القلعة نيوز_نيرسيان أبوناب
على حافّةِ الغُميصَاءِ أنجبَتْني إمرأةٌ شقراء
تكدّسَتْ من اِنسحاجِ كَفّها هالةٌ واهِجة حولَ جُرْمٍ سماويٍّ اقتبسَ من ذاتِها وَجهاً لهُ
وعلى حينِ غِرَّةٍ، انزلقْتُ بِقماطي المُبرقَشِ ووجهي الملائكي من تلك الحافّةِ الملساء لأجدَ نفسي مستلقياً بينَ عظمَتَي عُنُقِ أُمِّ عَدنان > ..
أُمّاهُ.. أُمّاهْ..
صرخْتُ في مسمعيها ولم تُنجَبْ بِنْتُ شَفَةٍ أُخرى من ثغري
فمنذُ صِغَرِ سِنّي، منذُ أن أرضعتْني البلاغةَ من نِهْدِ البَيان
وأنا أُؤمنُ بأنَّ الفصَاحَةَ سِرٌّ إلهيّ، وأنّها لم تُخلقْ في رَحِمٍ قَط
بل خُلِقَتْ من اعوِجَاجِ ضلعي.
هي نخلةٌ شامِخةٌ غيرُ مُعاوِمَةٍ، صعدتُها بثقةٍ عمياء حتى وصلْتُ إلى عثاقيلِها.
هناكَ حيثُ الإدراك المُطلق لتفاصيلِ العالمِ المتشعّبة وتلفيفِ الأدمغةِ المُعقّدة واللونِ الرّماديِّ المُنكّهِ بالحريقِ الطاغي على وجهِ المنظر، ترزَّزَتِ الحقائقُ على صدرِ الوقائع وحانَ موعِدُ إقبالِ النقاطِ برفقةِ الحروفِ التي لطالما كانت منعزلةً كأنها طَلاسِمٌ غير قابلةٍ للإدراك .
ذاكَ الإدراك المُطلق لكلِّ تلك التفاصيل كانَ قنبلةً تنتظرُ سحبَ الخاتِمِ منها حتى تنفجرَ في رأسي المُثقلِ بالفهمِ اللامُتناهي للأشياءِ وتفاصيلها، للبشرِ وأدمغتِهم.
حتماً عندما تصلُ إلى عثاقيلِ النخلةِ المتمثّلةِ باللغةِ العربيّةِ وآدابِها وتاريخِها وعظمتِها ستُدرِكُ كُلَّ ما أسلفتُهُ، وحينها ستُلحِدُ بالألوانِ جميعِها وتؤمنُ بالرّماديِّ فقط، بما تراه عيناك.
ستُمسي مهنتكَ الرئيسة هي تسوّل الإلهام في أزِقّةِ الأفكارِ المُستوْحاةِ من النضجِ العقلاني، وبيع اللامُبالاة لزمرةِ الحَمقى.
ستُدركُ أنَّ الأيامَ لا تمضي مُطلقاً، هي الساعةُ الحمقاءُ فقط من تواصِلُ الدّوَران وتُعيدُ ذاتَ الأحداثِ بأدقِّ تفاصيلِها مع مَحْقِ الأوْجُهِ واستبدالِها بأخرى.
ستُدركُ أنَّكَ تشبهُني كثيراً..
ضَنْءٌ سماوِيّ، لا تنتمي لهذهِ الأرضِ مُطلقاً
وكلّ ما جِئتَ لأجلهِ هو إيصالُ رسالةٍ إلهيّةٍ عُنْوانُها :
" الفناءُ قادم، احسِنوا الصّنيع "
زيد مرعي