بقلم - غيث العمري -معهد واشنطن لسياسات الشرق الاوسط * .
في 26 شباط/فبراير، قبل رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس استقالة رئيس الوزراء محمد أشتية وحكومته. ويشغل أشتية، الذي هو عضو في «اللجنة المركزية لحركة "فتح"»، منصب رئيس الوزراء منذ عام 2019 وقد تنحى عن منصبه وسط تزايد الدعوات الأمريكية والأوروبية والعربية لإصلاح "السلطة الفلسطينية".
والهدف من ذلك هو أن تلعب رام الله دوراً في الجهود الإنسانية وجهود إعادة الإعمار والحكم في غزة ما بعد الحرب، وفي النهاية، استعادة السيطرة على القطاع. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يشير هذا الإعلان إلى أن قيادة "السلطة الفلسطينية" مستعدة للنظر في إصلاح حقيقي، أم أنه مجرد مناورة لتخفيف الضغوط الدولية؟
تمكين الحكومة المقبلة
لم يتم بعد تعيين خلف رسمي لأشتية. ومع ذلك، لكي يتمتع أي مرشح بالمصداقية، يجب أن يُنظر إليه على أنه مستقل ومتمكن - خاصة في المجالين المالي والأمني. وهذا أمر ضروري ليس للأغراض الفلسطينية الداخلية فحسب، بل لبناء ترتيبات مستدامة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة أيضاً.
وعلى المدى القصير، يُعد استلام "السلطة الفلسطينية" زمام الأمور بالكامل أمراً غير واقعي. ومع ذلك، يجب أن يقتنع المانحون بأنه تم إصلاح "السلطة الفلسطينية" بشكل كافٍ، وبأنها تتمتع بالقدرات والشفافية المالية لتضطلع بدور يتنامى تدريجياً في إدارة إعادة الإعمار والحكم، كل ذلك دون تحويل مسار المساعدات إلى أغراض غير منشودة. وبالمثل، سوف تتردد الجهات الفاعلة الدولية في المشاركة في الترتيبات الانتقالية ما لم تكن متأكدة من جدية "السلطة الفلسطينية" في بناء القدرات الأمنية اللازمة.
لن تؤدي عودة "السلطة الفلسطينية" إلى غزة إلى الحصول على دعم الجمهور الفلسطيني أو مجتمع المانحين الدولي ما لم يُمنح مجلس الوزراء المقبل المجال لتنفيذ إصلاحات أمنية ومالية وسياسية جدية
وعلى المدى الطويل، فإن وجود "سلطة فلسطينية" قادرة على الإصلاح أمراً ضرورياً أيضاً لتحقيق حل الدولتين أو حتى اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه. وإلا ستكون النتيجة على الأرجح قيام دولة فاشلة أخرى في منطقة تعج بمثل هذه النماذج المزعزعة للاستقرار.
وسيحدد سؤالان ما إذا تم استيفاء هذه الشروط أم لا. أولاً، هل سيجري تمكين رئيس الوزراء الجديد لكي ينجز الإصلاحات اللازمة؟
إن البنود الرئيسية على جدول أعمال الحكومة المقبلة شاقة، حيث تشمل إعادة بناء قوات الأمن وتوسيعها لاستعادة السيطرة على الضفة الغربية، وتدريجياً في غزة، بالإضافة إلى إنشاء نظام مالي عام شفاف وموثوق ليكون بمثابة قناة للمساعدات الدولية وأموال إعادة الإعمار. ولا يمكن تحقيق هذه المهام في ظل التدخل المستمر من قبل مراكز القوة الفلسطينية الأخرى. فكلما ازدادت استقلالية خلف أشتية، كلما زادت الثقة في قدرة رئيس الوزراء على مواجهة عباس وكبار شخصيات "فتح"، الذين سيحاول الكثير منهم على الأرجح تقويض أي إصلاح بنّاء. ولا تعني الاستقلالية غياب الانتماءات إلى الفصائل، إلا أن تعيين شخص مقرب جداً من عباس أو يحترمه للغاية من شأنه أن يلقي بظلال الشك على أهمية هذه الخطوة.
ثانياً، من سيتحكم بعملية تشكيل الحكومة؟ إن مدى فرض عباس أو «اللجنة المركزية لحركة "فتح"» هذه التعيينات سيكون مؤشراً مبكراً على الآفاق المستقبلية لرئيس الوزراء. ويجب إيلاء اهتمام خاص لاختيار وزير الداخلية (الذي يتمتع بالسلطة القضائية على الأجهزة الأمنية) ووزير المالية. ومن الناحية التاريخية، خضعت هاتان الحقيبتان لتدخلات كبيرة من قبل الرئيس الفلسطيني وحركة "فتح".
وهناك مؤشرات أخرى تستحق المتابعة أيضاً. على سبيل المثال، هل ستكون الحكومة المقبلة حكومة تكنوقراط فعلية يتم فيها تعيين وزراء من الخبراء، أم ما يسمى بحكومة "توافق وطني" التي يتم اختيار أعضائها من قبل فصائل مختلفة، بما في ذلك "حماس"؟ إن أي إشارة إلى أن الحكومة تضم شخصيات مقرّبة من "حماس" ستجعلها غير مقبولة بنظر المجتمع الدولي. بالإضافة إلى ذلك، هل ستشمل الحكومة تمثيلاً للشباب، أم ستهيمن عليها شخصيات أكبر سناً وأكثر تقليدية؟ إن الإصلاح العميق هو أقل احتمالاً بكثير في السيناريو الأخير.
مشاكل الشرعية
إلى جانب هذه التساؤلات حول التمكين، لم يتضح ما إذا كان الاكتفاء بتغيير رئيس الوزراء والحكومة سيسمح ببدء عملية إعادة التأهيل السياسي "للسلطة الفلسطينية". إن استعادة السيطرة على غزة تتطلب أكثر من مجرد تعزيز القدرات العملياتية - فهي تعتمد أيضاً على رغبة الشعب في قبول حكم "السلطة الفلسطينية".
وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن حوالي 60 في المائة من الفلسطينيين يريدون حل "السلطة الفلسطينية" وحوالي 90 في المائة يريدون استقالة عباس. وقد لا يكون تعيين رئيس وزراء جديد كافياً لمعالجة مشكلة الشرعية الأوسع نطاقاً هذه، خاصة إذا كانت هناك شكوك حول استقلالية الحكومة المقبلة وتمكينها. وبدون وجود علامات واضحة تشير إلى أن العمل جار على القيام بتغييرات أكبر، فستظل الثقة العامة في "السلطة الفلسطينية" منخفضة. وفيما يتخطى الأولوية المباشرة المتمثلة بإصلاح "السلطة الفلسطينية"، سيتطلب التغيير على المدى الأطول إعادة تنشيط "فتح" وإصلاح "منظمة التحرير الفلسطينية"، وكلتا الهيئتين تحت قيادة عباس.
التداعيات على السياسة الأمريكية
حالما تتم تسمية رئيس الوزراء القادم، سيُنظر إلى رد إدارة بايدن على أنه مؤشر على تصميم واشنطن على إصلاح "السلطة الفلسطينية". ومن هنا، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين أن يؤكدوا ضرورة أن يكون خلف أشتية مستقلاً ومتمكناً. وعليهم أيضاً أن يلاحظوا أن الضغوط الأمريكية من أجل الإصلاح لن تنتهي بمجرد تعيين رئيس وزراء جديد.
وعلى المدى الطويل، تتطلب إعادة تأهيل "السلطة الفلسطينية" نهجاً أكثر شمولاً وطموحاً، يبدأ بتجديد قيادتها السياسية. فالرئيس جورج دبليو بوش كان أول من اقترح المخطط التفصيلي لهذا التوجه في خطاب ألقاه في عام 2002، وحدد فيه الأفق السياسي للسلام الإسرائيلي الفلسطيني والخطوات اللازمة لتحقيقه. وكانت أهم الخطوات واضحة: تشكيل قيادة فلسطينية جديدة واستيفاء سلسلة من معايير الإصلاح. وقد وفرت هذه المقترحات مظلة سياسية لعملية دبلوماسية تقودها الولايات المتحدة، تُوجت في "خارطة الطريق الرباعية" في عام 2003 والجهد الإصلاحي الجاد الوحيد الذي قامت به "السلطة الفلسطينية" حتى الآن، بقيادة رئيس الوزراء آنذاك سلام فياض.
ولكي ينجح هذا النهج اليوم، تُعتبر القيادة الأمريكية ضرورية ولكنها غير كافية. ومن المرجح أن يحاول قادة "السلطة الفلسطينية" تخفيف الضغوط الأمريكية من خلال طلب الدعم من مانحين أجانب آخرين. لذلك يجب على إدارة بايدن التأكد من أن أصحاب المصلحة الإقليميين والدوليين الرئيسيين يؤيدون النهج المذكور أعلاه وينقلون رسالة مماثلة إلى "السلطة الفلسطينية".
----------------------------------------------------------------------------------
* الكاتب ليث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الاوسط -ومستشار سياسي سابق "للسلطة الفلسطينية"- وكان سابقا المدير التنفيذي لـ "فرقة العمل الأميركية المعنية بفلسطين". ونشر هذا التقرير في النشره اليوميه للمعهد