هي دعوة عشاء بسيطة جمعت عددا من الأصدقاء... وهي في بعض معانيها أكثر
من ذلك.
صاحب الدعوة هو الصديق بلال
فايز القضاة، المثقف العروبي التقدمي والوطني الأردني الذي نعتزّ به، ورُتِّب مكان
اللقاء ليكون عند صديقه، الأخ الكريم محمّد سمارة. شملت الدعوة، ولقاء العشاء،
الأصدقاء: أبا زيد، شقيق محمد، ومعاذ سعادة، وعلاء جرّار، وليث العبداللات، وعبد
المنعم أبو غوش، وعامر داود، وكاتب هذه السطور (علي الرحامنة). وعندما طُرِح موضوع
الأكلة الرئيسية للعشاء، كان للمنسف بالطبع حضورا جماهيريا مفهوما... وطرحتُ
اقتراح أن تكون الوجبة "مسخّن".. فقال محمّد سمارة، وبترحيب من الجميع:
يا شباب... أنتم معزومون على "مسخّن"! وهكذا كان في تلك
"العزومة"، التي مثّلت لنا جميعا فرصة لقاء كان للثقافة حضورها فيه، مع أكلة
شهيّة بالطبع.
ليست دعوة العشاء في
ذاتها شيئا "يُكتب فيه وعنه"، ولكن الذي يمكن التوقّف عنده، اقتراحي بأن
يكون "المسخّن" وجبة العشاء الرئيسية، وفي هذا قد يجوز الحديث...
المسخّن، أو "خبز
مسخّن"، أكلة شعبية فلسطينية مشهورة، وعُرفت منذ القِدم في منطقتي جنين
وطولكرم خصوصا، قبل أن تنتشر في مختلف المناطق والدول. وارتبطت هذه الأكلة
بمركّباتها: خبز الطابون، وفراخ الحمام (الزغاليل) التي استُبدِلت لاحقا بالدجاج، وزيت
الزيتون بكمّيات وافرة، والسّمّاق والصنوبر واللوز والبصل، ... والمسخّن رديف لرمز
قمّة المطبخ الأردني الأصيل – المنسف، الذي تمتدّ جذوره عميقا في التاريخ.
ولأن كثيرا من
"علامات" فلسطين، والعروبة عموما، تتعرّض للسرقة، وعلى رؤوس الأشهاد،
صرنا نخاف على المسخّن من "النهب" على يد حملات صهيونية-إسرائيلية
متواصلة ومنظمة. ومن يدري؟ قد يلحق المسخن الفلسطيني بالأكلات العربية، مثل الحمص
والفلافل والخبز العربي وغيرها..، بعدما صارت تُسوَّق في كثير من دول العالم على
أنها يهودية-إسرائيلية... ولست أدري إذا ما كان المسخّن أو المنسف أو غيرهما من
أكلاتنا التي نحبها ونعتز بها لا يزالان صامدين!
لقد قدّموا الزيّ الشعبي
الفلسطيني على أنه زي يهودي، وقدّموا البتراء الأردنية (ولا يزالون)، في برامجهم
السياحية، على أنها إسرائيلية، بل وعرضوها ضمن حزمتهم التسويقية الخاصة بإسرائيل، وكانوا
قد قدّموا مقطع فيديو استشهاد الطفل محمد الدرّة على أنه طفل يهوديّ قتله
الإرهابيون الفلسطينيون العرب، والأمثلة عن مثل هذه التطاولات كثيرة جدا...
من هذه الخلفية، إلى
جانب محبتي لأكلة المسخّن بالطبع، اقترحت أن يكون عشاؤنا "خبز مسخّن"...
ومن هذه الخلفية تحديدا، أردت من سرد هذه الخاطرة حول عشائنا أن تكون دعوة لمزيد
من التمسّك بالرموز الدينية والثقافية والحضارية والفولكلورية المهددة بالاجتثاث،
أو السرقة، أو التشويه.
إنها المثل-الحكمة في الإجابة عن السؤال: (أي أبنائك أحبّ إليك)؟
وفي سياق ذلك، بين أمور أخرى، فهم الأصدقاء المغزى من اقتراحي:
"مسخّن"...