==========================
لقاء فتح وحماس في بكين ياتي في اطار المساعي الصينيه الدائمه الى إحلال السلام والأمن في الشرق الاوسط ، بينما واشنطن تشعل التوترات والحروب. ومن الممكن أن تكون الموافقة على إنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني دافعاً للولايات المتحدة للضغط على إسرائيل من أجل إنهاء الحرب كي لا تسجل الصين نقاطا في مرمى الولايات المتحدة في ظل المنافسة بينهما.
===========================
بيروت - د. تمارا برو - باحثة في الشؤون الآسيوية
----------------------------------------------
بينما العالم منشغل بالانتخابات الأميركية، كان هناك على المقلب الآخر من يعمل بصمت لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية بعد عدة محاولات سابقة لم تحقق المطلوب.
مع دخول حرب غزة شهرها العاشر، استضافت العاصمة الصينية بكين الجولة الثانية من المباحثات بين حركتي فتح وحماس، بالاضافة إلى فصائل فلسطينية أخرى. وأسفرت المباحثات عن إعلان بكين الذي تضمن بشكل أساسي تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية حول إدارة غزة بعد الحرب.
كان من المقرر عقد الجولة الثانية من المباحثات أواخر الشهر الماضي، إلا انها تأجلت لأسباب غير معلومة. وعقدت الجولة الأولى من الحوار خلال شهر نيسان/ إبريل الماضي في بكين أيضاً.
يأتي انعقاد الجولة الثانية من المباحثات في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتزايد أعمال العنف في الضفة الغربية، واقتحام وزير القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير المسجد الأقصى، ورفض الكنيست الإسرائيلي إقامة دولة فلسطينية، وزيارة نتنياهو إلى واشنطن والحديث الأميركي عن اقتراب التوصل لوقف إطلاق النار وتحرير الأسرى .
ويأتي انعقاد الحوار أيضاً بعد ارتكاب إسرائيل لمجزرة المواصي في خان يونس التي راح ضحيتها 400 شخصاً بين شهيد وجريح، وإعلان إسرائيل أنها كانت تستهدف قائد كتائب القسام محمد الضيف وقائد لواء خان يونس رافع سلامة، وتبادل الاتهامات بين الرئاسة الفلسطينية وحماس بعد أن هاجمت الرئاسة الفلسطينية في بيانها عن المجزرة حماس لتهربها من الوحدة الوطنية، وتقديمها الذرائع المجانية للاحتلال وحمّلتها المسؤولية عن استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة. بينما وصفت حماس البيان بأنه يعفي الاحتلال من المسؤولية عن المجازر التي يرتكبها ويساوي بين الضحية والجلاد. ومن ناحية أخرى، ذكر موقع أكسيوس الأميركي أن اجتماعاً ثلاثياً ضم الولايات المتحدة وإسرائيل والسلطة الفلسطينية عقد للتباحث حول معبر رفح الحدودي.
بشكل عام، ساعدت الظروف، على رضوخ الأطراف للجلوس على طاولة المفاوضات لإنهاء الانقسام الداخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية والسعي لوقف الحرب وإقامة دولة فلسطينية، بعد أن وصل عدد الشهداء الفلسطينيين إلى 40 ألف شهيد وآلاف الجرحى والمفقودين وتدمير غزة بالكامل تقريباً.
عملت بكين خلال السنوات الأخيرة على أن يكون لها دور أكبر في الشرق الأوسط يتجاوز العلاقات الاقتصادية، فبدأت تتدخل في القضايا الأمنية إنما بحذر شديد.
فنجحت في لعب دور الوسيط بين السعودية وإيران، إذ أنه بعد عدة جولات من المباحثات بين الرياض وطهران عقدت في العراق وسلطنة عمان، كان الجانبان بحاجة إلى ضامن لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، فجأت الصين لتكون الضامن مع موافقة الأطراف المعنية على ذلك نظراً لأن الصين دولة كبيرة وتحظى بثقة كل من إيران والسعودية التي تربطها بهما علاقات قوية.
وبعد نجاح الصين في وساطتها أعلنت أنها على استعداد للتوسط بين الفلسطينيين والإسرائليين، وللعب دور إيجابي لتحقيق المصالحة الداخلية بين الفصائل الفلسطينية. وهو ما سمعه الرئيس الفلسطيني محمود عباس من الرئيس الصيني شي جين بينغ عندما التقى به في بكين التي زارها العام الماضي.
إن عرض الصين لمساعيها في إيجاد حلّ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس بجديد، إنما لم يكن بهذا الدافع والزخم الذي شهدته خلال السنوات الأخيرة لاسيما بعد حرب غزة . فقد عقدت الصين مباحثات استكشافية عدة حول النزاع في أعوام 2003، 2006،2013، 2017، 2023 تمحورت حول وجوب إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967، ووقف النشاط الاستيطاني، وضمان الأمن للجميع عبر مفاوضات وحوارات بناءة، كما قدمت خطط للسلام في الشرق الأوسط من بينها إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية.
ضغطت بكين لإجراء الحوار الثاني وأجرت مشاورات مع مختلف الأطراف لانعقاده ، وهذا ما يمكن استنتاجه من إصرارها على عقد الجولة الثانية من المباحثات بعد تأجيلها الشهر الماضي لأسباب قد يكون للولايات المتحدة الأميركية دور فيها، إذ من المحتمل أن تكون واشنطن قد ضغطت على الرئيس محمود عباس لعدم المشاركة في الحوار، فليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تتحقق المصالحة بين الطرفين على يد الصين في ظل التنافس الصيني الأميركي. وتدرك الصين جيداً أن مهمة المصالحة بين فتح وحماس صعبة بسبب تعقيدات المشهد السياسي وتباين المواقف والبرامج السياسية بين الحركتين، والضغوطات التي يمكن أن تمارسها واشنطن وتل أبيب على حركة فتح ، ومع ذلك تصرّ بكين على عقد الجولات على الرغم من فشل الجولات السابقة.
أهداف عدة تسعى الصين إلى تحقيقها من وراء التوسط بين حركتي فتح وحماس التي يربطها بهما علاقات جيدة. فمع تزايد التوترات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية من جهة، والصين ودول الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، ومعاناة الصين من فائض الانتاج وضعف الاستهلاك المحلي، أخذت تبحث عن أسواق جديدة لمنتجاتها ومن بينها أسواق الشرق الأوسط إذ تحظى المنطقة بأهمية كبيرة لدى الصين بسبب غناها بالنفط الذي تحتاجه بكين لتنمية اقتصادها. لذلك تسعى إلى أن يكون لها دور أكبر في تأمين الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط لتحقيق مكاسب اقتصادية. فالصين تؤمن بأنه لا سلام ولا استقرار في المنطقة ما لم يتم حلّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، واتمام المصالحة الوطنية هي الخطوة الأولى لحلّ النزاع مع إسرائيل.
وفي الإطار نفسه، وجدت الصين، من خلال حرب غزة، أن استمرار الصراع بين فلسطين وإسرائيل يؤثر على الملاحة الدولية، ويمكن أن يؤدي إلى حرب اقليمية في المنطقة وبالتالي يعرض مصالحها للخطر.
تسعى الصين إلى إنهاء الانقسام الداخلي وتوحيد الصف الفلسطيني لأن الاستمرار في الانقسام يجعل من الصعب على فلسطين التواصل مع الدول الأخرى بصوت واحد. وبالتالي يتعذر عقد مؤتمر للسلام لحلّ القضية الفلسطينية الذي تسعى الصين إلى أن تكون أحد أطرافه. وبعد عقد جولات الحوار برعاية صينية حجزت الصين مقعداً لها في الجهود المبذولة لحلّ القضية الفلسطينية.
ومن جهة أخرى تريد الصين أن تظهر بصورة حامي السلام على المسرح العالمي إذ أنها تعرض وساطتها لحلّ النزاعات والحروب الدائرة في مختلف بقاع الأرض. فالصين تهدف إلى أن تكون قطب عالمي ينافس الولايات المتحدة الأميركية، وللعب هذا الدور عليها أن تحصل على ثقة مختلف دول العالم وتعزز من علاقاتها الاقتصادية معها، ويصعب تحقيق ذلك في ظل غياب الأمن والاستقرار العالميين. ومن هنا نرى تغيراً في السياسة الخارجية الصينية نحو الانخراط أكثر في القضايا الأمنية العالمية إنما بحذر شديد.
تريد الصين من خلال استضافة الحوار الفلسطيني أن تبعث برسائل إلى الولايات المتحدة أنها تسعى إلى إحلال السلام والأمن، بينما واشنطن تشعل التوترات والحروب. ومن الممكن أن تكون الموافقة على إنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني دافعاً للولايات المتحدة للضغط على إسرائيل من أجل إنهاء الحرب كي لا تسجل الصين نقاطا في مرمى الولايات المتحدة في ظل المنافسة بينهما.
كما أن انخراط بكين في القضية الفلسطينية والشرق الأوسط ككل، والمعروف أن المنطقة ذات نفوذ أميركي، جاء نتيجة لتدخل واشنطن في بحر الصين الجنوبي حيث النفوذ المتزايد للصين.
أخذت الصين المبادرة بهدف تحقيق المصالحة الفلسطينية، وتدرك أنه إذا لم تنجح في تحقيق وتطبيق إعلان بكين فهي لن تخسر شيئاً، بل تكون قد ظهرت للعالم بأنها راعية للسلام. ولكن إذا نجحت في إتمام المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية فمن الصعب عليها أن تلعب دور الوسيط بين إسرائيل وفلسطين بدون موافقة واشنطن نظراً لاعتماد إسرائيل على أميركا، كما أن العلاقات الإسرائيلية الصينية بعد حرب غزة دخلت مرحلة من الفتور لعدم دعم بكين تل أبيب وعدم إدانتها لحماس وسعيها لتحقيق المصالحة الوطنية.
قامت الصين، عبر استضافة جولات الحوار، بواجبها كدولة مسؤولة وكبيرة ولاعتباراتها الخاصة. ومن المحتمل أن تكون قد قدّمت ضمانات أكثر من غيرها، إنما نجاح ما تم الاتفاق عليه هو بيد الفصائل الفلسطينية التي عليها تحقيق المصالحة وأنهاء الانقسام تكريماً لدم الشهداء الفلسطينيين وايقاف حمام الدم واستغلال إسرائيل لهذا الانقسام وتغذيته.
إعلان بكين هو إطار عام ويبقى تنفيذه رهن الاتفاق بين الأطراف الفلسطينية على تشكيل حكومة وحدة وطنية وانهاء الانقسام الداخلي، ويرتبط بوقف الحرب على غزة وعقد مؤتمر للسلام الذي يمكن لاتفاق صيني أميركي أن يحقق ذلك ولكن تبقى مصالح كل دولة هي الأولوية.
المصدر : راي اليوم