القلعة نيوز:
بقلم – محمد عيسى العدوان –رئيس مركز عمان والخليج للدراسات الاستراتيجية.
العدو اليهودي الذي صنع لنا .....
هذا العدو الذي تم صناعته لنا استعمارياً من ضمن مخططات الإستعمار الغربي المتوافق مع السيطرة الصهيونية على القرار والفكر الغربي، والذي وقع اختيارهم فيه على فئة مهمشة منبوذة في أوروبا وهم اليهود الخزر الذين لا يمتون لبني اسرائيل البتة لنقلهم إلى الشرق وذلك لتحقيق عدد من الاهداف وأهمها:-
1- التخلص من اليهود المحتقرين الذين دائماً كانوا ينخرون في الجسد الأوروبي المسيحي بمؤامراتهم.
2- ايجاد عنصر جديد مختبئ تحت العباءة المسيحية مغيب عن التاريخ السياسي والحكم وادارة العالم منذ الفي عام ، غريب عن المنطقة – وليس مسيحي حتى لا يصطدم مع مسيحيي الشرق.
3- تحويل نظر الشعوب العربية الإسلامية وشقيقها المسيحي العربي عن مقاومة الاحتلال المسيحي الغربي الصليبي للمنطقة بإيجاد عدو جديد- ضمن مفهوم ديني.
4- جعل دولة وليدة منبوذة غريبة في داخل الجسد العربي الإسلامي رأس الحربة تبقى في صراع دائم وتسليح مستمر ومنافسة مسعورة للحفاظ على الوجود الحدودي لكل دولة مع عدم السماح للدول العربية بأي نوع من انواع الاتحاد أو الوحدة وخلق حالة مستمرة من عدم الثقة بينهم.
5- خلق عداء ديني بين المسلمين واليهود بشكل مباشر وتحت إدارة الوكالة الصهيونية.
6- تحقيق أهداف الصهاينة في التخلص من العداء السافر والتغريب والتجهيل والاستهداف من الغرب المسيحي من خلال إنشاء دولة يهودية تحت مسمى معاداة السامية.
7- تحقيق عديد من النبوءات التي تم التحضير لها بكل إتقان والتي تبدء وتنتهي بأنشاء دولة لليهود وبناء الهيكل تمهيدا لعودة المسيح المخلص وهذا الهدف قد يكون الأهم والأخطر.
8- التخطيط الاستراتيجي الاستعماري للسيطرة على منابع النفط والطاقة في العالم العربي مع تحويل كل عوائد البيع لخدمة أعمال التسلح للدول العربية مما يعرقل جهود التنمية المستدامة.
9- الاستفادة القصوى من التناحر العالمي الاستعماري الذي طوعته الصهيونية العالمية التي تؤمن بالحق اليهودي في الأرض المقدسة خصوصاً من خلال تمهيد الطريق لكل ما من شانه تحقيق ذلك باستخدام – الإعلام-الحروب-المال- واللاهوت.
10- اشعال التنافس المحموم بين الزعامات العربية للمحافظة على مكتسباتهم العائلية كأسر حاكمة في المنطقة العربية، والتي نشأت نتيجة القمع وسياسة المركزية المطلقة التي ورثناها منذ فترة الحكم العثماني للمنطقة العربية، وحالة الفرقة وعدم التواصل العربي والذي ادى إلى نوع من انواع الانكفاء الداخلي لكل قطر عربي، حيث أن العربي لا يعرف إلاّ القليل عن شقيقه العربي أو ما كان يقدمه المستشرقون أو الرحالة أو ما كان ينقل سمعاً عن الدول العربية – والذي أصبح اليوم اكثر رواجاً من خلال تقسيم الأقاليم الى دول خليج ، وإقليم الشام، ودول شمال افريقيا وليس تحت مسمى دولة عربية واحدة وأن كان بها تعدد اعراق واجناس ألا أن اللغة العربية هي الجامع والدين هو المظلة .
إن نشأت اليهود الصهاينة اليوم وبعد انصهار عرق بني اسرائيل ما بين الدخول في المسيحية أو الاسلام أو الإتجاه الى الإلحاد فإنه لم يتبق فعلاً من بني اسرائيل تلك الكتلة الحقيقة والواضحة من ذلك العرق العبراني، لان تلك العائلة ليست ديناً.
والمسلم به في زمننا الحاضر على الأقل بين العلماء والمؤرخين أنه لا جينياً أو معرفياً أو تاريخياً تمثل الكتلة الأساسية الكبرى لليهود (الصهاينة) اليوم أدنى علاقة ببني اسرائيل تلك الفئة التي عاشت في فلسطين قبل ألفي عام، بل اليهود الصهاينة اليوم هم أصلاً وبكل تأكيد من بلاد الخزر.
ففي عام 1960م على سبيل المثال قدر عدد اليهود السفرديم (اليهود الشرقيين) بحوالي نصف مليون يهودي مقابل 11 مليون يهودي من يهود الأشكناز (اليهود الغربيين) وهم اليهود الذين تعود أصولهم إلى أوروبا الشرقية أو إلى يهود الخزر بشكل أكثر دقة.
لقد عمل الصهاينة منذ فترة ما بعد الإستحكام بالعقل الأوروبي من خلال اللاهوت والمال والاعلام ومن خلال الإختراق المنظم لعقائد الكثير من الشخصيات وما مارسه الفكر الصهيوني من ترغيب وتبشير بعودة المخلص المسيح وأهمية العمل بكل ما لذلك من قنوات من خلال تمكين اليهود من العودة لبناء الهيكل الثالث في ارض اورشليم القدس أو كما يحلوا لهم تسميتها بأرض (صهيون)، فإنهم أبداً ما تخلوا عن فكرة الأرض المقدسة الثانية (الأردن) فقد كانت ولا تزال ضمن ذلك المخطط المحكم منهم لهذه المنطقة في ما يرتجون من إقامة علوهم الثاني في الأرض وكذلك (لعودتهم لخيبر) في جزيرة العرب، ثم لحلمهم الكبير من البحر إلى النهر والذي يمثله علمهم اليوم فقد عملوا ويعملون على كل ما من شأنه عدم الوحدة أو الإتحاد بين اقطار العالم العربي وخصوصاً الأردن لأنه يشكل الرئة الحقيقية والسند القومي والعربي لفلسطين.
كان قرار الغرب اختيار فلسطين لأنها الوحيدة في العالم التي تجمع اهم مقدسات المسلمين ومسيحي الشرق ولذلك دعا مؤتمر لندن (وثيقة كامبل 1908) إلى إقامة دولة موالية للغرب بقلب العالم العربي لها ارتباط ديني بغير المسلمين في فلسطين، تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي، يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي، والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب (وهي الآن دولة إسرائيل)، واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة.
فصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا ليس فقط فصلاً مادياً عبر الدولة والكيان الغريب، وإنما اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، مما يبقي العرب في حالة من الضعف.
ولعل أكتشاف النفط في العالم العربي و ظهور منافس قوي في هذا المجال ألا وهو (الولايات المتحدة الامريكية) قد سَرع في تنفيذ مقررات هذا المؤتمر من أجل السيطرة على هذه الثروة واحتلال العالم العربي وتقسيمه) وهو الذي تنبه له (هرتزل) (أبو دولة إسرائيل) إلى الاستفادة من مخرجات هذه الوثيقة والعمل لجعل موطن اليهود الذي يحميهم هو (فلسطين) لما لها من أهمية دينية عند اليهود وأهمية استراتيجية عند الامبريالية العالمية ورأس الحربة الإستعماري في قلب العالم الإسلامي.
من العجيب[1] أنني عندما عملت على مذكرات (كريستوفر كولومبوس) من خلال معرفتي ولقائي (بالكونتسة ايزابيلا توليدو) في اسبانيا وما زودتني به من وثائق ومعلومات عن المسلمين في الأندلس واكتشاف الأمريكيتين من قبل العرب المسلمين قبل كولومبوس باربعمائة عام تقريبا وكتابها المطبوع حول ذلك، وجدت أن فكرة (عودة المسيح وبناء الهيكل) الذي كان يتحدث عنه كولومبوس في تاكيده على ضرورة التحضير لعودة المسيح المخلص، ومن أهم قواعد هذا الفكر تمكين اليهود بالعودة لفلسطين تاكيدا لفكرة اعادة بناء الهيكل المزعوم تمهيدا لعودة المسيح المخلص" .
في عـام 1928م، أي قبل إعلان قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين بـحوالي 20 عامًا، قرر(ستالين) في عشرينات القرن العشرين منح اليهود وطنًا في أقصى الشرق الروسي، فانشأ رسميا لهم مقاطعة "يفيرسكيا أوبلست" وتعني بالروسية: "المقاطعة اليهودية" التي تتمتع بحكم ذاتي، وعاصمتها (بيروبيجان) وتقع بيروبيجان على بعد خمسة آلاف كيلومتر شرق العاصمة الروسية موسكو. أضاف ستالين "مكرمة" جديدة وهي منح كل يهودي عند وصوله إلى بيروبيجان للاستقرار فيها مبلغ 600 روبل - وهو مبلغ كبير بمقاييس ذلك الزمان- يعينه على بناء حياته الجديدة في جمهوريته الذاتية.
كان هدف ستالين من إقامة كيان لليهود في الاتحاد السوفيتي السابق هو إبعادهم عن مراكز اتخاذ القرار، أو بمعنى آخر أراد التخلص منهم وتقليص نفوذهم، وبالفعل جاء إليها اليهود من جميع أنحاء العالم ليعيشوا فيها فقد جاء يهود من الأرجنتين وفنزويلا ومن سان فرانسيسكو بحثًا عن معيشة أفضل "ذكر المؤرخ دافيد وزيرمان في كتابه (كيف كانت)، ما يزيد على 41 ألف عائلة يهودية وصلت إلى بيروبيجان بين أعوام 1928 - 1938، واستقرت فيها"، وسرعان ما بدأت هجرة اليهود من بيروبيجان إلى أرض فلسطين بتواطئ من الوكالة الصهيونية والانتداب البريطاني ولتحقيق ذلك قامت أغنى المؤسسات في بيروبيجان وهي مؤسسة (سوكنوت) وهي فرع من الوكالة اليهودية بتوفير مساعدة سخية لتشجيعهم على الهجرة إلى فلسطين المحتلة، ومن بينها توفير تكلفة السفر بالطائرة؛ لأن كثيرين من اليهود الروس لا يملكون القدرة على توفير ثمنها، وفي كل يوم اثنين وخميس من كل أسبوع كان يحتشد المئات أمام أبواب الوكالة.
بريطانيا ودول الاستعمار الغربي شجعت اليهود على الذهاب لفلسطين حيث بلغ عدد المستوطنين اليهود في فلسطين في نهاية الإنتداب البريطاني نحو(680) ألف نسمة، أو ما يعادل ثلث سكان البلاد، كذلك عملت سلطات الإنتداب بمختلف الوسائل على تسهيل حصول الصهيونيين على الأراضي بما في ذلك منح المؤسسات الصهيونية مساحات واسعة من الأراضي الحكومية، وبذلك بلغت مساحة الأراضي التي استوطن عليها الصهيونيون في نهاية فترة الانتداب حوالي(1,8 مليون دونم)، أو ما يعادل 6% من مجموع مساحة البلاد، وبلغ عدد المستعمرات الصهيونية (291) مستعمرة.
أستطاع الإعلام الصّهيوني أختراق جدار الوعي العربي خصوصاً بعد أن اخترق جدار الوعي العالمي عموماً من خلال – أفكار متعددة منها:- الأفلام والإعلام والاعلانات والإستثمار القادم تحت عباءة الغرب وامتلاكهم الثروة والمال، وكذلك عبر زرع بذور الخيانة والتآمر بين العرب بعضهم ببعض فيصبح الكلّ يشك في الكلّ فلا أمل ولا أمان لأحد، فقد شكل الإعلام الصهيوني ومن سار في فلكه منظومة من الأفكار لتكون حجر الزاوية في الاستراتيجية الصهيونية.
يقول وصفي التل ,,,, إنّ من أفجع جوانب المأساة الفلسطينية طغيان المغالطات وألوان الدجل والكذب والإفتراء والتجني على التاريخ في معظم محاولات تشخيص النكبة بنسيان أسبابها الحقيقية البعيدة والقريبة.
إنّ تشخيص نكبة فلسطين ليس بحثاً للتاريخ أو للمدرسة أو القاء اللوم على هذه الجهة أو تلك، فنكبة فلسطين في واقعها الصحيح ما هي سوى جولة أولى في معركتنا الرهيبة الطويلة مع الصهيونية العالمية والقوة العالمية التي تساندها في الشرق والغرب سواء نتيجة تسلط الصهيونية على تلك القوى، أو بسبب مصالح قوة أخرى ترى في الصهيونية مخلباً يحقق أطماع تلك القوى في عالمنا العربي، سواء بمساندة إسرائيل والحفاظ عليها بشكل مباشر , وهذا موقف يقفه الشرق و الغرب على حد سواء , أو أستغلال النقمة العربية على الصهيونية لحمل العرب على الإرتقاء في مذاهب بائسة إقتصادية أو إجتماعية فيقيمون مسرحاً لاستغلال واستعمار جديدين هو الإستعمار الماركسي بشتى صوره وأشكاله.
لقد قلنا إنّ كارثة فلسطين ما هي سوى جولة أولى في معركة رهيبة طويلة على هذا الأساس يصبح واقعاً ومنطقاً أنْ يتوقع العرب جولات وجولات سواءً بدأ العرب هذه الجولات نتيجة واجبهم القومي في القتال لأجل استرداد وطنهم المغتصب ,,واختبات رأس الجسد الصهيوني من أساسه,, أو بدأت الصهيونية هذه الجولات نتيجة المخطط العدواني الصهيوني التوسعي.
إنّ منطق التاريخ والواقع يجعل من يتابع المعارك والجولات بين العرب والصهيونية حتميات لا مفر منها.
ولابد للتخطيط القومي العربي من أن يبدء من هذه الحتميات , حتميات تكرر المعارك والجولات , ولغايات التخطيط القومي هذا للجولة أو الجولات المقبلة لا بد أن يكون تشخيص أسباب الهزيمة العربية في الجولة الأولى تشخيصاً في غاية الدقة والصدق والموضوعية العلمية.
ولابد في هذا التشخيص من حساب دقيق للأخطاء والحسنات وأن لا يؤثر في دقة الحساب نوازع الرغبة في تبرئة جهة أو القاء اللوم على جهة أخرى أو استغلال هذا التشخيص لأهداف سياسية محلية.
*- من كتابي لعبة الامم وادارة العقل العربي – وثائق الشهيد وصفي التل- الباحث والموثق د. محمد عيسى العدوان .