الفريق الركن حسين الحواتمة
يمكن تحليل مجريات أي معركة في بداياتها تحليلا على المستوى التكتيكي كون هذا المستوى يعنى بالخسائر البشرية و المادية الا انه لا يقرر خط سير المعركة و لا يتم الحكم من خلاله على نتائج المعركة و تحديد الطرف المنتصر او حتى الطرف الذي حقق مكاسب تعادل مجرد فكرة دخول صراع مسلح.
وقد تم تغطية الجانب التكتيكي من قبل وسائل اعلام إقليمية و عالمية و تم تحليل سير المعركة من قبل كثير من المحللين العسكريين و الاستراتيجيين و السياسيين , و ملخص ما حصل في هذا المستوى ان الجيش الإسرائيلي تعرض لهجوم مباغت و على كافة المستويات السياسية والاستخبارية والعسكرية والتكنولوجية من قبل حركة حماس وقد صنف هذا الهجوم على انه من اجرأ العمليات العسكرية غير التقليدية التي تشنها مجموعة مسلحة غير نظامية ضد دولة تمتلك جيش يعتبر إقليميا من اقوى جيوش المنطقة , محدثا جرحا غائرا في كينونة و سمعة الجيش الإسرائيلي، الا ان هنالك الكثير من التساؤلات حول هذا الهجوم وكيف استطاعت حركة حماس اختراق أجهزة دولة بأكملها بالشكل الذي حدث ولن اتطرق لهذا الموضوع لعدم توفر معلومات كافية يمكن الخوض بها و تحلليها بالإضافة الى ان هذا الموضوع لا يعتبر أولوية على الرغم من أهميته ولا بد من تسريب معلومات من الطرفين بعد انتهاء الحرب و تشكيل لجان محاسبة و دروس مستفادة , وكان الرد الإسرائيلي اشبه ما يكون بعمليات انتقام من المدنيين و البنية التحتية للقطاع وامام العالم بدوله و منظماته و مؤسساته.
ومن المهم ذكره ان الحرب تبدأ بوتيرة تكتيكية تتسارع حت تبلغ ذروتها (peak ( ويبدأ المراقبون في رسم خط بياني افتراضي لسيناريو قادم الأيام و تبدأ تتضح معالم نتائج المعركة و ما سينتج عنها من تداعيات محلية و إقليمية و عالمية.
ومن خلال متابعتي لمجريات المعركة و معرفتي لكثير من نقاط القوة و الضعف لأطراف النزاع فأن المعركة بلغت ذروتها بعد مرور أربعين يوم قتال استخدمت خلاله إسرائيل عناصر قوتها العسكرية والاستخبارية والسياسية و التكنولوجية مصحوبا بحملات إعلامية متتالية و لا تزال النتائج التي تم تحقيقها لا تتناسب مع كل هذا الحشد الكبير والاستخدام المفرط للقوة ضد الأبرياء من المدنيين, اما بالنسبة لحماس فقد تبنت استراتيجية العمليات الهجينة hybrid operations والذي يعتمد على تنفيذ عمليات اغارة و كمائن سريعة و العودة الى مواقعها والدفاع عنها مع استمرار استخدام القوة الصاروخية ضد مدن داخل إسرائيل و استهداف القوات الموجودة داخل غلاف غزة بقذائف الهاون وهذا الأسلوب ليس جديد الا انه تم تصنيفه كتكتيك عسكري اثناء حرب أفغانستان , واستطاعت الحركة إيقاع خسائر في صفوف القوات الإسرائيلية لا يمكن الحديث عنها الان لأنه الإعلان عنها من طرف واحد وفي الحروب تلجأ الدول الى التكتم على كثير من مجريات المعركة ومنها الخسائر بالأرواح والاليات و كما ذكرت يعتبر هذا الجانب تكتيكتي لا يحدد مصير المعركة الا في حالة استخدام أسلحة الدمار الشامل و على غرار استخدام السلاح النووي من قبل الولايات المتحدة ضد اليابان الذي انهى الحرب العالمية الثانية , و للدخول في مستقبل المعركة وهو البعد الاستراتيجي لها لا بد من التطرق الى قدرات كل طرف في ادامة زخم العمليات و تحقيق مكاسب او عدم الانسحاب من المعركة او الاستسلام , والذي يحدث بعد مرور كل هذه الأيام ان الجيش الإسرائيلي لم يدخل أي تعديل على خططه او القضاء على قوة المقاومة او تجنب المزيد من الخسائر بل ومن مراقبتي لتكتيكات المخططين العسكريين الإسرائيليين ان الأداء التخطيطي غير منتظم و هنالك تعديلات سريعة و غير مبررة و كان اخرها زج عدد كبير من الدبابات و الاليات الثقيلة في مناطق ضيقه الامر الذي جعلها عرضه لهجمات حماس والاهم من ذلك ان الجنرالات الإسرائيليين كان هدفهم في بداية المعركة انتقاميا اكثر منه احترافيا فحجم الدمار الذي احدثه سلاح الجو و المدفعية يعتبر الان في صالح القوة المدافعة وهي حركة حماس حيث تشكل لها سواتر خرسانية قوية تحتمي اليها و يظهر من خلالها المقاتلين بشكل مفاجئ علما ان حماس لا تحتاج الى ممرات واسعه كونها لا تمتلك دبابات او اليات ثقيلة, ولو كان لدى حماس قدرة على عمل مثل هذه الحواجز الخرسانية لقامت ببنائها قبل الحرب لكن الجيش الإسرائيلي قدمها لهم مجانا .
الموقف العسكري حاليا على الأرض لم يحسم لصالح أي طرف ولن يستطيع أي طرف حسم المعركة بعد مرور فترة الذروة الا من خلال مفاجئة استراتيجية من خلال ادخال سلاح فتاك يستخدم لأول مرة او من خلال مفاجئة سياسية يدخل من خلالها دولة او عدة دول كحلفاء لاحد الأطراف و انهاء الطرف الاخر وهذا أيضا اصبح ضربا من الخيال فلن تدخل ايران و اتباعها هذا الصراع كونها غير مهتمة بالنتائج و ما يهمها هو تحقيق مصالحها المتمثلة في مزيد من الصراعات في الشرق الأوسط كما ان الدول الغربية لن تدخل بشكل مباشر لمساندة القوات الإسرائيلية على الأرض .
وبعد ما تم تحليله الى اين تتجه الأوضاع؟ السيناريو الأقرب هو استمرار ممارسة الضغوط على أطراف الصراع لوقف إطلاق النار وتبادل الاسرى وعكس ذلك ستجر إسرائيل نفسها الى حرب طويلة الاجل تؤثر على قدراتها بشكل كبير واستمرار حملات العداء والكراهية ضد كل الأطراف او الانزلاق الى حرب إقليمية وعلى الرغم من استبعاد ذلك حاليا.
اما بالنسبة للخطأ الاستراتيجي الذي اقترفه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو و هو انه حدد الهدف الاستراتيجي للحرب و هو القضاء على حماس خلال ثلاث شهور و إعادة المخطوفين يبقى العقبة الرئيسية امام إسرائيل كونه هدفا استراتيجيا بعيد كل البعد عن المنطق و( ان لم يتحقق تعتبر إسرائيل الطرف الخاسر في المعركة ) ولا يمكن تدمير حماس خلال هذه الفترة التي مضى اكثر من نصفها ولابد من التفاهم الإسرائيلي الداخلي على هذا الموضوع اما من خلال اقناع نتنياهو على التخلي عن هذا الهدف و الانسحاب من المشهد السياسي مع ضمانات عدم محاكمته او تعديل الهدف الاستراتيجي للحرب بذريعة ان رئيس الوزراء تسرع و انفرد بهذا القرار ولم يرجع لوزير الدفاع و رئيس الأركان و قادة الأجهزة الأمنية و دخوله مرحلة المحاسبة على الفشل الذريع الذي حدث يوم السابع من أكتوبر و سوء إدارة المعركة .