
واشنطن - القلعه نيوز - من احمد عقل *
تتغير المناهج الدراسية في السعودية منذ سنوات، ويلاحظ باحثون "اعتدالا تدريجيا" في بعض الموضوعات، ومنها ما يتعلق بأدوار الجنسين (الذكر والأنثى)، وصولا إلى تعزيز السلام والتسامح، وحذف أمثلة سلبية حول اليهود والمسيحيين.
ومن بين التغييرات التي أثارت الانتباه مؤخرا، في ضوء التقارير التي تفيد بسعي أميركي لتمهيد الطريق نحو التطبيع بين السعودية وإسرائيل، تعديلات تتعلق باليهود والمسيحيين والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفقا لتقرير مطول نشرته شبكة "سي أن أن"، الاثنين.
وفي تقرير صدر الشهر الماضي من معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي (IMPACT-se)، والذي يراقب بشكل أساسي كيفية تصوير إسرائيل واليهود في نصوص التعليم، وجد أن "جميع الأمثلة تقريبا التي تصور المسيحيين واليهود بطريقة سلبية" تمت إزالتها من أحدث الكتب المدرسية السعودية، بناء على الاتجاهات التي شوهدت في السنوات السابقة.
وقام المعهد الذي يراقب الكتب المدرسية السعودية منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بفحص التغييرات التي تم إجراؤها على أكثر من 80 كتابا مدرسيا من المناهج الدراسية السعودية لعامي 2022-2023 وأكثر من 180 كتابا مدرسيا من المناهج السابقة.
وتطرح تساؤلات عن جدوى وأهداف تعديل المناهج الدراسية في السعودية وانعكاس ذلك على فرص التطبيع بين المملكة وإسرائيل، في ظل مواقف رسمية تشترط إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وفي مقابل فتح السعودية لأجوائها أمام الطائرات الإسرائيلية مؤخرا.
لا تأثير
وتتباين التحليلات بشأن انعكاس التعديلات على المناهج الدراسية على مسار التطبيع بين المملكة وإسرائيل، وفي هذا الإطار، يرى المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، أن هذه التعديلات التي ذكرها تقرير المعهد، لن يكون لها تأثير على أي مسعى للتطبيع.
ويقول في حديثه لموقع "الحرة" إن "السعودية أجرت مراجعات كثيرة للأنظمة في الدولة، بما فيها النظام القضائي والعدلي (...) وأجرت مراجعة كبيرة لقطاع ومنظومة وهيكلة التعليم، والمناهج التي تدرس بكافة المراحل".
وأضاف أنه "يتم التركيز على ما يتواكب مع توجهات الدولة الاقتصادية والتنموية والتطلعات المستمدة من الشريعة الإسلامية السمحة ومن الدين الإسلامي الوسطي المعتدل البعيد عن التطرف ورفض الآخر".
وأشار إلى أن "المملكة تؤمن بأنها قلب العالم الإسلامي، وأنه يجب أن تكون منفتحة لكافة الشعوب، بعيدا عن التمييز العرقي والديني والمذهبي، وبعيدا عن التطرف، ولذلك أرى أن فحوى التقرير (المعهد) يندرج في إطار المراجعات التي تجريها السلطات لصالح تلافي الأخطاء التي أدخلت في المناهج".
وأكد أن "تعديلات المناهج تأتي في إطار خطوات التطوير التي تشهدها السعودية (...) وأرى أن هذه الإجراءات بعيدة كل البعد عن مسألة ربطها بإقامة علاقات مع أي دولة كانت، والسعودية تراجع هذه المناهج لصالح المجتمع السعودي ونهضته ومستقبله".
الموقف الرسمي السعودي
وفي يناير الماضي، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أنه بحث مع مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، فرص تحقيق انفراجة دبلوماسية مع السعودية، فيما تشترط الرياض السماح للفلسطينيين بتأسيس دولتهم في خطوة تسبق أي مرحلة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وتعهد نتانياهو بالسعي لتدشين علاقات رسمية مع الرياض بعد توقيع اتفاقيات تطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب قبل نحو 3 سنوات تحمل اسم "اتفاقيات إبراهيم".
وأكد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أن بلاده لن تقوم بالتطبيع مع إسرائيل من دون إقامة دولة فلسطينية.
وأوضح في تصريحات نشرتها وزارة الخارجية السعودية، أن "التطبيع والاستقرار الحقيقي لن يأتي إلا بإعطاء الفلسطينيين الأمل من خلال منحهم الكرامة وهذا يتطلب منحهم دولة".
واستبعد آل عاتي "الربط بين ما اتخذ من خطوات تطويرية في المناهج وبين إقامة علاقات مع أي دولة كانت"، وقال إن "مبادرة السلام العربية التي أعلنتها السعودية خلال القمة العربية في بيروت عام 2002 لا تزال قائمة، وتنص على أن تعترف إسرائيل بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967 (...) وأعتقد أن السعودية لا تزال تتبنى هذا الشرط (لتطوير العلاقة مع إسرائيل)".
ولاحظ المعهد أن المحتوى الجديد في الكتب المدرسية السعودية ينتقد أيضا بعض الجماعات الإسلامية مثل حزب الله وداعش والقاعدة وميليشيات الحوثي والإخوان المسلمين.
وقالت كريستين ديوان، الباحثة في معهد دول الخليج بواشنطن، لـ "سي أن أن" إن التغييرات الأخيرة تتماشى مع التوجه السياسي الجديد للمملكة.
وأشارت ديوان إلى أنه "في حين أن التوجه الجديد قد يظهر المزيد من التسامح الديني تجاه اليهودية، فإنه يترك القبول السياسي لإسرائيل في طي النسيان".
وأضافت أن "هذا يتوافق مع الجهود المبذولة لتخفيف التعصب الديني تجاه اليهود، وتمهيد الطريق بشكل تدريجي في حالة اتخاذ قرار سياسي بشأن التطبيع مع إسرائيل".
مرحلة من مراحل التطبيع
وفي رأي مخالف لآل عاتي، يرى المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان، أن تعديل المناهج الدراسية في السعودية هو "مجرد خطوة من خطوات التطبيع مع إسرائيل".
وقال نيسان في حديثه لموقع "الحرة" إنه "منذ فترة طويلة تسعى الولايات المتحدة في محاولات لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، رغم أن هناك بعض الشروط السعودية التي تتعلق بالقضية الفلسطينية".
وأضاف أن "الأحداث في جنين (مقتل 6 فلسطينيين وإصابة أكثر من 90 بجروح خلال عملية عسكرية إسرائيلية)، ومستوطنة عيلي (مقتل 4 إسرائيليين وإصابة 4 بجروح)، خلال اليومين الماضيين، تلقي بأضواء سلبية على إمكانية مواصلة تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية".
وأشار إلى أنه "خلال الأيام الأخيرة نقلت الولايات المتحدة رسالة إلى إسرائيل في محاولة لتهدئة الأوضاع في الضفة الغربية، وعدم القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق ضد أوكار المخربين، لأن كل هذه الأمور سيكون لها انعكاسات سلبية على المساعي الأميركية للتطبيع".
وتابع أنه "كانت هناك مساع أميركية لإقناع السعودية عشية عيد الأضحى المبارك (موسم الحج) بأن يتوجه المسلمون من إسرائيل والضفة الغربية وغزة إلى السعودية عبر المطارات الإسرائيلية (...) ولم يتم حدوث ذلك".
وأكد أن "ما قامت به السعودية من إخراج مواد تحريضية من الكتب المدرسية هو مرحلة من مراحل كثيرة في محاولة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وأعتقد أن هناك علاقة بين البلدين، ولكنها خفية ومن تحت الطاولة".
ولفت إلى أن "التطبيع بين إسرائيل والسعودية برعاية أميركية سيكون له انعكاسات إيجابية على القضية الفلسطينية (...) وتحسين العلاقات يتطلب وقتا كثيرا، و(تعديل المناهج) هو مرحلة من مراحل كثيرة باتجاه التطبيع".
احتمال ضئيل
وقالت إسرائيل، الاثنين، إن تسيير رحلات جوية مباشرة لنقل الحجاج إلى السعودية لن يتم هذا العام، مقللة من شأن احتمالات حدوث تطبيع وشيك للعلاقات مع المملكة بوساطة أميركية.
ولم تعترض السعودية على إقامة الإمارات والبحرين علاقات مع إسرائيل في عام 2020، لكنها لم تُقدم على ذلك، قائلة إن هدف إقامة الدولة الفلسطينية لا بد أن يتحقق أولا.
غير أن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين توقعوا أن تسمح المملكة لأفراد الأقلية المسلمة التي تشكل 18 في المئة من عدد السكان في إسرائيل، بالسفر على متن رحلات مباشرة إلى السعودية لأداء فريضة الحج هذا العام، كبادرة لإظهار حسن النية.
لكن الرياض لم تعرض ذلك رسميا، بحسب رويترز.
ومع اقتراب موعد الحج في الفترة من 25 يونيو إلى الثاني من يوليو المقبل، وإعلان وزارة النقل الإسرائيلية عدم تقدم شركات الطيران بطلبات لتسيير رحلات إلى وجهات سعودية، أقر أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بأن ذلك لن يحدث.
وقال مستشار الأمن الوطني الإسرائيلي، تساحي هنغبي، لهيئة البث العامة الإسرائيلية (راديو كان) "ربما نكون في وضع يسمح لنا بالمساعدة في هذا الأمر في موسم الحج المقبل، وتنطلق رحلات جوية (مباشرة) من هنا.. لكن من السابق لأوانه قول ذلك".
وتدفع إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، للبناء على اتفاقيات إبراهيم التي جعلت أربع دول عربية (الإمارات والبحرين والمغرب والسودان) تعترف بإسرائيل، في إنجاز كبير بالسياسة الخارجية للرئيس السابق، دونالد ترامب، في عام 2020، وفقا لسي أن أن.
وفتحت السعودية مجالها الجوي لشركات الطيران الإسرائيلية للمرة الأولى العام الماضي لكنها أصرت على أنه لن يحدث تطبيع قبل قيام دولة فلسطينية.
الموقف الشعبي
ولا يزال التطبيع من المحرمات بين الجمهور العربي. وأظهر استطلاع للرأي أجراه المركز العربي في واشنطن العاصمة العام الماضي، ونشرته سي أن أن، أن 84٪ من العرب الذين شملهم الاستطلاع لا يوافقون على اعتراف بلدانهم بإسرائيل. وفي السعودية بلغت نسبة التأييد للتطبيع 5٪.
وتقول إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية يصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
وأضافت أنه يعد أيضا أحد أهداف نتانياهو الرئيسية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. وتولى نتنياهو رئاسة الوزراء مجددا في ديسمبر الماضي، ويرأس حكومة يمينية تعهدت بالتقارب مع قوى عربية تشارك إسرائيل مخاوفها بشأن إيران، وفقا لرويترز.
لكن هنغبي قال في مقابلة صحفية جرت في مطلع الأسبوع إن التطبيع "بعيد المنال" لأنه سيتوقف على معالجة التوتر بين الرياض وواشنطن.
وأضاف لصحيفة إسرائيل هيوم "لأننا نعتقد أن الاتفاق السعودي الأميركي هو مقدمة لأي اتفاق سلام (إسرائيلي) مع الرياض، فتقديرنا أن.. فرصة تحقيقه لن تكون كبيرة".
وقال مصدر مطلع لرويترز إن الرياض تضع التطبيع مع إسرائيل في مقابل تأييد الولايات المتحدة لبرنامجها النووي المدني. وعبرت إسرائيل عن مخاوفها من أي مقايضة من هذا القبيل، بحسب ما نقلت رويترز.
وذكر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي زار السعودية في الثامن من يونيو الحالي، أن الإدارة الأميركية ستواصل العمل على قضية التطبيع "في الأيام والأسابيع والشهور المقبلة".
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، للقناة 14 التلفزيونية، إنه يرى "فرصة سانحة" أمام واشنطن حتى مارس 2024 للتعامل مع المطالب السعودية للتطبيع، لأن "الولايات المتحدة ستنشغل (بعد ذلك التاريخ) في الانتخابات الرئاسية".
مكافحة معاداة السامية
وفي يوليو الماضي، تحدثت المبعوثة الأميركية الخاصة بمكافحة معاداة السامية، ديبورا ليبستادت، خلال مقابلة مع "الحرة" عن زيارتها للمنطقة والتي شملت إسرائيل والسعودية والإمارات، وعن الجهود التي تبذلها لمكافحة معاداة السامية.
وقالت ليبستادت إنها "شجعت الإمارات والسعودية على حذف الكراهية بالمناهج الدراسية التي كانت تشيطن اليهود"، لافتة إلى أن "تغير المناهج يعتبر بداية جيدة لمكافحة معاداة السامية".
وأضافت أنها أجرت مناقشات مكثفة ومثمرة بشكل استثنائي في السعودية مع مجموعة من المسؤولين الحكوميين والمنظمات غير الحكومية والإعلاميين، ووجدت الكثير من الرغبة في التحدث عن تحسين الأمور في مجال مكافحة معاداة السامية.
وتابعت أن "تسهيل الحكومة لمعيشة اليهود بالإمارات هو أمر مشجع، والسعودية والإمارات خطتا خطوات مهمة في مكافحة معاداة السامية"، مؤكدة أنها ركزت خلال زيارتها على "أهمية حذف كراهية اليهود من المناهج الدراسية"، مبدية في الوقت نفسه أملها بانضمام السعودية إلى اتفاقيات إبراهيم للسلام مع إسرائيل.
وأشارت إلى أن "انضمام السعودية لاتفاقات إبراهيم سيزيد العلاقات الجيدة والاستقرار".
عن " الحرة الامريكيه -
------------------------