصد الاستقطاب، والجذب الجماهيري لا أكثر، لكنّ المشاركة الوجدانية التي تمنح الوقود والطاقة الإيجابية للأخر فهي ممّا لا أعنيه.
همسة في أذن من يريد إطلاق عصفورته الزرقاء، أو ينتج منشورا أو يدّوره، فلا أقل من أن تحرك الوازع الذاتي الإنساني والأخلاقي ولا تسمح لأصابعك أن تقوم مقام عقلك، بل ينبغي أن تفكر بكل كلمة أو صورة تريد إرسالها إلى الناس، بحس من الرقابة الذاتية، فأنت لا تخاطب نفسك، وإنما تخاطب غيرك، وعندما تخاطب الغير فأنت ملزم بشروطهم وجوبا. في زمن البستاني كانت الصورة مؤسسية تخضع لشيء من الرقابة، بينما هي اليوم فردية لا ينفع معها حجب أو رقابة، اليوم يمتلك الفرد حرية التعبير، لكن هل يستشعر المسئولية عنها؟
تقودنا ثقافة الصورة والحرية المطلقة والنسق الشعبوي إلى بيت من زجاج بلا ستائر وغير آمن، نكون فيه كاشفين مكشوفين، وعندها لن نتمكن مهما اجتهدنا أن نمنع نفاذ أشعة الشمس أو المتطفلين أو الدخلاء
* كاتب واديب - دولة قطر.-الدوحة -