النائب الاسبق ميسر السردية
شعرت بالملل بعد أن ذرعت الشارع الصغير أمام البيت عدة مرات، وقفت عند رأس الحارة أشاور حالي في المضي بعيدًا. صوت الريح يُصفر ، لا حس ولا رس، عدا خشخشة أغلفة الأشياء التي رماها الأطفال،فظلت تكرج مع غبارٍ يتلوى رافضًا مغادرة الأرض نهائيا .
على بُعد "مقرط عصا" من الحرش المقابل ، ظهر كلبان يتعافسان وخلفهما تدور مجموعة جراءٌ مازالت دون عمر المراهقة.
ارتفعت وتيرة النباح،فشدتني المتابعة عن كآبة الفراغ الذي كنت اتقلب فيه.
تقارب الفريقان بدرجة توحي بأن الكلب الأحمر يوشك على استخدام الضربة القاضية وعض رقبة غريمه الأبقع.
تباعدا من جديد مسافة معقولة، ثبّت كل منهما في مواجهة الآخر، قصُرت ارجلهم الأمامية، وتقوست اجسادهما، فباتا في هيئة التأهب والدخول في إشتباك عنيف.
خف التوتر وبدأت مرحلة الهرير واضحة، حيث تهتز أذنابهما بايقاع لابد وله رمزيته في لغتهم الكلبية الخاصة....
راودتني رغبة طفولية برمي حجرٍ صوبهما، تراجعت مؤنبة نفسي ... قد يكون هذا مشهد عتاب مرير بينهما، ولمَ لا، هذه أمم أمثالنا، لها حياتها ايضًا، تحدث بينهم نزاعات كثيرة، بعضها تركات معلقة ، وبعضها طارئ، كالخلاف على فطيسة طازجة، عثرا عليها في المكبة القديمة، أو تقاسم ما يأملانه من حصص مخلفات الأضاحي قريباً..
اختفت الكلاب، رحت أعِظ حالي متذكرة الآيات الكريمة حول المخلوقات التي لطالما كانت من جنود الله، هل فاتكِ الموقف المشرف لأمة الكلاب عندما افترست كلاب العدو في غزة، وكذلك موقف أمة الدبابير التي انقضّت من اعشاشها مهاجمة وحدة عسكرية عدوة فأخرجتها من خدمة القتل ؟!!!!
نبهتني من استغراقي ذاك، سيارة سوداء، صفت بجواري، أطلت سيدة"جهمة "،سألتني عن طريقٍ مختصرٍ يُخرجها من حارتنا. .
يبدو أنها" لاصت" في حارتي،إذ لا ينفع التائه في دخلاتها ومساربها الضيقة، لوكيشن، ولا جي بي أس ولا مايحزنون .
حسست برودة الكندشن المحملة بعطر كريستيان ديور،ملأت صدري بانتعاش يرد الروح ،على فكرة العطر يرفع هرمون السعادة، وذلك ما ماشجعني كي أمط عنقي أكثر لأستجوبها بإستهبال : شكلك مش من هالبلاد ؟! ردت بجلافة لا تخلو من تطرف وقرف طبقي: لا طبعًا.
خمنت أن ردها الجاف جاء لتدارك فضولي و"ثقل دم" العوام... عمومًا هكذا عادة يوصف " الجدول السكاني" الذي انتمي لكشوفاته الرقمية، تفكيرًا وقيمًا، حيث ننسى مراعاة الخطوط الحمراء، واحترام الفروقات التي من العيب عدها أثناء التعامل مع " تشكيلات الجداول الماسية "المرفرفة فوق هامات الذين "يتدعثرون" دائما فيسقطون بنفس الحفرة، ذلك لأنهم يجهلون مع من يتكلمون.
تمتمت مفردات فهمت منها " نو بروبلم".. لفّت الستيرنج بخاطرٍ كدر، حتى دون شكر .. علا صوت عبدالوهاب "جفنه علم الغزل" ظللت واقفة مكاني، غشاني العجاج المتكثّف خلفها، فلفني كزفة إبليس ...
من أين جاءت هذه المرأة وكيف وصلت حارتنا ؟! لهجتها غريبة .. لوحة السيارة سياحية، أتُرها هيفاء وهبي مدعوة لإقامة حفل في أحد الفنادق، فجرها النصيب إلى منطقتي ؟!
مستحيل هيفاء تسوق سيارة بنفسها، ثم هي ليست أقل مكانة من نجوى كرم التي مادت فوقنا بطائرة خاصة واستقبلت بالزغاريد قبل ثلاث سنوات، ولا أظن صاحبة "بوس الواوا" تتذوق شعر الأخطل الصغير..
عدت هاربة إلى البيت، تصورت كل هوام الحارات تلاحقني ". اغلقت الباب وسحلت خلفه على البلاط ... بحثت فورًا على جوجل عن آخر اخبار هيفاء وهبي.. فظهرت لي أغنية " جفنه علم الغزل"..