وذكّر إغلاق الأردن خمسة مراكز لتحفيظ القرآن، وتوقيف 68 مركزا أخرى عن ممارسة "النشاط الإسلامي"، وفق كتب رسمية متداولة، بالتضييق على المؤسسات القرآنية والإسلامية في العالم العربي، وليس بعيدا إغلاق السلطة الفلسطينية مركزا للتحفيظ مطلع العام الجاري في بلدة عصيرة الشمالية بمحافظة نابلس (شمال الضفة)، بحجة نشر المركز صورة لطلابه ومدرسيه دون وجود مسؤول من "الأوقاف الفلسطينية" معهم.
وفي تونس مثلا، جمدت حكومة مهدي جمعة عام 2014 أكثر من 150 جمعية إسلامية، بزعم مجرد الاشتباه في تورطها بتمويل الإرهاب.
وفي مصر، شرع البرلمان قانون "الجمعيات الأهلية" عام 2017، والذي نتج عنه التضييق على عمل نحو 47 ألف جمعية محلية، خصوصا منها ذات الطابع الإسلامي، وفق منظمات حقوقية.
وسبق هذا القانون قرار قضائي بحظر أي جمعية تتلقى التبرعات إذا كان بين أعضائها أحد المنتمين إلى الإخوان المسلمين، وأتبعه قرار تجميد أموال الجمعيات الخيرية كوسيلة لتجفيف منابع التمويل، حسب تفسير الحكم.
وفي موريتانيا، شهدت الأشهر الأولى من عام 2019، إغلاق السلطات ست جمعيات إسلامية؛ بزعم علاقتها بـ"التطرف"، وتزامنا مع هجوم رسمي على جماعة الإخوان المسلمين، في الوقت الذي ينفي فيه أصحاب هذه الجمعيات أي علاقة لها بالجماعة.
وتثير هذه الأحداث وغيرها العديد من التساؤلات حول سبب استهداف السلطات في الوطن العربي للجمعيات القرآنية والإسلامية، وعن كونها نابعة من إرادة داخلية ترى في الإسلام السياسي أو المستقل تهديدا لبقاء الأنظمة العربية، أم أنها تمثل تنفيذا لرغبات دول الغرب الكبرى التي تخشى من تمدد الإسلام.
تصفية المنافس الوحيد
يرى الكاتب والباحث اليساري هشام البستاني، أن استهداف المراكز الإسلامية والقرآنية "متعلق بشكل أساسي بسعي المجموعات العربية الحاكمة إلى تفكيك وتصفية التنظيم السياسي الحقيقي الوحيد في المنطقة، وهو حركة الإخوان المسلمين، أو الأحزاب السياسية المرتبطة بها أو المنبثقة عنها".
وقال لـ"عربي21" إن "المجموعات الحاكمة العربية وجدت نفسها بعد الانتفاضات الشعبية عام 2011 أمام منافسة وحيدة تقريبا من قبل التيار الإسلامي، لأنه تاريخيا الأكثر تنظيما وارتباطا بالجماهير، لأسباب متعددة ليس هذا مجال بحثها، ولذلك سعت إلى تفكيك الحركة الإسلامية وتشظيتها إلى عدة حركات، وحاولت الاستحواذ على أذرعها الاقتصادية والاجتماعية، ومنها الجمعيات الخيرية والمراكز القرآنية".
واستبعد البستاني أن يكون ثمة أجندة خارجية لإغلاق الجمعيات والمراكز الإسلامية والقرآنية، "فالدول الكبرى اليوم لا يعنيها سوى أن تحقق الدول العربية مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني، بغض النظر عن سجلها الحقوقي أو الاجتماعي أو الديني".
واستدرك بأنه "في ظل المشروع التطبيعي الكبير القائم حاليا، والذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة، فإن أي مجموعة تقدم تفسيرا للإسلام مقاوما للتطبيع، فالمطلوب إضعافها وتصفيتها"، لافتا إلى أن "ملف فلسطين هو إحدى القضايا الرئيسية التي حولت الحركة الإسلامية من موقع القرب من السلطة إلى موقع المعارضة، وهو ما جعل المؤسسات المحسوبة عليها موضعا للاستهداف والتضييق والإغلاق".
دور سعودي - إماراتي
ويرى مراقبون أن لكل من السعودية والإمارات دوراً في التضييق على المؤسسات الإسلامية والقرآنية، لكونهما يملكان الثروة التي تمكنهما من القدرة على التأثير، وفرض رؤية الغرب في المنطقة من جهة، وإجهاض أي حركة معارضة للأنظمة العربية القائمة من جهة أخرى.
ولفت البستاني إلى أن "العداء لحركات الإسلامية السياسي ومؤسساتها يشتد حينما نذكر الإمارات والسعودية ومصر وتونس"، مؤكدا أن "هذه الدول ترتكب خطأ كبيرا بمعاداتها الوجوديّة - التصفويّة للإسلاميين، فهم جزء أساسي وأصيل لا يمكن إلغاؤه من المجتمعات العربية".
وقال البستاني: "ليست لدي معلومات عن دور إماراتي وسعودي بالضغط على الأردن وغيره لاستهداف المراكز القرآنية والجمعيات الإسلامية، إلا أن لدى الأردن علاقات خاصة مع هذين البلدين، وكثيرا ما يتوجّه إليها لطلب المساعدات الماليّة، وبالتالي قد يكون هذا التمويل مشروطا بقضايا متعلقة بهذا الملف".
وفي المقابل، أكد الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، الكاتب حسن أبو هنية، وجود دور سعودي وإماراتي في إضعاف وإجهاض المشاريع الإسلامية المستقلة عن السلطات الحاكمة، وخصوصا تلك المرتبطة بالإسلام السياسي.
وقال لـ"عربي21" إن رأس الحربة في تنفيذ الإرادة الغربية بلجم حركات الإسلام السياسي هما السعودية والإمارات، لأنهما يمتلكان المال والثروة والسلطة، ولذلك قادت هاتان الدولتان وموّلتا الثورات المضادة التي أجهضت حلم الشعوب العربية بالكرامة والحرية.
نزعة داخلية بـ"تسطيح" الديني
من جهته، رأى المختص في علم الاجتماع السياسي، فيليب مدانات، أن استهداف الجمعيات القرآنية "يأتي في ضوء نزعة مستمرة عند الدول العربية بتسطيح كافة الجماعات والمؤسسات الدينية، الإسلامية والمسيحية، حتى الرسمية منها، لأنها لا تريد أي فاعل ديني ينافسها".
وقال لـ"عربي21" إن السبب الرئيس في هذه الإرادة السلطوية هو ضعف أداء الدولة، وتراجع شعبية الحكومات المتعاقبة ومكونات السلطة الأخرى".
ونفى أن تكون ثمة إملاءات خارجية لإغلاق المؤسسات الإسلامية، مستدركا بأن ما يجري هو عبارة عن عملية تحضير للجيل الصاعد، للولوج في عهد قادم يحتوي على التصالح مع الأضداد، سواء "إسرائيل" أو غيرها.
بدوره، قال الخبير حسن أبو هنية، إن المؤسسات الرسمية الدينية في الوطن العربي نشأت بعد مرحلة الاستعمار؛ بهدف تحديد شكل الدين، وما هو المقبول والمرفوض منه، بما يسبغ الشرعية على جميع تصرفات النظام السياسي مهما كان شكلها.
وتابع: "هذه الدول لا تريد أن ينازعها أحد في تقديم تفسير للدين، لذلك فهي تسيطر على المساجد، وتتحكم بها عبر قوانين وأنظمة وتعليمات تطال تحديد الخطب والدروس المطلوبة من إمام المسجد، بحيث يتم تقديم رواية وحيدة، هي التي ترتضيها الدولة، ولا تشكل أي تحدٍّ للسلطة القائمة".
تغيير في الخطة الأمريكية
ورأى أبو هنية أن التضييق على الجمعيات القرآنية والإسلامية نابع من إرادة غربية، حيث غيّرت الولايات المتحدة الأمريكية من خطتها استدخال الإسلام السياسي في الحكم بالوطن العربي، إلى التخلص منه.
وبيّن أن التغير في الخطة الأمريكية بدأ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، واتضحت معالمه بعد أحداث 11 سبتمبر في نيويورك، وتضخمت حتى بلغت ذروتها بعد ثورات الربيع العربي التي أظهرت قوة التيار الإسلامي.
وأوضح أبو هنية أن الحكومات العربية كانت تلجأ إلى التحالف مع حركات إسلامية، سواء سياسية أو دعوية، لمساعدتها في مواجهة تيارات قومية ويسارية وغيرها، إلا أنها تخلت عن هذا التحالف بعد ثورات الربيع العربي، وبدأت تعيد هيكلية المجال الديني بعيدا عن هذه الحركات.
وأكد أن الدول العربية القائمة اليوم أنشأتها الدول الاستعمارية، وأسست فيها المؤسسات الدينية، وبالتالي هي ليست بعيدة عن الاستعمار والامبريالية والغرب، والمطلوب منها أن تخضع لإملاءات الدول الكبرى، وأن تكيف تشريعاتها مع هذه المنظومة الكونية التي تهيمن عليها، ومع رؤيتها لوجود "إسرائيل" وأحقيتها وإدماجها واعتبارها دولة طبيعية.
وفسّر أبو هنية مهاجمة المؤسسات الدينية الرسمية لجماعات الإسلام السياسي، كالإخوان المسلمين وغيرها، بأنها تنفيذ لإرادة الغرب باعتبارها جماعات إرهابية أو ممهدة للتطرف، وبالتالي فإن المطلوب هو إضعافها أو حظرها بالكامل.
المصدر: وائل البتيري عربي 21